كل رجل يجهر بعدائه للمرأة هو بالفعل هائم بها, خائف من تأثيرها, طامح الي ترويضها. وكان اول هؤلاء توفيق الحكيم صاحب عودة الروح والرباط المقدس. فهاهو يعبر عن خوفه من المرأة بقوله ان المرأة هي السجان الدائم للرجل, تحبسه بين جدران بطنها وهو جنين. فاذا خرج الي الحياة وقع بين سياج حجرها وهو طفل. فاذا كبر واجتاز سياج حجر امه تلقفته امرأة فاتحة ذراعيها تطوق عنقه حتي يموت.
هذا هو خوف الرجل من تأثير المرأة , ينظر اليها ولا ينكر ان ضياءها جاذب فيقول انها مثل القمر وان القمر لا يشع ضوءا من داخله وانما يعكس الضوء الاتي اليه من الشمس . والشمس في هذا السياق طبعا هي شمس الرجل. فلو انه اعترف بأن المرأة تضيئ من الداخل اعترف ايضا بأنه يتمني ان يسبح في ذاك الضياء. ولعل خوف الرجل المفكر من المرأة يتمثل في الخوف من المرأة الذكية لأنه ينكر وجودهاو يجهر بأن المرأة مخلوق تافه لا ينشغل الا بالحب. مثل هذا الموقف يمكنه من وضعها في الخانة الدونية التي تؤمن خوفه. وهنا يقول توفيق الحكيم ان المرأة اذا ابتلت بالجهل فهي مخلوق تافه واذا منحت الذكاء فهي مخلوق خطر.وكم هي المرات التي اقترح فيها ان المرأة عدو الرجل والمرأة الجميلة عدو الرجل المفكر لأنها تشغله عن فكره بجمالها.
في شبابي الاول كنت ارفض ان اقرأ لتوفيق الحكيم الذي لقب بعدو المرأة . ولكنني الان اجد متعة كبيرة في قراءة كتبه وتحليل موقفه الي مكوناته الانسانية . واتمني ان يتسع الوقت لقراءة سيرته الذاتية والتعرف علي علاقته بأمه واخواته وزوجته. وان صح ظني فقد كان ابنا بارا واخا معتدلا وزوجا محبا. وكم اتمني ان يكون خوفه من المرأة ذاب تماما قبل ان يفارق الحياة.
قبل ايام شاهدت فيلم سيدتي الجميلة المأخوذ عن رواية الاديب الايرلندي جورج برنارد شو بعنوان بيجماليون.
استمتعت بالمشاهدة لأنها ردتني الي اول الشباب حين درست روايات برنارد شو في الجامعة وتعلمت ان موضوع المسرحية يختص بأسطورة عن فنان يجيد النحت صنع تمثالا جميلا لامرأة اسمها جالاتيا. ومن فرط اعجابه بما ابدع دبت الحياة في جالاتيا فاذا بها حية تسعي وتكلمه وتجادله وترافقه اينما كان. وكان الفنان شديد الزهو والفرح بما ابدعت يداه . وزج به الزهو الي موقف غير سوي لأنه ظن ان جالاتيا ملك خاص له بلا ارادة ولا مشاعر ولا حق في طلب اي شيء لا يجود به هو. ولما ضاقت به جالاتيا تمردت وهددته بالهجران.
تلك هي الاسطورة . وذلك هو الخوف المقيم: ان يتمرد المخلوق الجميل ولا يفعل ما يؤمر به.
اما قصة الفيلم المقتبس عن المسرحية فهي ان استاذ ا معلما يعقد رهانا علي انه قادر ان يلتقط فتاة رثة الثياب قليلة المال والثقافة وان يبدلها الي اميرة علي قدر كبير من الاناقة والرشاقة والجاذبية , تتحدث كما الاميرات وتتحلي بصفات تضعها في مصافهن.
وبعد جهاد طويل - من الاستاذ ومن التلميذة - تتحقق المعجزة ويقرر الاستاذ ان تختلط تلميذته بالملوك والنبلاء. ويكسب الرهان ويهنئ نفسه علي عبقريته ولا ينتبه الي التلميذة ولا يعترف بما حققت هي . يريدها ان تستمر في تنفيذ ما تؤمر به وكأن ارادتها استمرار لارادته وغاية ما يمكن ان تطمح اليه هو رضاه.
وحين تشكو من انانيته المفرطة وتهدده بالهجران نجده في حالة ذهول يستحق الرثاء ووحدة تختزل وجوده الي طفل متكوم علي اريكة في بيت معتم كئيب.
وفي لحظة التنوير ينتصر ذكاءها علي ذكائه لأنها تفهم خوفه واحتياجه فتعود اليه بقلب جديد.