النوبيون يريدون العودة إلى قراهم التي هجّرهم منها ارتفاع منسوب المياه في بركة السد العالي في الستينات، وهم يرفعون الصوت اليوم مهددين بالجهاد ضد الاخوان، لكن هؤلاء يضعون هذه التهديدات في خانة التهويل، واعدين بحلّ جذري للأزمة النوبية.
القاهرة: في تصعيد جديد لأزمة أربعة ملايين نوبي بحثًا عن حقهم في العودة الى موطنهم الأصلي، خرجت بعض الدعوات من جانب ممثلين عن الشعب النوبي تعلن الجهاد المسلح ضد دولة الإخوان المسلمين، إذ أعلن أسامة فاروق، الرئيس التنفيذي لحركة كتالة النوبية، الانفصال عن الحرية والعدالة، واصفًا نظام الرئيس مرسي بالفاسد الذي يتخذ القرارات الكاذبة.
رأى البعض في هذه التصريحات نوعًا من بوادر تقسيم مصر دينيًا ومناطقيًا أيضًا، كما طرحت تلك التصريحات العديد من علامات الاستفهام من بينها ما معنى الجهاد المسلح ضد الإخوان المسلمين؟ وأي خطر تشكله هذه الدعوة اليوم في ظل الانقسام المصري بين الإخوان ومعارضيهم؟ وهل تلوح بوادر تقسيم مصر من ضمن المخطط المتواتر اليوم لتقسيم المنطقة العربية؟
تهديد ولفت نظر
يصف أشرف عثمان، عضو حركة 4 سبتمبر النوبية ورئيس جمعية السيالة النوبية، لـ"إيلاف" ما صدر عن فاروق من تهديد بالجهاد المسلح ضد الإخوان بأنها مجرد تهديدات فقط في لحظة غضب، من أحد شباب النوبة الذين سدّ مسؤولو الدولة في وجوههم جميع الأبواب، وأعياهم السعي لحل أزمة أربعة ملايين نوبي. أضاف عثمان: "أتى كلام فاروق من أجل لفت نظر الإعلام والحكومة للقضية النوبية بعد أن أصبح هذا الأسلوب الطريق الوحيد لحصول الكثير من فئات الشعب على حقوقهم"، نافيًا تنظيم النوبيين حركات ثورية أو غير ذلك.
وتابع قائلًا: "الحديث عن الانفصال عن الإخوان يدخل ضمن حملات التهديد، لكنّ النوبيين أكثر وطنية وحبًا لمصر ولا توجد أي دعوات للانفصال عن الوطن أو الخروج عن سلطة الرئيس والشرعية في الدولة، فهناك حملات تشويه يقودها البعض تدعي سعينا للانفصال والتشكيك في ولائنا لمصر وهذا غير صحيح، لكن في الوقت نفسه فقد النوبيون الأمل في حلّ الحكومة للأزمة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى التصعيد بعيدًا عن السلمية، فهناك من يرى أن الطرق السلمية لن تجدي".
قمة التجاهل
اتهم عثمان الرئيس مرسي بالكذب على النوبيين، وبالتخلي عن جميع وعوده لهم بعدما قال في أول خطاب له إن حق النوبيين في رقبته، وبعدما أعلن المتحدث الرسمي بلسان الرئاسة عن حل قضية توطين النوبيين، "فهذا لم يحدث، والرئيس على مدار الفترة الماضية لم يرضَ مقابلة أي وفد من ممثلي النوبة في القاهرة، بل قام بزيارة الغالبية العظمى من المحافظات مثل مطروح وشمال سيناء، وتجاهل زيارة محافظة أسوان، كما وصلت قمة تجاهل النوبيين وشعب أسوان بعدم اختيار ممثلين عنهم في الجمعية التأسيسية للدستور وتعيينات مجلس الشورى الأخيرة في الوقت الذي تم فيه اختيار ممثلين عن سيناء ومطروح".
أضاف: "الواضح أن الثورة لم تصل بعد إلى أسوان، وما زال هناك تجاهل لقضية النوبة منذ عهد المجلس العسكري مرورًا بحكومتي الدكتور عصام شرف والدكتور كمال الجنزوري، وأخيرًا حكومة هشام قنديل".
كما اتهم عثمان محافظ أسوان بخداع رئيس الحكومة، إذ يدفعه إلى مقابلة شخصيات مجندين للمحافظ، يدعون عدم وجود أي أزمات، والغريب أن هذا المحافظ مستمر في منصبه بعد الثورة.
وماتت القضية
عن أهم مطالب النوبيين قال عثمان: "إننا نطالب بصدور قرارين لحل الأزمة نهائيًا، أولهما إصدار قانون بأحقية المجتمع النوبي في العودة مرة أخرى حول ضفاف البحيرة بالمسميات القديمة نفسها للقرى التي كانت موجودة قبل التهجير في الستينات، على اعتبار أن لكل قرية مرجعية ثقافية أثرية؛ وثانيهما إنشاء جمعية تتولى عملية التوطين، بحيث يكون ضمن عضويتها قيادات نوبية مختصة، ما يضمن أن يكون التوطين منظمًا ومنصفًا".
وأوضح أن مساحة المنطقة التي يعيش فيها النوبيون الآن حوالي 15 كيلومترًا مربعًا، وهي غير صالحة للإقامة الآدمية، فلا خدمات من مستشفيات أو مياه نظيفة، والمنازل تتصدع يوميًا بسبب سوء التربة.
