الرجل الصامت والمرأة الثرثارة 00كيف نعالج ذلك ؟
بداية لابد من التفريق بين نوعين من صمت الرجل، الرجل الصامت دائماً أي من سماته الصمت داخل وخارج المنزل، والرجل الصامت مع زوجته أو داخل المنزل. النوع الأول من "الرجل الصامت دائماً" لا يدخل ضمن معالجتنا في هذا البحث: فهذا النوع يحتاج لإستشارة متخصصة لمعالجة ذلك.. أما النوع الثاني من الرجل الصامت داخل المنزل فهو ما نتحدث عنه في هذا البحث.
لماذا يصمت الرجل في المنزل وكيف تتصرف الزوجة مع هذا الصمت؟
1- عندما يواجه الرجل مشكلة أو مسألة معقدّة أو يمّر بظروف صعبة، فغالباً ما يلجأ الرجل إلى الصمت. وهنا يصمت الرجل لأنه يفكر بهدوء، يختلي بنفسه حتى يحلّ هذه المشكلة، الرجل يعتبر أنه المسؤول عن حلّ مشاكله بنفسه ولا يحب أن يشاركه أحد في هذا التفكير. فنراه يصمت لساعات طويلة لحلّ مشكلة ما بنفسه، ومن بعد أن يجد لها حلاً يعود إلى الحوار والتواصل مع الآخرين.
- كيف تتصرف الزوجة في هذه الحالة؟
من الخطأ أن تصرّ الزوجة على أن يتكلم الزوج عن ما يزعجه، فهذا يزيد من توتره لعدّم تفهّم زوجته حاجته النفسية للصمت والتفكير الذاتي. وهنا عندما تطرح عليه الأسئلة الزوجة مثلاً:" ما بالك هل أنت متضايق؟ ماذا يشغلك؟؟" يردّ الزوج قائلاً: لا شيء.. تصرّ الزوجة: كيف لا شيء، هل تريد أن تخفي عني ذلك؟"
وقد تفكّر الزوجة أنها فعلت شيئاً أغضبه منها.. هذا الموقف قد يتضخم ويصبح مشكلة زوجية لأن الرجل لا يشعر باحترامه ولا إعطائه الثقة والفسحة للاستقلالية الذاتية، الزوج لا يحب أن يشعر بأنه محط رعاية دائمة للزوجة فهذا يشعره بالضعف. قد تستخدم الزوجة هنا طريقة أخرى في الحوار، مثال: ترّحب فيه وتلاطفه أولاً، من ثم إذا رأته دخل في دائرة الصمت تستطيع أن تطلب منه تحديد وقت مناسب للتحاور بينهما عندما ينتهي من تفكيره ويكون أكثر راحة، وتعبّر له أنها تحترم شعوره وتهتم لأمره، وتعطيه هذه الفسحة من الوقت دون لوم أو معاتبة.
2- كما أن الرجل يصمت عندما يكون متعباً، ويحتاج فترة من الراحة للاستجمام واستعادة الطاقة. المرأة عندما تكون متعبة تعبّر بصوت عال وتتكلم بطلاقة عما يتعبها ثم عندما تخرج ما بداخلها ترتاح. لكن الرجل لا يستخدم هذا الأسلوب.
- كيف تتصرف الزوجة في هذه الحالة؟
لا تطلب المرأة من الرجل أن يعبّر عن ما بداخله عندما يكون متعباً ولا تستقبله من دخوله إلى المنزل بكمّ من الأسئلة:"كيف كان نهارك، ماذا فعلت، خبّرني.... آه لو تعلم ماذا فعل الأولاد.. فلان قال، حدث ذلك..." هذا يزيد من تعب الزوج، وقد يدفعه إلى الصمت أكثر للتهرّب من الحديث وللاستراحة.
