لكي يستطيع كل طرف الإفصاح عن مشاعره عليه التخلص من القيود التي تقف أمام رغباته
كتبت: د. هالة مصطفى
فن الزواج والحب
هو كيف يجعل كل طرف هذه المشاعر والأحاسيس واللغة وجميع أدواته لوحة فنية جميلة؛ يعبّر عنها بكل ما يملك من عناصر الطبيعة التي حباها الله إياها.
فن الإمتاع والاستمتاع
هو كيفية استخدام كل طرف لأدواته وأفكاره ومشاعره كي يُمتع الطرف الآخر، ويشعره بالبهجة، ويستمتع هو أيضا بالمتعة التي يتمنّاها عقله في تلك العلاقة الحميمة التي تجمع الزوجين.
أخطاء يقع فيها الزوجان عند إقامة علاقة جنسية
لكي يستطيع كل طرف الإفصاح عن مشاعره ويعبّر عن رغباته؛ عليه أوّلا أن يتخلّص من القيود التي ربما تقف عائقا وحاجزا أمام رغباته, وهناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تتوارثها المرأة من جيل إلى جيل، وتشكّل جزءا من تفكيرها وأدائها في تلك العلاقة، ومع الأسف فإن معظم تلك المفاهيم يظنّ الكثير أنها من الدين، ولذلك لا بد أولا من تصحيح تلك المفاهيم، وكسر تلك القيود حتى يتضح لنا مفهوم المتعة، ومن أهمها:
الشهوة الجنسية
تعبّر عن دناءة الأخلاق وغرائز الحيوان، وهذا المفهوم إن كانت بعض الزوجات لا تقوله تصريحا؛ لكنها تعتقده وتستشعره تماما أثناء ممارستها لتلك العلاقة، وهناك من تستقذر تلك العلاقة وتحتقرها، وكل ذلك يأتي من التربية الخاطئة التي تتربّى عليها المرأة.
خروج الشهوة للإنجاب فقط
وهذا المفهوم ساهم فيه بعض المتشددين في الدين عندما فسّروا قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، على أن الهدف من تلك العلاقة هو الإنجاب؛ لأن النساء كالأرض، ووضع البذر فيها لا يكون إلا للإثمار فقط، وشدّدوا أكثر عندما حرّموا إنزال الرجل لمائه بأي طريقة غير مكان الفرج، وهو المقصود بالحرث في نظرهم، ولذلك رأوا أن إنزاله في أثناء الحيض مع زوجته ينبغي تجنّبه، وإذا تأملنا معا تلك المفاهيم نجد التشدّد الأعمى الذي يقيّد رغبات النفس الطبيعية، ويضيّق الحصار على متعة وظيفية من ضروريات الحياة.
الهدف من العلاقة الحميمة
هو إخراج الشهوة والتفنن في التمتّع بها، وهو أسلوب غربي يكرهه الإسلام، وقد سمعت بنفسي ذلك المفهوم من أحد علماء الدين والدعوة الذي أخذ يتحدّث عن تلك العلاقة وانغماس الغرب فيها، ومحاولة إشباعها بشتى الطرق، مستنكرا على المسلم الذي يتقي الله أن يضيع وقته وجهده في التمتع بتلك العلاقة، وربما يكون هذا الشيخ يريد أن يصرف الشباب عن تفكيرهم في الانغماس في الشهوة، والسعي وراءها وهو محقّ في هذا تماما، ولكن من سمع كلامه يظنّ أن الاستمتاع والإبداع في تلك العلاقة الزوجية التي تجمع طرفي الحياة وتساعد في دوام الألفة والعشرة ينبغي ألا يشغل التفكير ولا يضيع الوقت {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.
قيود تمنعك ممارسة العلاقة الجنسية
عدم التعري
اتّباعا للحديث الذي يقول: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العَيرَين"، ولن نناقش صحة الحديث وثبوته من عدمه فليس هذا دورنا، ولكن لننظر فقط للهدف الذي ذُكِر من أجله هذا الحديث إن كان صحيحا؛ أن العاقل يفهم أن الغرض من هذا هو الستر حتى لا يرى أحد من الدار عورة الزوجين، خاصة أن البيوت قديما كانت من الصعب أن تغلق حجراتها.
