حمزة كشغري
ما زالت قضية الكاتب حمزة كاشغري الذي سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تثير الكثير من التداعيات داخل وخارج المملكة العربية السعودية, فالقضية مع مرور الوقت تكشف عن خلفيات عميقة لتيار ليبرالي يتشكل ويتكتل في ارض الحرمين الشريفين ويسعى لفرض وجوده ليس فقط من خلال عرض أفكار سياسية واجتماعية "مختلفة", بل تجاوز ذلك ليدخل لمنطقة شديدة الخطورة وهي منطقة العقيدة التي تعد من أرسخ الامور المستقرة في وجدان الشعب السعودي الذي تربى على نهج التوحيد الصافي وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أحد أمرين إما شعور بالقوة والجرأة بعد تمكنهم من الوصول لبعض المواقع المؤثرة أو غرور واستعجال ومحاولة لجس النبض..
الذي يدقق النظر يستطيع بسهولة لمس وجود قوي للتيار الليبرالي في الإعلام السعودي خلال السنوات الماضية من خلال عرض لأفكار عن الاختلاط وممارسة الرياضة في مدارس البنات والانتقاد الحاد لبعض العلماء وطلاب العلم ولهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي نال أعضاؤها الكثير من الغمز واللمز, وجاءت قضية كشغري لتكشف عن أن القضية أبعد من مجرد خلاف على فهم بعض النصوص الدينية وتطبيق بعض الاحكام الشرعية بل هي في جوهرها زعزعة لأصول العقيدة الإسلامية, وإلا بم تفسر هذا الصمت المريب تجاه القضية؟! ثم الدفاع عن صاحبها بشراسة حتى وصل الامر لكتابة عريضة تطلب تبرئته ورفعها للمسؤولين..
لم يعد الامر يتعلق عندهم بأن كشغري تاب وأناب ورجع عن أقواله الكفرية بل الامر أنهم يبررون أقواله بصورة تعسفية حتى قال أحدهم أنها "كتابة سريالية" وزعم أن "كشغري يذوب حبا في الرسول صلى الله عليه وسلم"..المدافعون عن كشغري يعلمون أنه إذا سقط لن يسقط وحيدا لذا فهم يدافعون عن انفسهم معه ويدافعون عن اساتذتهم أيضا الذين يرون أنهم يتولون زمام القيادة الآن ويعلمون أن فضحهم والكشف عن مخططاتهم سيؤدي إلى هدم ما يتصورون أنها نجاحات استطاعوا الوصول إليها خلال الفترة الماضية لذا يقول أحدهم: " “نخشى أنه بعد الهجمة الشرسة على حمزة وما جرى معه حصول نوع من التقدم بمجال قمع الحريات، إذ باشر البعض النظر إلى ما بعد حمزة، واستهداف شخصيات مثل تركي الحمد وسواه”..
كما يسعى هؤلاء للضغط على السلطات التي تقوم بمحاكمة كشغري عن طريق إطلاق شائعات عن أنها "تريد تهدئة الموضوع" ملمحين لضغوط خارجية عندما يتحدثون عن "صورة المملكة في الخارج", وهي نفس الطريقة التي يتعامل بها الليبراليون في كل مكان عندما يتم الإحاطة بهم حيث يثيرون زوبعة اعلامية كبيرة عن "حرية الراي والإبداع والفكر" وعن "المتطرفين والارهابيين والمتشددين" الذين يتربصون بهم ثم يتوجهون للخارج ويستغيثون به رغم ادعاءاتهم الدائمة بأنهم لا علاقة لهم به وأن لا أجندات خارجية يسعون لتطبيقها في الداخل..
لقد كشفت قضية التمويل الامريكي المشبوه للجمعيات المدنية الليبرالية في مصر عن مقدار ارتباط هؤلاء بالخارج وسعيهم المحموم لتنفيذ مخططات تحبط وصول الإسلاميين للحكم وتطبيق الشريعة التي تمثل أكبر عدو لهم ولمنهجهم "التحرري" الذي يخترق جميع الحدود والحواجز ويهدم الهوية الدينية والثقافية للشعوب..
إن الليبراليين يعرفون أن خسارتهم لهذه المعركة سيكشف الكثير من خباياهم كما أن ردة الفعل القوية على المستوى الشعبي والرسمي جاءت على نحو غير متوقع بالنسبة لهم ولعلهم شعروا للحظة أنهم تعجلوا ودخلوا المعركة في غير وقتها المناسب ولكنهم أيضا شعروا أن التراجع سيفرض عليهم فقدان العديد من "مواقعهم ومكاسبهم" لذا قرروا الاستمرار وهو ما يفرض على التيار الشعبي مواصلة موقفه وضغطه دون تراجع فالقضية أكبر بكثير من "كشغري".