المبادرة غالبا ما تأتي من ذكور أكبر سنا تجاه الطفل
تحدثنا في الحلقة السابقة عن دور الأسرة في هذه القضية المهمة، وعن أنماط زنا المحارم. واليوم نتحدث معا عن العوامل التي تساهم في حدوث هذه القضية وحجمها، وذلك في السطور التالية...
هناك عوامل اجتماعية وعوامل نفسية وعوامل بيولوجية تلعب دورا في كسر حاجز التحريم الجنسي، فينفلت هذا النشاط ويتجه اتجاهات غير مقبولة دينيا أو ثقافيا. فزنا المحارم يرتبط بشكل واضح بإدمان الكحول والمخدرات، والتكدس السكاني، والأسر المعزولة عن المجتمع، والأشخاص المضطربين نفسيا أو المتخلفين عقليا.
والمبادرة غالبا ما تأتي من ذكور أكبر سنا تجاه أطفال (ذكور أو إناث)، ومن هنا يحدث تداخل بين زنا المحارم وبين الاغتصاب (المواقعة الجنسية ضد رغبة الضحية)، وإن كان هذا لا يمنع وجود إغواء من الإناث أو الأطفال أحيانا.
ويمكن رصد ثلاثة أنماط أساسية في حالات زنا المحارم؛ بناء على المشاعر الناتجة عن هذا السلوك، كما يلي:
1- النمط الغاضب: حيث تكون هناك مشاعر غضب من الضحية تجاه الجاني، وهذا يحدث حين تكون الضحية قد أجبرت تماما على هذا الفعل، دون أن يكون لديها أي قدرة على الاختيار أو المقاومة أو الرفض، ومن هنا تحمل الضحية مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام من الجاني. وربما يعمم الغضب تجاه كل أفراد جنس الجاني، ولذلك تفشل في علاقتها بزوجها، وتنفر من العلاقة الجنسية ومن كل ما يحيط بها، وتصاب بحالة من البرود الجنسي ربما تحاول تجاوزها أو الخروج منها؛ بالانغماس في علاقات جنسية متعددة، أو تتعلم أن السيطرة على الرجال تتم من خلال هذا الأمر، فتصبح العلاقة الجنسية برجل نوع من سلبه قوته وقدرته، بل والسيطرة عليه وسلب أمواله.
وقد تبيّن من الدراسات أن 37% من البغايا كنّ فريسة لزنا المحارم، وهذا يوضح العلاقة بين هذا وذاك.
2- النمط الحزين: وفي هذه الحالة نجد أن الضحية تشعر بأنها مسئولة عما حدث، إما بتهيئتها له أو عدم رفضها، أو عدم إبداء المقاومة المطلوبة، أو أنها حاولت الاستفادة من هذا الوضع بالحصول على الهدايا والأموال، أو بأن تتبوأ مكانة خاصة في الأسرة؛ باستحواذها على الأب أو الأخ الأكبر، وهنا تشعر بالذنب ويتوجّه عدوانها نحو ذاتها، وربما تقوم بمحاولات لإيذاء الذات، كأن تُحدث جروحا أو خدوشا في أماكن مختلفة من جسدها، أو تحاول الانتحار من وقت لآخر، أو تتمنى الموت على الأقل، وتكون لديها كراهية شديدة لنفسها.
3- النمط المختلط: وفيه تختلط مشاعر الحزن بالغضب
حجم الظاهرة:
ورد في أحد التقارير المنشورة في لندن منذ سنوات قليلة أنه في مصر كما في الولايات المتحدة وإسرائيل والهند يوجد ما يزيد على أسرة واحدة من بين كل أربع أسر يقع فيها زنا بالمحارم.
ويشكك الدكتور أحمد المجدوب في هذه النسبة في المجتمع المصري، ويرى أنها مع وجودها كظاهرة إلا أنها أقل من ذلك حسب ما يراه كباحث اجتماعي موضوعي، فمما لا شك فيه أن هناك اختلافات جوهرية بين المجتمعات المذكورة تجعل توحيد النسبة أمرا مجافيا للحقيقة العلمية.
وقد تبين هذا بشكل أكثر دقة في البحث الذي أجراه معهد UNICRI، ومقره في روما عن ضحايا الجريمة، وشمل 36 دولة منها مصر والذي نشر ملخص له في التقرير الدولي الذي أصدره المعهد عام 1991، حيث تم إجراء مقابلات مع 500 أنثى من المقيمات في القاهرة تمثل كل منهن أسرة، تبين من الإجابات أن 10% من العينة الكلية تعرضن لزنا المحارم.
ونستطيع القول بأن هذه النسبة ربما تقل عن ذلك إذا كانت العينة تشمل مفحوصين من خارج مدينة القاهرة؛ حيث يتوقع أن تقل النسبة في البيئات الريفية، وإن كان هذا يستحق بحثا علميا مدققا. وربما يقول قائل بأن النسبة ربما تزيد على ذلك؛ حيث إن كثيرا من الحالات تتردد في الإفصاح عما حدث، وهذا صحيح، ولذلك يستلزم الأمر الحذر حين نتحدث عن نسب وأرقام تخصّ مسألة مثل زنا المحارم في مجتمعاتنا على وجه الخصوص، ومع هذا تبقى النسب التقديرية مفيدة لتقريب حجم الظاهرة من أذهاننا بشكل نسبي، يجعلنا نتعامل معها بما تستحقه من اهتمام.
