فوجئ التونسيون بالكمّ الهائل لأملاك الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وأقاربه وأصهاره، حيث كشفت عنها لجنة المصادرة عن وجود أكثر من 100 شركة و200 رسم عقاري تحت ملكية الرئيس السابق وعائلته وأصهاره، حسب ما ذكره محمد بن إسماعيل، رئيس اللجنة التي تنشط بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.
ووفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط" فقد عثرت اللجنة على عقارات غير مرسّمة بالسجل العقاري واتخذت في شأنها إجراءات قانونية أفضت إلى تحرير شهادات أرجعت ملكيتها للدولة.
وتعمل لجنة المصادرة في الوقت الحالي على نقل ما يزيد على 100 سيارة لم تتم مصادرتها بعد وقامت بتجميع 18 يختاً و23 سفينة صيد بموانئ سيدي بوسعيد وسوسة والمنستير في انتظار إرجاع ملكيتها إلى الدولة التونسية.
وبخصوص الطائرة الموجودة حالياً في جنيف قال بن إسماعيل إن لجنة المصادرة شرعت في التمهيد لدعوى قضائية للمطالبة باسترجاع الطائرة الموجودة حالياً في جنيف بسويسرا، وذلك على أثر طلب سويسرا مدّها بحكم قضائي في الغرض كشرط لاسترجاعها.
كما تعمل السلطات التونسية على مصادرة أموال صهر الرئيس السابق مروان مبروك ويتم حالياً التدقيق في مصادر أموال هذا الأخير بالاستعانة بأهل الخبرة، خاصة بعد إصدار مرسوم يستثني ما اكتسب بموجب الإرث من المصادرة، وذلك حتى لا يتم إدماج ما امتلكه قبل مصاهرته للرئيس التونسي السابق ضمن الأملاك المصادرة.
وترافق عمليات المصادرة في تونس تساؤلات كثيرة حول طرق التصرف في تلك الأملاك التي عادت للمجموعة الوطنية بعد سنوات من الاستيلاء عليها بقوة السلطة والنفوذ. وتجد الأطراف القانونية والاقتصادية الكثير من الصعوبة في التصرف في تلك الأملاك.
ولا شك أن جميع الأطراف تدرك أن الأملاك المصادرة تدر ثروات ضخمة ومتنوعة بالإضافة إلى كم هائل من الصعوبات التي رافقت وجودها خلال الأشهر الماضية. فـ"شركة كاكتوس"، (شركة إنتاج سمعي بصري) على سبيل المثال المعروف بأنها من ممتلكات عائلة الطرابلسية (نسبة إلى عائلة ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع)، كانت تربح الكثير من الأموال من خلال إنتاجها لبرامج لفائدة التلفزيون التونسي وكانت تستحوذ على ما لايقل عن أربعة ملايين دينار تونسي (قرابة 2.5 مليون دولار) كل شهر رمضان من خلال الاستيلاء على مداخيل الإشهار وهي اليوم تعاني الكثير من الصعوبات على الرغم من أن نسبة 51% من رأسمالها على ملك الدولة التونسية.
وحول كيفية تصرف السلطات التونسية في مجموعة كبيرة من الأملاك المتراوحة بين السيارات الفخمة والعقارات الشاسعة يبقى مطروحاً، خاصة أن الكثير منها مفتوح لتشغيل آلاف العائلات التونسية التي تمثل تلك "الأرزاق" مصدر رزقها الوحيد؟
في هذا الشأن قالت وداد بوشماوي، رئيسة الاتحاد التونسية للصناعة والتجارة (منظمة أصحاب الأعمال)، إنه من الممكن التفكير في إدراجها بالبورصة التونسية والانتفاع بها وضمان استمرارية إنتاجها بما يضمن كذلك مواطن الشغل.
واعتبرت تلك الأملاك بمثابة الإرث الكبير الواجب المحافظة عليها، خاصة أنه قد انتفت ملكية العائلات القريبة من الرئيس المخلوع له وهو ما يجعل الدولة هي الوصية عليه خلال الفترة المقبلة.
