أحداث اشتباكات وعنف مجلس الوزراء
انهيار مصر اقتصاديا يعني ببساطة أزمات اقتصادية بشكل أو بآخر في عدد من دول المنطقة، وسوف يتبعها أيضا وفق الرؤيا الغربية، المزيد من الثورات والاحتجاجات سواء داخل مصر أو في الدول المجاورة. هكذا يرى الخبراء الاقتصاديين الغربيين الذين يتابعون عن كثب الأحداث السياسية في مصر وشظايا العنف التي أصبحت تنال من كل استقرار.
الاقتصاد المصري حسب رأي الخبير الاقتصادي والقانوني الأمريكي بن هاينيمان, هو قضية دولية, حيث يشير هاينيمان في مقاله بمجلة "أتلانتك" الأمريكية إلى أن ما يحدث في مصر هو أساس مستقبل العالم العربي الجديد, لذا فإن على الغرب مراقبة ما يحدث هناك بعناية واهتمام. وهو يركز في طرحه بشكل أساسي على أزمة الاقتصاد المصري الحالية, التي يتوقع أن تزداد تأزما, في وقت الكل غارق في أزماته الخاصة، وليس أمام الولايات المتحدة وأوروبا وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلا ضخ الأموال أو الفعالية في المساعدة على استقرار مصر اقتصاديا, من خلال تدابير مثل اتفاقات تجارة حرة وضمانات للاستثمار, وتخفيف عبء الديون وتقديم قروض ميسرة أو حتى مساعدات مباشرة.
ويؤكد هاينيمان أن الاقتصاد كان واحدا من أهم الأسباب التي أدت للإطاحة بمبارك, مع فشل نظامه في التعامل مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع أسعار الغذاء واستشراء الفساد, ولكن يبدو أن نفس هذه الأسباب هي التي سوف تؤدي إلى إسقاط أي نظام آخر, سيعجز عن مواجهتها.
يكتب هاينيمان: إنه من المتوقع أن لا يتعدى نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية 1% مقابل 5% كان قد وصل لها سنويا خلال العقد الماضي, مع تفاقم أزمة العملة, وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى 22 مليار دولار, إضافة إلى انخفاض واردات السياحة وجفاف الاستثمار الأجنبي وسط حالة من الشعور بعدم اليقين التي أفزعت رجال الأعمال, مما أدى إلى انخفاض مؤشر سوق الأسهم بنسبة تتجاوز 40%, كل هذا وغيره سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والتضخم والبطالة بأكثر مما كانت عليه في عصر مبارك.
كان جوزيف طربيه، رئيس الاتحاد العالمي للمصارف العربية، قد حذّر في مؤتمر عقد مؤخرا للمؤسسات المالية العربية الكبرى, من أن مصر (اقتصاديا) تسير في طريق الخطر, وبالتالي فإن "الربيع العربي سوف يتحول إلى شتاء اقتصادي قاس".
ونعود لهاينيمان, الذي يرى أنه وفقا لاختيار غالبية الشعب المصري للتيار الإسلامي, فإن على وجهات النظر الاقتصادية الإسلامية أن توفر الآن ما لا يقل عن 700 ألف فرصة عمل سنويا, للحفاظ على استقرار معجلات البطالة الحالية, فهل سينجح التيار الإسلامي في مواجهة مثل هذا التحدي؟
أما داليبور روهاك, مدير مركز الدراسات الاقتصادية بمعهد ليجاتوم الأمريكي, فقد كتب في مجلة "ويكلي ستاندر" الأمريكية, أنه منذ إسقاط نظام مبارك في فبراير الماضي, ومن الواضح أنه لا يوجد أحد من القائمين على أمور البلاد, لديه تصور واضح عن كيفية حل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر, والتي من المرجح وفق تصوره أن تستمر خلال العاميين القادمين.
ويرى روهاك أن حل الأزمة ليس واضحا بشكل عملي حتى في البرامج الاقتصادية للمرشحين المحتملين للرئاسة المصرية ومنهم عمرو موسى والدكتور محمد البرادعي, إضافة إلى أنه بالتأكيد ليس قضية ذات أهمية كبري بالنسبة للحكومة الانتقالية السابقة, التي غاب عنها بشكل واضح كيفية معالجة الوضع الاقتصادي, باعتباره من المسائل الصعبة, وأن تلك الحكومة لن تحكم فترة تالية.
