تعلّم اللغة أهم إنجاز يقوم به الطفل الصغير، فهو عبر اللغة، يتحول من كائن مُتلقٍّ، يأكل ويشرب
وينام، إلى كائن متفاعل. وهو عبر اللغة يبدأ مشواره الإنساني الحقيقي. لذا، على الأهل مواكبة
الطفل في هذه المغامرة الكبرى
قد يكون تعلّم اللغة أهم إنجاز يقوم به الطفل الصغير، فهو عبر اللغة، يتحول من كائن مُتلقٍّ، يأكل
ويشرب وينام، إلى كائن متفاعل. وهو عبر اللغة يبدأ مشواره الإنساني الحقيقي. لذا، على الأهل
مواكبة الطفل في هذه المغامرة الكبرى.
اللغة أمرٌ حيوي. فهي تفسح المجال أمام الطفل، للتواصُل مع الآخرين، وكذلك تمنحه القدرة على
التفكير، وهي الأداة الأولى للتعليم، وأيضاً للإبداع
ولحُسن الحظ، يبدأ الطفل في التواصُل مع المحيطين به لحظة ولادته، وذلك عن طريق الحركة.
وبما أنّ احتياجاته الأوّلية محدودة في الأكل والنوم والشعور بالراحة، فهو يُعبّر عنها بالبكاء في
الأسابيع الأولى لولادته. فإذا شعر بأنه في حاجة إلى الرضاعة من ثدي أمه أو من القنينة، يأخذ
في البكاء. أما إذا كان حفاظه مبللاً، فقد يلوّح بيديه أو يحرّك رجليه. وحالما يبدأ الطفل الرضيع
في السعي إلى جذب اهتمام المحيطين به ولفت انتباههم، يبدأ أيضاً في إصدار أصوات هي أحيانا
ً مُتمّمة للبكاء، وبذلك يكون قد طوّر وسيلتين فعّاليتين من وسائل التواصُل
وكلما جنح الطفل نحو التواصل، تصبح أصواته أكثر تماسكاً، ومن ثم يبدأ في لفظ كلمات حقيقية،
وبعدها مجموعة من الكلمات الحقيقية، وأخيراً يُصبح قادراً على قول جملة كاملة.
فخلال ما يقارب السنتين، يصبح الطفل، الذي كان يبكي ليتواصل مع الآخرين، قادراً على الكلام
. وقد يصل عدد الكلمات التي يعرفها وفي إمكانه استخدامها إلى نحو أربعمئة كلمة. ويتضاعف هذا
العدد ليصل إلى نحو الألف في السنة الثالثة من عمره. وعندما يصبح الطفل في عمر يؤهله
للذهاب إلى الحضانة، يزداد العدد ليصبح أكثر من ألفي كلمة
ويسير هذا التطوّر الطبيعي تبعاً لجدول شخصي. فقد يقضي بعض الأطفال، وهم لايزالون في
المهد، وقتاً كبيراً، محاولين التواصُل اجتماعياً مع المحيطين بهم، أكثر من محاولتهم تقوية
قُدراتهم الجسدية. ونتيجة لذلك، يبدأون عادة في الكلام مبكراً. أما بالنسبة إلى الأطفال الآخرين،
فإنهم يُولون التحديات الجسدية وقتاً واهتماماً أكبر. لذا، فهم غالباً ما ينشغلون بـ"الشقلَبَة"
والتسلُّق وشد أجسادهم إلى الأعلى، أكثر من انشغالهم بالتواصُل مع الآخرين، ويُرجئون
المهارات الاجتماعية إلى حين بلوغهم السنتين أو الثلاث سنوات من العمر. وذلك في الوقت
الذي يبدأ الأطفال الذين يبدأون الكلام مبكراً، في التركيز على المهارات الجسدية التي أهملوها
سابقاً
وبغض النظر عن الجدول الذي يتّبعه الطفل، فإنه على أيّة حال، يستطيع تعلُّم الكلام مبكراً بقليل
من المساعدة. والنصائح الآتية تُقدّم له بعض المساعدة، لبلوغ هذا الهدف
توسيع مَدارك الطفل: قبل أن يبدأ الطفل في الكلام بفترة طويلة، فهو يراكم عدداً من المفردات
الحسية، وذلك بتخزين العديد من الكلمات والمفاهيم في ذهنه. وهذا يعني أنّ الطفل يفهم معنى
العديد من الكلمات والمفاهيم، قبل أن يستخدمها في الكلام. لذا، على الأم أن تُعرّض طفلها لعدد
كبير من الأجواء المختلفة (مثلاً، "السوبرمارك ت"، أماكن اللعب، المكتبة، السوق.. إلخ).