ولكن إذا كان الزوجان يستطيعان ممارسة العلاقة والباب مغلق تماما؛ فهل لا يجوز أيضا التعري؟ إن علاقة الجسد بالجسد فيها الكثير من الجوانب التي تذكّي اللقاء وتزيده بهجة؛ فلماذا نقيّد أنفسنا بعوائق نفسية وبدنية تمنع التواصل التام الذي هو أسمى أهداف تلك العلاقة، ثم إن وصف الله تعالى للزوج والزوجة بأن كلا منهما لباس للآخر يعني أن جسد كل منهما ملتصق تماما بجسد الآخر مثل الثياب التي يرتديها الشخص، وهل يوجد وقت لذلك التلاصق واللباس خير من الوقت الذي يجمعهما في علاقة حميمة؟
عدم النظر إلى عورة الآخر
قيد وعائق نفسي هائل يقف أمام المتعة التامة، وكيف يستشعر الزوجان تمام الاتحاد والانصهار، وكل منهما ينظر للآخر بتحفّظ، وإذا كان الله حرّم رؤية العورة المغلظة على الآخرين، إلا أنه لا يُفهم أنها محرمة على الشخص نفسه، والزوج والزوجة ما هما إلا اتحاد واحد يجمع بين جسدين وقلبين وروحين، وتمام الاستمتاع لا يأتي إلا بالنظر واللمس والشم والإحساس الكامل من كل طرف للآخر.
عدم معرفة حدود العلاقة والمباح فيها
ما هو الحرام في تلك العلاقة؟ لأن الأصل في كل شيء الإباحة ما لم يرد نص بتحريم، وبالتالي يكون كل شيء مباحا في تلك العلاقة ما عدا "الحيض والدبر"؛ والحيض مقصود به الفرج أثناء الحيض؛ فإدراك ذلك المعنى يبيح للنفس المتعة بأجمل صورها، لذلك جاء تغير الأوضاع الذي وضّحه القرآن في معنى {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} بعد اختلاف المهاجرين والأنصار على الطريقة والوضع الذي يمارس به العلاقة، فإذا كان المقصود هو إخراج الشهوة فقط لما وسّع الشرع المعنى حتى يناسب جميع الأذواق ويرضي جميع الرغبات؛ فالأمر متروك لحس الزوجين وذوقهما ورغباتهما ما دام قد ابتعدا عن حدود الحرام.
التحفّظ الشديد وعدم الإفصاح عن الرغبة
وقد تشعر الزوجة بتلك الرغبة تملأ كيانها، وتريد أن تعبّر عنها، ولكن تحفّظها واقتناعها بأن ذلك من العفة يجعلها تكتم مشاعرها وتُخفي رغبتها، مع أن تمام العفة لا يأتي إلا عندما تفصح النفس عن رغبتها، وتشبعها تماما بما أحلّه الله لها، لهذا تضيع المرأة الجاهلة متعتها بين ادّعاء العفة وبين تحفّظها الشديد، ولو علمت المرأة أن إفصاحها عن مشاعرها ورغبتها يُسعد زوجها أي سعادة لما أحجمت عن تعبيرها بالنشوة بشتى الطرق، ولتركت لنفسها منفذا للتعبير عن تلك الأحاسيس, ولعبّر الجسد عما يعتريه من لذة ونشوة، ولأدركت أنها بهذا المفهوم الجميل للعلاقة تتشبّه بنساء الجنة اللاتي وصفهن الله بلفظ "عُرُبًا"، وكما ذكرنا سابقا العرب هي المرأة التي تعرب لزوجها عن رغبتها فيه واشتياقها له، والإعراب عن هذا يأتي بكل الطرق والإشارات اللفظية وغير اللفظية؛ فلماذا تبخل المرأة على نفسها وعلى زوجها بتلك المعاني؟!!
عن كتاب "أ. ب فراش زوجية"
وإلى هنا تنتهي حلقاتنا.. وفي الحلقة القادمة نكمل معا العوامل التي تساعد على الإمتاع والاستمتاع؟!!
فانتظرونا،،،