هنا على الزوجة أن تعلم عند دخول الزوج إلى المنزل لا تستقبله بالأسئلة، بل تستقبله بالترحيب والملاطفة، وتحرص على أن تجهّز نفسها في كل يوم بطريقة مختلفة وجديدة لحسن استقباله ( زينة- عطور- ترتبّ كلامها العاطفي- تفاجئه بهدية أو موقف ما..) فذلك يسرّع من خروج الرجل من صمته، بل عندما يرى زوجته بهذه النفسية المرحة والمتفهمة فهو سرعان ما يستعيد نشاطه ويبادلها المشاعر والحوار. وكم جميل أن تهتّم الزوجة بتأمين الجو الهادىء لراحة زوجها من التعب مثال تجهّز حماما ساخنا، ترتب الغرفة بطريقة ناعمة، تجهّز طعاما يحبه، تفعل له أشياء يحبها يطلبها منها.. و تشعره بأنها تقدّر تعبه وتمدحه ..وتنتظر استعادة نشاطه للحديث معه.
3- انشغال تفكير الزوج لفترات طويلة في قضايا العمل ومسؤولياته، فهذا الانشغال الفكري يدفعه للصمت والانغلاق في دائرة واحدة من التفكير ألا وهو العمل واهتماماته.
- كيف تتصرف الزوجة في هذه الحالة؟
تستطيع الزوجة أن تتحيّن الفرص والأوقات المناسبة للحديث معه ومناقشته في مشاكله واهتماماته. ولا بدّ للزوجة أن تتعلّم الأسلوب التشويقي والجذّاب لنقل الزوج من دائرة التفكير المغلقة إلى الحوار معها، ومن هذه الأساليب:
-أن تتعلّم الزوجة هواية الزوج، أن تحبها وتشاركه فيها.
-أن تختار المواضيع الشيّقة التي تجذب الزوج وتكون محور اهتمامه.
-أن تتحدث بأسلوب تشويقي يتخلله طرح أسئلة مفتوحة، مثال: "هل تعلم ماذا حدث؟ ماذا تقول أنت؟"، أن تدخل عنصر المفاجئة في حديثها، أن تدخل عنصر الفكاهة والمرح في الحوار.
-تعرض عليه مسألة معقدّة أو مشكلة ما وتطلب منه المساعدة في حلّها.
هذه الأسباب التي ذكرناها سابقاً لصمت الزوج هي أسباب طبيعية، لكن يوجد أسباب أخرى تدفع الزوج للصمت منها:
-سماع تعليق خاطىء واستهزاء من زوجته عندما يتحدث وفي كل مرة.
- مقاطعته كثيرا عند الكلام.
- إصدار الأحكام المسبقة على حديثه قبل الإنتهاء من الكلام.
- الاتهام المباشر واللوم والتهكّم أثناء الحديث معه.
- تسخييف ما يطرحه من حديث أو يقترحه من حلول ومشاريع.
- أن تشعره الزوجة أنها تفهم أكثر منه في الموضوع الذي يحاورها فيه أو أن تلجأ إلى تصحيح معلوماته أو تحقّره بذلك.
- أن لا تبدي الزوجة اهتماماً لما يطرحه من حديث..
هنا يصمت الرجل غضبا أو دفاعاً عن نفسه أو للحفاظ على نفسه من الزوجة، وهذا الموقف له آثار سلبية على العلاقة الزوجية، ويجب على الزوجة أن تراجع نفسها ، هل تقوم بمثل هذه التعبيرات أثناء حديث زوجها؟ وإلا فهي المسؤولة عن صمت زوجها، وعليها أن تغيّر هذا الأسلوب الخاطىء في الحوار ليتغيّر حال الزوج معها.
وأن تستبدل ذلك بتعابير المدح والتقدير والثناء، وتشعره بحاجتها إليه، وأن تعبّر له عن ثقتها فيه.
في حال لم تستطع الزوجة أن تخرج زوجها من صمته بعد تطبيق كل الأساليب المطروحة سابقاً، يمكنها إذا أن تصارحه بحاجتها للحوار معه وتضررها من صمته، وأن تناقش معه ماهي الوسائل المساعدة لكي يتخطوا هذه المشكلة.
ب- لماذا المرأة تثرثر وكيف يتصرف الزوج في هذه الحالة؟
1- سبق وذكرنا في هذا البحث عن حاجة المرأة الدائمة للحوار، وأنها عندما تتحدث فهي تتواصل مع الآخرين وبالتالي تشعر بقيمتها الذاتية.