والتكلّم معه حول ما يشاهدانه بلغة بسيطة. ويمكن الاستعانة بكتاب مُصوّر أو مجلة أطفال، لتعزيز
وتقوية مفاهيم الطفل. كما يجب على الأم أن تُعزّز مَدارك الطفل بمفاهيم عامّة بسيطة، مثل
كبير" و"صغير"، "طويل" و"قصير"، "مُبلّل" و"جاف"، "واقف" و"جالس"، "جيد"
و"سيئ".. إلخ، وبتلك المفاهيم المتعلقة بالسبب والنتيجة، مثل "إذا وضعنا الماء على النار،
فإنه يغلي" و"لو وضعناه في الثلاجة يصبح بارداً". وعليها أيضاً حفز حواسه باستمرار، وذلك
بالحديث عن الألوان والأقمشة والأصواف والروائح المتوافرة في بيئة الطفل.
التكلُّم مع الطفل باستمرار: حتى يتمكن الطفل من استخدام اللغة، عليه بدايةً أن يفهمها. وحتى
يفهم اللغة يجب أن يسمعها مرّات عديدة، وبشكل متكرّر. وحتى يتكلم الطفل، على الأم أن تتكلّم.
لذا، عليها الاستمرار في الكلام (حتى لو شعرت بأنها ساذجة لإجرائها مُحادَثة من طرف واحد
فقط) وحتى لو شعرت بأن طفلها لا يملك أي فكرة عمّا تقول، عليها أن تُحدّثه عن كل شيء مثل
الطقس، المنزل، السيارة، والده، أشقائه، شقيقاته.. إلخ. وإذا كانت في المطبخ مع طفلها، عليها
أن تتركه يسمع الأصوات، التي تصدر عن استعمال أدوات المطبخ، وعليها أن تُسمّي له أعضاء
جسده وألوان ثيابه.
ولكن، يجب ألا تُبالغ في الأمر وتستمر في الحديث إلى ما لا نهاية، بحجة فسح المجال أمام طفلها
لسماع اللغة. فالأطفال أيضاً في حاجة إلى فترة من الهدوء للتفكير، إلى فرصة للاستماع لأنفسهم
بدلاً من الاستماع للآخرين فقط، ولملاحظة ما يحيط بهم من دون مساعدة أو توجيه من أحد. فإذا
تجاهل الطفل أمه وهي تتكلم، بتحويل نظره عنها، عليها التوقف عن الكلام، حتى لا تفرط في
تحميل سمع طفلها أكثر ممّا يتحمّل.
القراءة للطفل باستمرار: إنّ القراءة لطفلك من كُتب تضم صوراً، والشرح له عن الصور،
والتركيز على الأشياء المألوفة في كل صورة، وتفسير الأحداث، كل ذلك يفسح أمامه المجال
للتعرُّف أكثر إلى اللغة. لذا، ركّزي على القصص البسيطة في البداية، ثم على الإيقاع. كرّري على
مسامعه القصة والشرح، لأن الأطفال يحبون التكرار وسماع القصة مرات عدّة، ربما بسبب
إدراكهم بالفطرة قيمة التكرار كأسلوب للتعلُّم.