وأضافت بوشماوي أن الكثير من تلك الشركات والأملاك المصادرة قد عانت في السابق من سوء الإدارة وصعوبة التسيير وهي اليوم في حاجة أكيدة للتطهير وإعادة الهيكلة من جديد على أسس صحيحة حتى تدخل العملية الإنتاجية من بابها الكبير. ولاحظت أن المصادرة النهائية لتلك الأملاك غير محبذة.
ويرى محسن السحيباني (محام تونسي) أن الحل الأمثل بالنسبة للأملاك المصادرة هو التخلص منها بالبيع مع احتفاظ الدولة بنسبة مساهمة في رأسمالها.
ولكن بعض الآراء - على حد قوله - قد تكون تحبذ تأميم تلك الأملاك وبقاءها تحت سيطرة الدولة بالكامل مع أن معظم دول العالم تسعى إلى التخلص من القطاع العام وتسند معظمه في عمليات الخصخصة إلى القطاع الخاص.
ومن ناحيته يعتبر جمال العرفاوي، المحلل السياسي، أن موضوع التصرف في الأملاك المصادرة يفتح على محورين أساسيين المحور الأول اقتصادي بالأساس وهو يهم مؤسسات اقتصادية، أما المحور الثاني وهو الأهم - حسب رأيه - فهو سياسي بمعنى أن تلك الأملاك قد تخفي وراءها عمليات افتكاك بالقوة وتجاوز للقانون واختلاسات وغيرها من الطرق غير الشرعية التي كانت عائلة الرئيس المخلوع وأقاربه يلجأون لها لبعث مشاريعهم. واعتبر العرفاوي أن الملف القضائي يجب أن يسبق كل عملية تفويت في تلك الأملاك حتى لا يتم التفويت فيها للدولة دون أن تقع تصفية وضعياتها القانونية.
ومن الضروري حينها النظر في إمكانية إرجاع البعض من تلك الأملاك لأصحابها الأصليين وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية التي تسببت فيها عمليات الافتكاك بالقوة والتحايل على الأشخاص والقوانين.
ويرى محدثنا في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن السلطات التونسية بإمكانها أن تسعى إلى التفويت في جزء كبير من الأراضي الفلاحية المصادرة لآلاف العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات الجامعية لاستغلالها بطرق عصرية وبصفة مباشرة بعد أن أضاعها أصحابها لسنوات متتالية واستغلتها «العصابات» بطرق مجحفة.
ويرى مختصون في الأملاك التجارية والعقارية على غرار البنوك والمصارف والنزل السياحية وشركات التأمين، أن تتم تصفيتها في الحال وإظهار نصيب كل طرف فيها على أن تحجز السلطات التونسية ممثلة في الدولة على نصيب الرئيس التونسي المخلوع وعائلته وأقاربه وكل المسؤولين السياسيين وغيرهم المورطين في ملفات فساد ولا يزال التحقيق القضائي جاريا بشأنهم. وبعد تصفية الوضعية المالية والقانونية لتلك الأملاك المصادرة بالإمكان أن تسهم الدولة بنصيب الأسد في رأسمالها وأن تسهر على حسن إدارتها وأن تعين على رأسها أشخاصا من «التكنوكراط» الذين تزخر بهم المؤسسات التونسية.
وتبقى الأموال السائلة التي تم العثور عليها في سكن تلك العائلات أو كذلك في كثير المصارف الداخلية والخارجية، فبالإمكان استغلالها لاحقا في بعث مشاريع اقتصادية في المناطق التونسية الفقيرة، وخاصة تلك المناطق التي شهدت انطلاق الاحتجاجات الاجتماعية التي أطاحت بنظام بن علي وخاصة ولايات (محافظات) سيدي بوزيد والقصرين وسليانة وقفصة والكاف وباجة والقسم الغربي من ولاية (محافظة) بنزرت وكل منطقة في حاجة أكيدة لمشاريع تنموية.
ومع هذه الاقتراحات التي تتراوح بين التأميم واستحواذ الدولة على النصيب الأكبر من رأسمالها، فالواضح اليوم أن الأملاك المصادرة تمثل ملفا شائكا بالنسبة للسلطات التونسية سواء منها التي حكمت بعد الثورة أو التي ستواصل الحكم بعد انتخابات المجلس التأسيسي المقررة ليوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وهي في كل الأحوال تمثل تركة ثقيلة قد تكون وراء كثير المشكلات والتوترات الاجتماعية والسياسية.