فى داخلى
اخترت رغما عنى ومن زمن بعيد أن أصمت واستمع إلى من حولى ، يفرغ كل منهم همومه على وأواسيه وأحاول نصحه قدر المستطاع ، ومع مرور الوقت تعودت وتعود من حولى على ذلك فأنا أبتسم وأضحك ولا أتحدث عن آلامى لأحد مهما بلغ قربه منى، وتعودت على وضع الأقنعة ، القناع تلو الآخر حتى اختنقت بداخلها واختنق بداخلى كل بصيص من أمل فى أن أبوح بما فى داخلى لأحد ، أصبحت فى داخلى مسخ مشوها يعامل الناس بهدوء ورزانة وابتسامة لاتمحى مهما كان حجم الأسى ، أضحك فى داخلى وأفرح فى داخلى وأحزن وأبكى فى داخلى أيضا ، وعندما أختنق وأحس أننى أوشكت على الإنهيار ، أمضى إلى مكان بعيد وأقضى وقت فى هدوء أستعيد فيه نفسى ، وكم حاولت أن أغسل ما بداخلى أن أجعل عيناى تدمعان من جديد دون جدوى ، فقلد تحجرت المقلتان ولم تعد تعرفان كيف تظهران الحزن أو الدموع .
ويمر الزمن والأمر يزداد سوءا وبلسم الحياة الذى كاد ينتشلنى من قوقعتى ويعيدنى إلى الحياة يضيع منى فى غفلة من الزمن ، فجأة أصبحت وحيدا من جديد فى مواجهة الحياة بكل ما بها من هموم وآلام ، لحظة كانت الفارق بين الأسى والسعادة بين أن تعيش ميتا فى داخلك أو تموت لتحيا من جديد ، لحظة حمدت الله تعالى على ما حدث فيها ولو عاد الزمان لما تمنيت غير ما حدث فيها ، ولكن يبقى الحزن كلما مر على أمر أو حققت حلما رسمناه معا ولم أجد من يفرح معى حين تحقق .
ومر زمن آخر وتتواصل الضربات ويرحل عنى أقرب من وهبتهم الحياة لى من أصدقاء ، ويفرق بيننا الزمان والمكان ، صحيح أنه بقى الحب ولكن ضاعت الصحبة فى الهروب وبقيت وحدى ، وتوحشت وخضت غمار الحياة بقوة لأعوض ما فاتنى ولأهرب من ما بداخلى من ذكريا ت تؤرقنى لجمالها وما أحببته فيها ، اشتهرت بقسوة القلب فى العمل ، وبأننى لست بشرا فى الحياة ، لا وقت للراحة ولا وقت للمتعة عمل فعمل ثم عمل ، وغدوت أهرب وكلما وجدت نفسى أجس وحيدا وتعاودنى الذكريات أهرب من جديد .