أنها مجرد شهوة للحلوى.. لم أكن اختلف عن مثيلاتي.. وهل أصبحت شهوة الحلوى من المحرمات.. أو لم أكن طفلة ومن الطبيعي أن أتلقي الوعود بتلقي الحلوى، خاصة وأن المقابل مجرد قبلة لعمو ويصاحبها بعض...لا أعلم.. المهم الحلوى.. هكذا حينها ظننت...
الاغتصاب، أو الاعتداء الجنسي، في الطفولة، تجربة مريرة تتعرض لها الكثير من الفتيات الصغيرات، ولما لا فهي عبارة عن صيد سهل الإيقاع به بأقل الإغراءات في غفلة أو إهمال من الأهل.. ولتكن الجريمة الأولي في صمت.. اغتصاب متعة سهلة ورخيصة.
تقول دينا وهي نادمة علي تلقي الحلوي : "أنا فتاة في العشرينيات من عمري، مشكلتي بدأت منذ صغري عندما أعتدي علي أحد الشبان وأنا في عمر أقل من 10 سنوات – لا أذكر بالضبط - فقد كان يغرينا بأنه سوف يشتري لنا ألعابا وحلويات وكنا نستجيب له في مقابل الحلوى، وبعد فهمي لخطورة ما جري لي، أعيش الآن في حسرة وألم علي حالي."
وإذا كانت شهوة دينا للحلوى هي سبب حسرتها وآلامها الآن، فان سبب ألم شيماء هو حصة الرياضة، فتحكي شيماء قصتها مع الحصة الجنسية قائلة : "قد تكون قصتي قطرة ماء في محيط كبير، لكنها تلفت الانتباه إلى ما يحدث في الخفاء، فبكل اختصار تعرضت للاغتصاب من مدرس الرياضة، وتكرر الأمر عدة مرات، ولم أستطع أن أبوح لأي شخص بما أتعرض له؛ لأنني أعلم أنني سأكون مجرمة في نظر المجتمع. والفظيع في الأمر أن يحدث ذلك في حصة الرياضة!
وتكمل : "كان المدرس الذئب يطلب مني أن أحضر له شيئاً من مستودع الملابس، مدعيًا نسيانه أمام التلاميذ، وما يلبث أن يتبعني ليمارس جريمته، واستمر الأمر سنة كاملة كرهت بعدها المدرسين والرياضة وكل شيء. في السنة التالية فوجئت بصديقة لي تعترف لي بأنها تعرضت لشيء أزعجها من طرف نفس المدرس. لم أسألها التفاصيل فأنا على علم بها"!
أما سالمه فتفصح عن سرها قائلة :"مشكلتي أنني عندما كنت صغيرة أبلغ من العمر حوالي 4 سنوات أو 5 سنوات اعتدي علي، ولم أكن أعرف؛ وأنا لا أعرف إذا كنت فقدت عذريتي أم لا، وفي نفس الوقت فأنا لا أستطيع أن أتأكد، ولا أستطيع الارتباط بأحد لذلك السبب.
وتكمل: "هذه هي مشكلتي التي تؤلمني طول حياتي حتى بلغت الآن حوالي 25 سنة، وكلما تقدم لي أحد رفضته بالرغم من حبي الشديد أن أكون أمًّا، ولكني لا أستطيع"...
وإذا كان هذا ما يسببه اعتداء شخص بغيض، إلا إنه يمكن حدوثه أيضا من شخص قريب..
تقول وفاء: "المشكلة الأساسية التي جرت لي بعدها مشاكل نفسية وجسمانية هي أنني تعرضت لحادثة اغتصاب وأنا صغيرة وللأسف من ابن عمتي.. أقرب الناس يقتلني ويطعني.. كم أنا أكرهه وكم وددت لو أرد له ما فعله بى آلاف المرات ولا يكفيني، ولكني إنسانة مؤمنة بالله ولدي تأكد من أن الله سوف ينتقم منه ولا يسعني سوى أن أدعو عليه كما جعلني أحيا بعذاب وشك في أقرب الناس لدي والخوف حتى من النوم وبابي مفتوح."