-كيف يتصرف الزوج في هذه الحالة؟
هذه الثرثرة تتعالج بالمصارحة والاتفاق بين الزوجين، قد يعبّر الزوج لها أنه باستطاعته أن يصغي إليها لفترة محددة وعندما يتعب يقول لها ذلك، ويستأذناها للمقاطعة والاستراحة على أساس أن يكملا الحديث في وقت لاحق. وقد يتفق معها على أن يدير الحوار، ويقسّما المواضيع المطروحة على أن ينهيا كل موضوع على حدة.
2- قد تكثر المرأة من الكلام في حالات أخرى، نذكر منها: يكون لديها وقت كبير تقضيه لوحدها، أن يكون عندها وقت فراغ كبير لا تستثمره في أعمال مفيدة.
- كيف يتصرف الزوج في هذه الحالة؟
هنا يجب الاتفاق بين الزوجين على وسائل معينة للإستفادة من وقت الفراغ، أو كيف تخفف الزوجة من تمضية الوقت لوحدها، حيث يعد الزوج والزوجة برنامجاً من النشاطات والأعمال المفيدة التي تساعد الزوجة على الاستفادة من وقتها وتفريغ طاقاتها. وقد يقترح الزوج على أن يتشاركا في أعمال واحدة مشتركة يحققان فيها المزيد من التواصل بينهما.
3- تكثر الزوجة الكلام لأنها تشعر بعدم اهتمام الزوج لها وبعدم تقديرها، لأن الزوج لا يعطي لها الوقت الكافي لأن يجلسا مع بعض أو يخصصا وقتا بمفردهما. وتكثر الكلام لإثبات ذاتها لأنها مهمّشة بالنسبة للزوج..
- كيف يتصرف الزوج في هذه الحالة؟
هنا على الرجل أن يتساءل كيف يتصرف مع زوجته؟ هل يقلل من شأنها؟ هل يهتّم بها حقاً؟
والعلاج المقترح لهذه الحالة أن يحرص الزوج على تخصيص وقت محدد للإصغاء للزوجة والسماح لها بالتعبير الحرّ عن ما يدور في خاطرها و ما تكن من مشاعر.. وقد ينظّم وقته على أن يحدد ساعات في الأسبوع للزوجة للإصغاء لها، أن يخرجا للتنزه معاً .. ومن المهم أن يعبّر لها الزوج عن تقديره لها في الأمور الصغيرة والكبيرة التي تقوم بها الزوجة لخدمته ولخدمة الأسرة، وأن يكافئها بالعطايا والهدايا المختلفة.
في ختام هذا البحث لعلّ قائلا أن يقول في ظلّ هذه الفروقات المتناقضة بين الزوجين لا يمكن أن ينسجم الرجل والمرأة وأن يقيما علاقة زوجية ناجحة! هذا مفهوم خاطىء بل علينا أن نفهم هذه الفروقات وأن نتعلّم كيف نتعامل مع الطرف الآخر. ولنعلم أن هذه الفروقات لا يوجد فيها أفضلية أي لا يمكن أن نقول إن الرجل أفضل من المرأة في أمر ما أو المرأة أفضل منه بأمر آخر.. أو أن الرجل على صواب والمرأة على خطأ ونعمل هكذا على التفضيل ثم محاولة تغيير الآخر. هذه المفاهيم خاطئة ومدمّرة بل يجب علينا أن نقبل الآخر كما هو وأن نعمل على التكيّف وإيجاد السبل الناجحة لتحقيق التواصل الفعّال مع الطرف الآخر.
كيف نتعامل مع هذه الفروقات؟ وكيف نحقق هذا الانسجام؟ هذا ما ينقلنا لشرح عملية الحوار البناّء والناجح بين الزوجين.
رابعاً: عملية الحوار البناّء والناجح بين الزوجين.
