لا أخفي إعجابي أبدا بالدكتور باسم يوسف منذ اللحظة الأولى لظهورة على الشاشة، فهو نموذج ممتاز للطبيب الذي أحلم به، بخفة الدم والبشاشة التي "تفتح نفس المريض على العيا" أكثر مما تشجعه على العلاج.
من أول مقطع فيديو شاهدته لدكتور باسم، وأنا فخورة أن لدينا طبيب مثل أطباء برنامج The doctors الذي يذاع على mbc 4، وتمنيت فعلا أن يقدم برنامج للتوعية الصحية بخفة دمه سيساهم كثيرا في رفع وعي البعض نحو الاهتمام بصحتهم.
استطاع يوسف من أول إطلالة تحطيم صورة الطبيب أبو نظارة كعب كبّاية، المكشّر، الذي يقول لك مرضك وكأنه بيقولك "ربنا يزيدك كمان خلينا نكسب". كما حطم أيضا إيقاع الملل والروتين في الإعلام المصري، وقدم نوع جديد من الكوميديا الراقية ذات المغزى، والسخرية الحقيقية التي تهدف لتوصيل الفكرة بشكل بسيط ومرح ومرن يصل لكل الطبقات.
شيء ما في الموسم الثاني بدأ ينحدر قليلا، ربما ظهورك في cbc قناة الفلول؟ لا أعتقد، فحتى لو كانت كذلك سأشاهدك أيضا لأني أحب برنامجك، فهو الشيء الوحيد المضحك المبكي في إعلامنا السخيف.
من الحلقة الثانية للبرنامج تابعت عدد من تعليقات غير المهذبة عبر بعض الأصدقاء على "فيسبوك" قبل مشاهدة الحلقة، هل تعرف محتواها؟ "إذا كان باسم يوسف قال كلمة ف*خ وعمل الحركة دي في برنامجه.. دانا هقولها في كل حتة، أهوووووو اهووووووو باسم قالها أهو.. أومال بتقولوا علينا قلالاة الأدب لييييييه ؟!".
بصفتي خريجة إعلام، أفهم وأقدر جيدا محاولاتك ومجهود "الواضح جدا" على الشاشة في رسم ضحكة على وجوه المصريين الذين تحولوا من شعب "ابن نكتة" لشعب "ابن كئيبة"، أفهم أيضا أنك ربما تحاول استقطاب فئة جديدة من المشاهدين بلغتهم وتعبيراتهم وأسلوبهم، على طريقة "ما تيجي أقولك نكتة قبيحة".
هل تعلم؟ أنا كفتاة أخرج يوميا لأذهب للعمل وأتعرض لكثير من البذاءات البصرية والسمعية، بدءا من التفافة والترجيع وحتى تبول الرجال في الشارع، وأصوات ما سبق، فضلا عن صوت الأخ "حسين" الذي أصبح منتشرا أكثر من نغمة الموبيلات الصيني، كل هذا – رغم اعتياده – ما زال يؤذيني.
أنا أحدثك كطبيب وكإعلامي، ربما يراني البعض "محبكاها شوية"، وربما يعتقد البعض أني "ملتزمة أو منقبة أو إخوان أو سلفية أو أي حاجة وخلاص"، فيتطرقوا لتخيل شكلي وطريقة تفكيري كي يبرروا خطابي، "ماحنا أصلنا عايشين في زمن المبرراتية"، وأحب أن أقول "لا يا سيدي.. أنا مجرد بنت مصرية عادية جدا"، كل ما هنالك إني رأيت نموذج إعلامي جيد جدا، لا أريده أن يتلوث بما هو مثله.
كانت قناة "روتانا سينما" تبث فيلم لخالد يوسف، ظهرت فيه غادة عبد الرازق تقول فيه "يا وسخة يا... " الخ، علّقت أمي وهي سيدة كبيرة السن، "إيه القرف ده.. هم بيعلموكوا إيه ؟!". بصراحة يا دكتور، لن ألوم أمي إذا شاهدت برنامجك وقالت نفس الشيء (هو إحنا خلصنا من إعلانات قطونيل اللي بنشوفها في التليفزيون.. والبوكسرات اللي بنشوفها في الشارع عشان تجيبهالنا في برنامجك؟"، مع الفارق الشنيع المريع الفظيع بين ما تقدمه وما يقدمه من سبق ذكره، لكنك إطلالتك الأولى على الشاشة أكدت لنا أنك شخص له فِكر مميز، وبالتأكيد سيخدمك ذكاءك لإيجاد طرق مضحكة دون خدش حياء الجمهور.