هذه الظروف كانت سببًا في نزوح النوبيين وهجّرتهم لمحافظات أخرى. لذلك طالبنا الحكومة بإنشاء هيئة لتعمير النوبة والاستفادة من الأراضي الزراعية المحيطة بالبحيرة، حيث هناك مليونا فدانٍ صالحة للزراعة الفورية.
وأشار عثمان إلى أن النوبيين كانوا يقيمون شرق السد العالي وغربه ، "وفي العام 1963 ارتفع منسوب المياه بخزان السد العالي إلى 182 مترًا فتسبب بغرق وهلاك أكثر من عشر قرى، فقرر الرئيس جمال عبد الناصر هجرة جميع النوبيين 60 كيلومترًا شمال السد، وقيل وقتها إنّ الهجرة ستدوم خمس سنوات فقط، لكن عبد الناصر لم يستطع تنفيذ وعده، إلى أن جاء الرئيس أنور السادات الذي نعدّه أفضل رئيس اهتمّ بالنوبيين، فقام بزيارتنا والصلاة معنا ووعدنا أن يعود الجميع في أقل من عشر سنوات إلى موطنهم الأصلي، لكن الموت حال دون تنفيذ وعده، وجاء حكم مبارك فماتت القضية تمامًا".
أين الأموال؟
من جانبه، أوضح عبد الغفار شكر، عضو جبهة الإنقاذ، أن الرئيس مرسي تجاهل القضية النوبية تمامًا، "بل إن حزب الحرية والعدالة كذب على الشعب النوبي وادعى أن أحد إنجازات الرئيس خلال المئة يوم الأولى من حكمه حل أزمة النوبيين بتوطينهم، والحقيقة أن الحلول التي وضعتها الحكومة تمثلت فقط في حق النوبيين في تملك خمسة فدادين زراعية كنوع من التوطين".
أضاف لـ"إيلاف": "ليست لدى الرئيس أو حكومته رؤية واضحة لحل جميع القضايا المتعلقة بفئات كبيرة بالمجتمع، بدءًا ببدو سيناء وسكان مطروح وأزمة حلايب وشلاتين مرورًا بأزمة النوبيين، التي تحتاج إلى وقفة وقرار من الرئيس لأن حلّ الأزمة ليس صعبًا".
وأشار إلى أن النوبيين شعب وطني، لم يظهر فيه جاسوس واحد، كما استخدم الجيش المصري اللهجة النوبية في حرب أكتوبر، وفشلت إسرائيل في فك الشفرة النوبية.
وكشف شكري عن مفاجأة كبرى بقوله: "خصصت حكومة عصام شرف مليار جنيه لعودة النوبيين إلى موطنهم الأصلي، كما خصصت منظمة الفاو للعلوم والثقافة مبلغ مليار ومائة مليون جنيه لبناء 18 قرية لتوطين النوبيين، فأين ذهبت تلك الأموال؟"
خطورة جدية
حذر شكري الرئيس مرسي من تجاهل قضية النوبيين، منعًا من تصاعد الاحتجاجات التي سوف يقومون بها، فالتهديدات التي تنطلق الآن من قبل بعضهم قد تتحول جدية، خصوصًا أن الدعوات لتقسيم مصر خرجت من أكثر من فئة خلال الفترة الماضية، ما يمثل خطورة كبيرة على وحدة الوطن. فهناك جهات خارجية تدعم تقسيم مصر ونشر خرائط تؤكد ذلك، من بينها انفصال النوبة وحلايب وشلاتين.
اضاف: "على الرئيس وحزب الحرية والعدالة الحاكم الاهتمام بالقضية النوبية، فلا يعقل أن يكون ممثلو محافظة أسوان في البرلمان ستة نواب، في حين عدد ممثلي محافظة دمياط الأصغر مساحة 12 عضوًا".
راجعون قريبًا
أوضح الدكتور مراد علي، المتحدث الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة، لـ"إيلاف" أن الحزب يهتم اهتمامًا خاصًا بالقضية النوبية، وقد حدثت لقاءات مع ممثلين عن النوبة، وهناك تفهّم كامل لمطالبهم وحقهم في العودة، والرئيس مرسي لم يتجاهل وعوده الانتخابية للنوبيين، لكن المشكلة أن الحكومة تسعى الآن إلى إصدار قانون يحدد كيفية عودة النوبيين وتنظيم توطينهم بحيث يأخذ كل مواطن حقه.
وقال: "أزمة النوبيين متراكمة منذ 60 عامًا، والحكومات السابقة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بتجاهل حلّ القضية، لكنّ النوبيين سيعودون قريبًا الى موطنهم الأصلي".
وأشار إلى الدعوات التي خرجت للجهاد المسلح ضد الإخوان مؤكدًا أنها مجرد دعوات فردية لا تعبر عن الشعب النوبي الوطني الطيب،"ومصر ليست كغيرها من الدول المجاورة، فالتقسيم فكرة مستبعدة تمامًا، ولن تنجح الدعوات المدعمة من الخارج بتقسيم البلاد، خصوصًا أن الشعب المصري يرفضها ويتصدى لها، والرئيس والحكومة لن يسمحا بذلك، وحزب الحرية والعدالة يساند مطالب النوبيين وحقهم في العودة والتوطين".
وطالب مراد المعارضة بعدم استغلال القضية النوبية كورقة سياسية ضد الرئيس والإخوان، وبالعمل على وضع حلول للأزمة في إطار الدور الخدمي والاجتماعي للأحزاب السياسية والنخبة.