ورغم جمال مريم وكثرة خطابها في وقت ندر فيه وجودهم، إلا أنها تعلن في غضب عن مقاطعتها التامة لهم قائلة :"ما يجب أن تعرفوه أننا لا نستطيع نسيان هذا الشيء أبدًا .. فكيف تتوقعون من طفلة في السادسة من عمرها يقوم باغتصابها شخص هو صديق للعائلة عدة مرات نسيان ذلك.. وإلى الآن لا أحد يعرف شيئًا، ورغم أنى بلغت من العمر 25 سنة فإلى الآن لا أستطيع نسيان هذا الكابوس الذي يراودني كل ليلة، وأفكر فيه وأشعر به وبآلامه...
تألمت كثيرًا، ترجيته أن يوقف ذلك، لكنه لم يستمع لي .. أتمنى أن يكون لي أطفال، لكني في نفس الوقت لا أريد الزواج وأخافه، فانا حتى الآن لا أعرف إن كنت عذراء أم لا؟.. ولا أريد أن أعرف؛ لأنني لن أتزوج .. تقدم لي الكثيرون، ورغم شهادة الجميع بأنني جميلة جدًّا وجامعية ومرغوبة، لكنني لا أستطيع أن أوافق، فلقد تعبت كثيرًا كثيرًا …"
ذهبنا بهذه الحكايات إلى الدكتور أحمد عبد الله، المستشار النفسي، علنا نفهم منه جوانب هذه الظاهرة، ونصل إلى حلولها.. إن كان لها حلول...
قال الدكتور أحمد عبد الله : "عندما بدأنا في فتح هذا الملف علي موقع إسلام أون لاين فوجئنا بحجم الظاهرة، وبضعف أو ندرة المواجهة، وبالتالي بفداحة التداعيات والآثار علي الضحايا ومن خلال المعلومات في الرسائل التي تصلنا تكاملت بعض أجزاء الصورة ومنها..
أولا: أن المتحرش غالبا من المقربين للضحية سواء من الأقارب أو أصدقاء الأسرة أو من الخدم وأحيانا فرد من أفراد الأسرة الأخ، الأب، الخال، العم.. ووجدنا انه بمقدار القرب تكون فداحة الآثار حيث أن الضحية يأتيها الخوف والرعب من حيث كانت تنتظر الأمن.
ثانيا: أن الضحية غالبا ما تعتبر نفسها جزءا من سبب وقوع التحرش أو الاعتداء أحيانا بسلوكها السابق عن التحرش أو بعدم مقاومتها للمعتدي أثناء الجريمة أو بصمتها بعد الجريمة، بغض النظر عن أسباب الصمت مما يساهم في مضاعفة الآثار النفسية عليها.
ثالثا: أحيانا ما يحدث تواطؤ وتكتم من الأسرة علي الحادث أو علي الجريمة، بخاصة إذا كان المعتدي احد أفراد الأسرة ما يضاعف الآلام التي تشعر بها الضحية.
رابعا: أن احتمالات ظهور أعراض نفسية علي الضحية هي احتمالات قوية وهذه الأعراض تكون قريبة وبعيدة المدى ومتدرجة في الشدة، بدئاً من اضطرابات النوم والأكل، مرورا بأعراض الاكتئاب والقلق بأنواعها وصولا إلي خلل أعمق مثل اضطرابات الشخصية بأنواعها.
خامسا: في اغلب الحالات فان علاقة الضحية بجسدها وبالدوائر الاجتماعية المحيطة بها غالبا ما يصيبها خلل فاضح يتمثل جزئيا في العزوف عن الزواج أو رفضه أو تأجيله وربما فشله بعد فترة حياة زوجية تقصر أو تطول.
ورغم فداحة الجريمة الأولي، إلا أنها أهون كثيرا من فداحة الجريمة الثانية وهي صمت الأهل علي الحادث خوفا من المجتمع، فإذا لم نستطع حماية بناتنا من أصحاب النفوس المريضة، فمن حقهن علينا على الأقل أن نصرخ في وجه المجتمع مطالبين بحقهن في أن يعشن برأس مرفوعة، وبلا شعور بالذنب ولا القهر...