ستقول لي أن الجمهور بلا حياء أصلا، أنا أعرف ذلك، والمصحف أنا بنت عايشة في مصر، لكن لماذا لا تختلف عنهم؟ أعتقد أن ما وصلنا إليه في الشارع هو نتيجة لتصرفات بسيطة قد تراكمت، بداية من بطرس غالي الذي سب الدين، ثم مشاجرات أعضاء مجلس الشعب بالأحذية والشتيمة والسباب، ثم شدّ الشعر على الهواء، والمذيع الرياضيالذي يشير بإصبعه الأوسط، وبرامج التوك شو التي تحولت لحلبة مصارعة مثل المصارعة الياباني التي لم أفهم فائدتها قط، برامج المرأة – ولا على بالها خالص – أزياء وشعر وموضة وكأن المرأة عروسة حلاوة ليس لها علاقة بالبلد وكل ما يدور فيها، برامج الرياضة مهتمة بسبّوبة الرياضة وليذهب العالم للجحيم، برامج الأخبار النكد والكئيبة، ناهيك عن المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية اللي مليانة ضرب وشتيمة وخناقات وعالم عايشة في فلل وقصور وغيرهم في حواري وعشوائيات، وكأن مصر ليس بها طبقة وسطى !. أصبحت أشعر أن الإعلام في بلادنا – بكل أشكاله – لا يحتاج لإصلاح بل يحتاج لقنبلة تنسفه حتى نبدأ في البناء من جديد على نضافة !.
أنا رغاية صح؟ فقط رغبت أن أقول لك أن أخي الصغير كان طفلا جميلا مثل أطفال الإعلانات، أدركت فجأة أمس أن الكمبيوتر الخاص به يحوي مئات من الأغاني الشعبية، وأنه دخل في العيد فيلم عبده موته، وأنه يرقص بطريقة "أوكا وأورتيجا" الذين أصبحا من نجوم مصر بعد الثورة !.
الشتيمة والألفاظ القبيحة لن تضرك أنت بصفتك رجل في مجتمع شرقي، لأن ده بالنسبالكم من حبشتكانات الرجولة "تسب وتلعن وتصدر أصوات غريبة" وهو منطق لا أفهمه بصراحة، لكن ما علينا.. مثل تلك الألفاظ تُضحِك في لحظة، تغمز بها في لحظة، لكني أدفع ثمنها.. أدفع ثمن من يراها في التليفزيون – في برنامجك أو أي برنامج آخر – فيعتبرها عادي، فيقولها عادي، فأسمعها أنا وملايين من السيدات كل يوم.. وترجعوا تقولوا قلة الأدب بتيجي منين !
لن نسد آذاننا بالطبع إذا كان المجتمع يتكلم بألفاظ غير لائقة، لكني أسمعها ولا أقبلها، بركبّ فلتر في دماغي كي ينتقي لي المناسب من الألفاظ، لكني علمي أن للإعلام دور حيوي في بناء ثقافة الشعوب جعلني أخاطبك لأني أعلم أن محبيك ومتابعيك كثيرين، وأنا منهم.
مثلا، بعد كارثة هيروشيما في اليابان، تم توزيع شعار "اليابان رقم 1" في كل مكان في البلد حتى تنهض "ودي ملهاش دعوة خااااااااااااالص بالنهضة بتاعتنا"، المهم، الإعلام ساند الدور، المخرجين والمذيعين كانوا يصورون أفلاما وثائقية من المستشفيات والأماكن التي تُقصف بها القنابل الأمريكية، وبعد هيروشيما تفرغ الإعلام لبث رسائل السلام.. طيور الكركي التي صنعها طفل أصابته آثار القنبلة النووية في المستشفى، صنع ألف منها، ودخل موسعة جينيس، ومات. لكن الإعلام لم ينسى، وظل حتى اليوم يحتفل ويروّج لثقافة السلام، والشعب الياباني الخلوق لم يتفرغ للنزاعات والأحقاد، بل عمل كله على عودة بلاده لأقوى مما سبق.
من اليوم الأول للثورة وأنا أحلم بأن يقوم إعلامنا بذلك، وعندما ظهرت ببرنامجك حلمت بذلك وأصبح الحلم ملموسا بعض الشيء، لأنك تقول كلمة الحق بالسخرية مرة وبالحزم مرة، وأنا أقولها لك، هناك مجتمع يعاني من منظومة انحدار أخلاقي.. هناك مجتمع منهار أخلاقيا، نحن نعيش في بيئة مليئة بالميكروبات والأمراض النفسية والأخلاقية والمجتمعية، على كل الأشكال والأنواع، لا تزيد الطين بلّة بأن تكون جزءا منها بإمكانك أن تختلف برُقيّك، فالثلج لن ينصهر بالثلج، بل بالعكس يتراكم ويصنع كرات ضخمة تتحرك مستقبلا وتنسف كل ما في طريقها (اللي هو أصلا متدمر)، فالخطوة القادمة أن تبتلعنا كرات الثلج وتدهسنا تحتها، ولا تنسى أننا في مجتمع رغم إنه من أعلى نسب التحرش في العالم فهو لازال يعتقد أنه "متدين بطبعه"، ورغم بجاحته في الشتيمة علناً فما زال يقول النكت القبيحة "همساً".
بقلم : بسمه العوفى