بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
هل تستطيع بيع قلم رصاص؟
مايك بروكس
لو أعطيتك قلم الرصاص هذا و طلبت منك بيعه فكيف ستقوم بذلك؟
كان ذلك أحد أكثر الأسئلةِ أساسيةً في مقابلات تقييم و توظيف مندوبي المبيعات، و الإجابة على هذا السؤال البسيط تكشف الكثير حول ما تلقاه المرء من تدريب، و حول تفهّمه لعملية البيع، و تبين في النهاية أي نوعٍ من البيّاعين هو.
لا تبحث عن الزبون... ابحث عن البيّاع!
لو كان هذا السؤال موجّهاً إليك فماذا ستكون برأيك الطريقة الأكثر فاعليةً لبيع قلم الرصاص؟
قبل النظر في الإجابة الصحيحة دعونا نرى ما يقوم به كثيرٌ من البيّاعين في تدبير هذه المسألة. خلال مقابلاتي مع مندوبي المبيعات أحبّ استخدام هذه الطريقة: بعدَ أن يحدثني المرء عن مهاراته في الإقناع و إنجاح الصفقة فإنني أقدّم له قلم رصاص و أطلب منه أن يبيعني إيّاه، و عندئذٍ ترى كيف يتبخّر كثيرٌ من كلامه السابق!
البيع من طرفٍ واحد... لا يصفّق:
ثمانون بالمئة من مندوبي المبيعات يبدؤون بالطريقة ذاتها. إنّهم يبدؤون "بديباجة البيع" ( sales pitch ) مثل: يأتيكم هذا القلم الرائع بضمانة العلامة التجارية العريقة كذا و كذا. رصاص الكتابة المستخدم فيه هو من النوعية الأرقى التي تجمع بين أرفع جودة في الاستخدام و أعلى سلامةٍ صحياً و بيئياً، و لأنّ مصنّعيه لم يتركوا شيئاً للصدفة فإنّك ترى أنّ لونه الأصفر هذا يجعل العثور عليه سهلاً جداً، و ممحاته الرائعة تضمن سلامة الورق و نظافة طاولة الكتابة، و ثخانته و شكل مقطعه تريح المعصم و الأصابع، و طلاؤه السميك اللين يجمع بين المتانة، و الملمس المحبّب و المريح، إلى جانب سلامته المختبرة في حال التلامس المديد مع البشرة أو ابتلاع جزيئاتٍ منه... إلخ
يستطيع بعض مندوبي المبيعات ( و رأيت كثيراً منهم يقومون بذلك في المقابلات فعلاً) المضيّ في عرض " ديباجة بيعهم" خمس دقائق أو اكثر دون أن يخطر في بالهم التوقّف لطرح سؤال على الزبون، أو جسّ نبضه و دعوته إلى طلب ما يحتاجه من السلعة المعروضة.
و في خضم تلك الخطبة البيعية الكريهة فإنّني أتثاءب، و أهرب بعينيّ إلى التأمّل في جدران المكتب وأثاثه آملاً في أن ينتبه الغارقون في ديباجتهم المحفوظة، و لكن لا! إنّ إشارات الملل و الضيق لا تزيدهم إلاّ إغراقاً في الكلام. و أكادُ أضرب بقبضتي على جبيني و أنا أحاول معرفةَ كيف يفكّر هؤلاء البيّاعون؟ و من أين يرجون النجاح؟
كيف تبيع الزبون ما يريد إن لم تعرف ماذا يريد؟
بالمقارنة مع الطريقة السابقة الفاشلة (والشائعة) في بيع قلم الرصاص، فإنّ العشرين بالمئة من مندوبي البيع الناجحين كانوا يعملون على النحو الآتي في اختبار بيع قلم الرصاص.
بعد ان أعطيهم قلم الرصاص و أطلب منهم بيعه لي فإنّهم كانوا يتريّثون قليلاً ثم يبدؤون بطرح الأسئلة:
- كم تستعمل قلم الرصاص في عملك؟
- كم قلماً تستهلك في الشهر؟
- ما مواقع العمل الأخرى التي تستخدم أقلام الرصاص في شركتك، و كم يستهلكون في الشهر؟
- كم تبلغ أحجام طلبياتكم الاعتيادية لدى شرائكم أقلام الرصاص؟
- بالإضافة إليكم، من هم المؤثّرون الآخرون في قرار الشراء؟
فرقٌ واضح بين الطريقتين، أليس كذلك؟
إنّني أستمع في كل شهر إلى مئاتٍ من مندوبي المبيعات الباحثين عن عمل، و بكل سهولة يمكن تقسيمهم إلى زمرتين:
- الزمرة الكبيرة من أولئك الذين لا ينتبهون أو لا يستطيعون أو لا يعرفون إلاّ الحث و الترغيب و الإغراء بما لديهم من ديباجة العبارات و الأفكار المعلّبة.
- و الزمرة الأصغر من أولئك الذين يتّجهون أوّلاً إلى تفهّم دوافع الشراء لدى زبونهم المحتمل، و يسلكون الطريق الصحيح إلى رسم التصوّر الدقيق لعملية البيع كلّها و ظروفها المحيطة.
اسأل اسأل اسأل...
حتّى تعرف كيف تعطي زبونك ما يريد لا ما تريد:
لا يقصد من الحديث السابق التقليل من شأن " ديباجة أو خطاب البيع sales pitch" و لكن يقصد منه التشجيع على أن تعرف نفسك و تجيب بدقة على السؤال التالي:
عندما تتحدث إلى زبونٍ محتمل للمرّة الأولى، فكم تبلغ حصّة الوقت و الكلام المخصّصين لعرض ما لديك و الترغيب به، و كم تبلغ حصّة الوقت و الكلام المخصّصين لطرح الأسئلة و استكشاف دوافع الشراء لدى الناس؟
فرصة اللقاء بالزبون المحتمل فرصة ثمينة لا شك في ذلك. و لكن هل يعني هذا المسارعة إلى الرمي العشوائي و استنفاد كل الوقت و الجهد على كلّ فرصة عابرة، أم يعني مزيداً من الانتقاء و التأنّي و السعي إلى تكون كلٌّ من الفرص النادرة فرصةً مثمرة؟
إن كانت "ديباجة بيعك" مستهلكةً في استعراض مزايا و فوائد ما تقوم به و ما تقدمه من خدمات و سلع، و إن كان الوصف الدقيق لحديثك هو أنّه عاصفةٌ من " بيانات القيمة value statements" تنهمر على الزبون لتغرق أذنيه و رأسه فلا تستغرب أبداً إن رأيت ترغيبك ينقلب تنفيراً و إن شعرتَ بأن محدّثك على الهاتف يبحث عن أيّ وسيلة لإنهاء المكالمة و الاستراحة من حديثك.
غيّر افتتاحيتك و ديباجتك حتى تصبح اكثر تركيزاً على طرح الأسئلة و استكشاف مدى قابلية زبونك للشراء و ماذا يلزمُ من خطوات لجعله يشتري فعلاً.
ما لم تفعل ذلك فإنّك لن تنتهيَ إلاّ إلى الكثير من التوتّر و العصبيّة و إلى أكداسٍ من أكوام أقلام الرصاص التي لم تجد من يشتريها (أو لم تجد من يبيعها؟).
مجلة عالم الإبداع