العوامل المساعدة:
1- عوامل أخلاقية: ضعف النظام الأخلاقي داخل الأسرة، أو بلغة علم النفس ضعف الأنا الأعلى (الضمير) لدى بعض أفراد الأسرة أو كلهم. وفي هذه الأسرة نجد بعض الظواهر، ومنها اعتياد أفرادها خاصة النساء والفتيات على ارتداء ملابس كاشفة أو خليعة أمام بقية أفراد الأسرة، إضافة إلى اعتيادهم التفاعل الجسدي في معاملاتهم اليومية بشكل زائد عن المعتاد، مع غياب الحدود والحواجز بين الجنسين، وغياب الخصوصيات واقتحام الغرف المغلقة بلا استئذان.
وفي هذه الأسر نجد أن هناك ضعفا في السلطة الوالدية لدى الأب أو الأم أو كليهما، وهذا يؤدي إلى انهيار سلطة الضبط والربط وانهيار القانون الأسري بشكل عام.
2- عوامل اقتصادية: مثل الفقر وتكدس الأسرة في غرفة واحدة أو في مساحة ضيقة مما يجعل العلاقات الجنسية بين الوالدين تتم على مسمع، وأحيانا على مرأى من الأبناء والبنات، إضافة إلى ما يشيعه الفقر من حرمان من الكثير من الاحتياجات الأساسية، والتي ربما يتم تعويضها جنسيا داخل إطار الأسرة. ويصاحب الفقر حالة من البطالة وتأخّر سن الزواج، والشعور بالتعاسة والشقاء، مما يجعل التمسك بالقوانين الأخلاقية في أضعف الحالات. وإذا عرفنا –من خلال تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء– أن 30% من الأسر في مصر تقيم في غرفة واحدة بمتوسط عدد سبعة أفراد، فإن لنا أن نتصور ما يمكن أن يحدث بين هؤلاء الأفراد والذين يوجد فيهم الذكور كما توجد الإناث.
3- عوامل نفسية: كأن يكون أحد أفراد الأسرة يعاني مرضا نفسيا مثل الفصام أو الهوس أو اضطراب الشخصية، أو التخلف العقلي، أو إصابة عضوية بالمخ.
4- الإعلام: وما يبثه ليل نهار من مواد تشعل الإثارة الجنسية في مجتمع يعاني الحرمان على مستويات متعددة.
5- الإدمان: يعد تعاطي الكحوليات والمخدرات من أقوى العوامل المؤدية إلى زنا المحارم؛ حيث تؤدي هذه المواد إلى حالة من اضطراب الوعي واضطراب الميزان القيمي والأخلاقي، لدرجة يسهل معها انتهاك كل الحرمات.
الآثار النفسية والاجتماعية لزنا المحارم:
1- تداخل الأدوار واضطرابها: كما ذكرنا آنفا مع ما ينتج عن ذلك من مشاعر سلبية مدمّرة لكل العلاقات الأسرية كالغيرة والصراع والكراهية والاحتقار والغضب..
ولنا أن نتخيل فتاة صغيرة تتوقع الحب البريء والمداعبة الرقيقة الصافية من الأب أو الأخ الأكبر أو العم أو الخال أو غيرهم، فحين تحدث الممارسات الجنسية فإنها تواجه أمرا غير مألوف يصيبها بالخوف والشك والحيرة والارتباك، ويهز في نفسها الثوابت، ويجعلها تنظر إلى نفسها وإلى غيرها نظرة شك وكراهية، ويساورها نحو الجاني مشاعر متناقضة تجعلها تتمزق من داخلها، فهي من ناحية تحبه كأب أو أخ أو خال أو عم، وهذا حب فطري نشأت عليه، ومن ناحية أخرى تكتشف إن آجلا أو عاجلا أنه يفعل شيئا غريبا أو مخجلا أو مشينا، خاصة إذا طلب منها عدم الإفصاح عما حدث، أو هددها بالضرب أو القتل إن هي تكلّمت.
وهذه المشاعر كثيرا ما تتطور إلى حالة من الكآبة والعزلة والعدوان تجاه الذات وتجاه الآخر (الجاني وغيره من الرجال)، وربما تحاول الضحية أن تخفف من إحساسها بالخجل والعار؛ باستخدام المخدرات أو الانغماس في ممارسات جنسية مشاعية؛ مبالغة في الانتقام من نفسها ومن الجاني، (وذلك بتلويث سمعته خاصة إذا كان أبا أو أخا أكبر).
2- اهتزاز الثوابت: بمعنى اهتزاز معاني الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة، تلك المعاني التي تشكّل الوعي الإنساني السليم وتشكل الوجدان الصحيح.
3- صعوبة إقامة علاقات عاطفية أو جنسية سوية: حيث تظل ذكرى العلاقة غير السوية وامتداداتها مؤثرة على إدراك المثيرات العاطفية والجنسية، بمعنى أنه يكون لدى الضحية (بالذات) مشاعر سلبية (في الأغلب) أو متناقضة (في بعض الأحيان) تجاه الموضوعات العاطفية والجنسية، وهذا يجعل أمر إقامة علاقة بآخر خارج دائرة التحريم أمرا محوطا بالشكوك والصعوبات. أو يظل طرفا العلاقة المحرمة أسيرين لتلك العلاقة، فلا يفكران أصلا في علاقات صحية بديلة.