كما يرى روهاك أن عددا قليل جدا من السياسيين في مصر كان لديهم الرؤية أو الالتزام بتقديم علاج واضح لمشاكل البلاد المالية, وبالكاد كانت لديهم فكرة واضحة عن الإصلاحات المطلوبة للحصول على اقتصاد مصري يسير في طريق النمو, فيكتب: "مع مزيج من التحديات الاقتصادية الهائلة ووجود نخبة سياسية تجهل خطورة الحالة, فإن احتمالات النمو الاقتصادي في البلاد قد تكون معدومة, ناهيك عن التحول السياسي".
وينهي مقاله بأن الوقت قد حان لإشراك النخب السياسية والجمهور في مناقشة جادة بشأن مستقبل البلاد الاقتصادي, وتمويل مبادرات المجتمع المدني وخزانات الفكر, قبل أن تتحول الأمور إلى كارثة, وتواجه البلاد أزمة اقتصادية حادة العام المقبل, قد تعيق المصريين عن بحثهم عن حكم ديمقراطي.
السيناتور الأمريكي جون كيري, رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي, كان قد عبّر عند زيارته لمصر في وقت لاحق, عن أن مصر في حاجة ماسة إلى ضخ نقد أجنبي كبير, والي ضرورة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أقرب وقت ممكن لطمأنة المستثمرين العرب والأجانب, وقال كيري: "إذا لم يكن هناك تركيز على الواقع الاقتصادي، فمن الممكن أن تخسر كل شيء".
يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه عدد من الخبراء الاقتصاديين أن مصر أرسلت عدة رسائل متضاربة حول رغبتها في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي, خاصة بعد أن أوقفت الصيف الماضي تفاوضها للحصول على 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
أما توماس فريدمان فقد أوضح في مقال له بجريدة "واشنطن بوست", أن الوضع الاقتصادي في مصر, هو الدافع وراء اختيار الغالبية من الشعب المصري للتيار الإسلامي, ليهمن على شئون البلاد, بعد أن فقد المصريون ثقتهم في الجميع, وهو يستشهد باستطلاع للرأي أجرته مؤخرا مؤسسة أبحاث "تشارني" التابعة لمعهد السلام الدولي, الذي أظهر أن 53% من المصريين يفضّلون الاستقرار وتحقيق انتعاش اقتصادي, بدلا من استمرار الاحتجاجات.
ولكن فريدمان يعترف بأنه لا يفهم كيف اختار المصريون التيار السلفي الأكثر تشددا, مقارنة بالإخوان المسلمين, في وقت هم فيه في أمس الحاجة إلى من يقدم رؤية حول تعزيز الأداء الاقتصادي للبلاد وهي رؤية -حسب رأيه- ليست محل تركيز من السلفيين. ويرى فريدمان أن إيران عندما اختارت الإسلاميين بعد إسقاط الشاه كان لديها مصادر ضخمة ولا تنتهي من عائدات النفط, مكّنت الحكم الإسلامي في إيران من تجاهل العالم, بل أيضا مواجهة الثورات الشعبية, ولكن مصر لا تملك مثل هذه الموارد, وبالتالي فإن الأمل الوحيد لديها لتحقيق نمو هو رأسمالية السوق الحر, شركات تنتج وعمال يمكنهم المنافسة في السوق العالمية.
لذا فإنه يرى أن أيا كان من سيحكم مصر, سيضطر إلى قبول نموذج أقل فسادا من الرأسمالية, مع المزيد من المنافسة العالمية, والخصخصة, وخفض الوظائف الحكومية, لإنقاذ الاقتصاد المصري من الغرق.
ويكتب فريدمان في نهاية مقاله: "على الإخوان المسلمين والسلفيين بعد خروجهم من القبو الذي سجنوا فيه طوال عقود إلى الشارع، أن يقوموا بتعديلات موجعة أيديولوجيا, في سياق اقتصاد عالمي تنافسي يخدم 85 مليون مصري".