حتى تنجح عملية الحوار بين الزوجين علينا أن نصحّح المفاهيم الخاطئة أولاً ثم نتعلم تقنية الحوار:
أ- تصحيح المفاهيم:
-أن لاتضغط المرأة على زوجها ليتكلم، أن لا تصبح دائمة الشكوى من أنه لا يكلمها، أن لا تسيء تفسير موقفه من عدم الكلام، أن تتقبل صمته.
- أن يتفهم الزوج حاجة الزوجة للكلام والشكوى، ويفهم حاجتها لأذن صاغية. أن يعرف كيف يستمع لها دون أن يعطي الحلول.
-الصراحة التامة والمناقشة الهادئة الموضوعية.
-احترام رغبات وخصوصيات الطرف الآخر.
-عدم التصريح بالنقض وإظهار العيوب أثناء الحديث.
-الامتداح والتقدير واستخدام الدعم العاطفي المتبادل أثناء الحديث.
-أن يتفّهم الطرفان طريقة استخدام اللغة الخاصة بكل منها، وأن يفهم ما يقصده الطرف الآخر بمنظار المتكلم.
-عدم المقاطعة والسخرية أو الاستهزاء أو استخدام عبارات الشتم واللوم أثناء الحديث.
-عندما يتحول الحوار إلى شجار، الأفضل إنهاؤه والاتفاق على موعد لاحق للمناقشة.
-غيّر مكانك..إذا لم يهدأ الغضب.. حاول أن تبتعد عن مكان النقاش حتى تهدأ الأمور ثم ليقبل أحدهما إلى الآخر وليقبّل رأسه.
-عدم الاستعلاء أثناء الحديث وإبراز تقصير الآخر أو ضعف الآخر في النقاش أو الحوار.
ب- تقنية الحوار الناجح:
?ماذا نستعمل في الحوار؟
1-الأذن
2-اللسان
3-النظر
4-حركة اليدين
5-نبرة الصوت
6-اللمس
7-السكوت
8-مكان الحوار
لذلك عندما نتحاور علينا أن ننظر بشمولية للمتحدث أن نصغي إليه ليس لحديثه فقط إنما نصغي للغة جسده، وإن حسن اختيار المكان للحوار والزمان لهما الأثر الكبير في تحقيق الإنسجام بين الزوجين.
? كيف ينجح الحوار؟
1-الإصغاء، الإصغاء، الإصغاء للمتكلّم.
2-تقبّل كل ما يطرحه الآخر من دون تعليق على ذلك.
3-اطرح سؤالا مناسباً للإطلاع على كل الجوانب.
4-ابتعد عن استعمال "أنا" واستبدلها ب"نحن".
5-تأكد من أن الطرف الآخر استطاع أن يعبر عن كل ما يعانيه بصراحة وحرية.
6-استخدم جمل المتلكم نفسها للتأكد من فهم قصده أو للاستفسار عن ما يعنيه.
7-لا تستعمل تعابير تدل على انعكاسات ذاتية لما تراه أنت مناسبا من الطروحات.
8-لا تسعى لتحقيق أهدافك أنت أو ما ترضاه.
9-إذا أصر الآخر على موقفه حاول أن تتفهم دوافعه وبين له إيجابية وسلبية قراراته.
10-اكسب دعمه لا تأمره، امنحه التقدير والثناء والعاطفة.
11-لا تعطي رأيك أو النصيحة إلا إذا سئلت وبعد أن تستوفي كل الجوانب.
12-أفضل نتائج للحوار هو أن يستنبط الطرف الآخر النتيجة المستحبة من ذاته هو لا أن تفرض عليه فرضاً.
يوجد وسائل كثيرة أخرى لتعلّم الحوار مثال: قراءة كتب مختصة بذلك، حضور الدورات التدريبية، الحلقات الحوارية.. وليس المهم فقط أن نتعلم بل الأهم أن نمارسه ونصحح أخطاءنا في ذلك، ولا يلقي أحد اللوم على التربية! أو لا أستطيع أن أتغيّر، فهذا أنا!
إن أردت أن يتغير وضعك أو أن يتغير الطرف الآخر فابدأ أنت بنفسك أولاً، ففاقد الشيء لا يعطيه..
منقول للفائدة من موقع حواء