الغناء باستمرار: يحب الأطفال فطرياً الموسيقى، يصغون إلى الأغاني البسيطة. لذا، أديري
شريطاً يضم أغاني بسيطة حتى يسمعها طفلك، إضافة إلى الغناء له دائماً. بشكل عام، يستمتع
الأطفال بالأغاني التي يتضمّن لحنها تصفيقاً باليدين. ومرة أُخرى، فإنّ الإعادة تساعد على تطوير
مفردات الطفل. لذا لا تترددي في غناء الأغنية مرات عدة، ولا تقلقي بخصوص إتقانك الغناء،
لأن طفلك سيستمع إليك وهو فرح وممتن، حتى ولو لم يكن غناؤك جيدا
تسمية الأشياء بأسمائها: هناك آلاف المفردات في اللغة، وعلى طفلك أن يتعلمها، هي تسمية
الأشياء بأسمائها. مثلاً، عند وجودك في المنزل، سَمّي له الكرسي، الطاولة، المقعد، الكوب.. إلخ.
أما خارج المنزل، فيمكنك تسمية السيارة. الدراجة، الرجل، المرأة.. إلخ. في حال سمّيت غرضاً
ما، اطلبي من طفلك تكرار الكلمة من بعدك.
-
لفظ الكلمات بطريقة صحيحة: عندما يبدأ الطفل في الكلام، تخرُج الكلمات من فمه مجزأة وغير
مفهومة. مثلاً، قد يقول "تيتي" بدلاً من "أختي"، أو "بيب" بدلاً من "حليب".. إلخ. المطلوب
من الأم هنا أن تلفظ الكلمات بالطريقة الصحيحة، وألاّ تكررها بطريقة لفظ الطفل لها، لأنها بذلك
تُربك الطفل ولا تساعده على تطوير لغته. على أيّ حال، إنّ اللجوء إلى تصغير بعض الكلمات،
مثل "با" بدلاً من "بابا" أو "ما" بدلاً من "ماما"، لا يشكل أي مشكلة.
الإصغاء إلى الطفل: يحب الأطفال التعلُّم وحدهم أثناء اللعب. ولكن عند التحدّث إلى شخص ما
يحبون مثل أي شخص آخر، أن يشعروا بأنّ الطرف الآخر يصغي إليه بانتباه. لا تنشغلي عنه
بالحديث في التليفون مثلاً، أو مع شخص آخر، أو في مُشاهَدة التلفزيون.. إلخ. توقّفي عن عمل
أي شيء. انظري في عينيه، وأصغي إليه باهتمام، حتى لو لم تفهمي تماماً شيئاً مما يقول
قواعد أساسية في تربية الطفل
زيادة حدة سمع الطفل: إنّ شحذَ طاقة طفلك للإصغاء، سيساعده على كشف غموض اللغة. لذا،
فإن الاستماع للحديث أمر مهم بالنسبة إلى الطفل، ولكن الاستماع للأصوات الأخرى أيضاً مهم،
مثل أصوات العصافير، أو جرس الباب، أو التليفون، أو الماء الجاري.. إلخ. لذا، أصغي معه إلى
هذه الأصوات، وسَمّي كل صوت باسمه.
تفسير لغة الطفل الجسدية: حتى لو لم يكن عند الأم أيّة فكرة عمّا يقول طفلها، ففي إمكانها أن
تتجاوب معه. ولكن عليها في البداية محاولة قراءة لغة جسده وتعابير وجهه والألغاز البصرية
الأُخرى. فإذا اتّجه الطفل نحو الباب وهو يحمل سترته، مثلاً، يمكن أن تسأله إذا كان راغباً في
الخروج، أما إذا أخذ يفرك عينيه بيديه، فعليها أن تسأله عمّا إذا كان يشعر بالتعب أو بالنعاس
وإذا اتّجه نحو البرّاد (الثلاجة) يمكن أن تسأله إذا كان جائعاً أو عطشان. قد تعرف الأم في أحيان
كثيرة مقصد الطفل، ولكن حتى لو لم تعرف سيفرح طفلها لتجاوبها معه. وقد يشعر الطفل
بالإحباط ويأخذ في البكاء في حال لم تفهم الأم مقصده. ولكن، سواء أفهمت أم لم تفهم، فإنّ تكرار
طرح الأسئلة حتى تصل إلى فهمه، سيحفز الطفل إلى الاستمرار في الكلام
إ