"ناخدها وبعدين واحد واحد يا شباب"
سأحكي حكايتي التي تشبه الكثير من الحكايات، حكايتي أنا وأنتي، أنا وأنتي نعرف كيف حدث هذا، الموت كان قريبا لكنه لا يأتي، أنا وأنتي نعرف إننا انتهكنا، إننا اغتصبنا في قلب ميدان التحرير بين جموع من البشر لا نعرف دينهم، ذئاب بشرية تنهشنا تستبيح كل ما هو خاص، تجردنا من أجسادنا، عنف وشبق وغريزة ولا احد قادر على إنقاذنا، أن نواجهه الموت والاغتصاب لمجرد إني أنثى... في هذا الموقف أنا فقط أنثى. الأم والأخت والابنة والجارة والصديقة مجرد أنثى. على ناصية شارع محمد محمود، شارع الشهداء وعيون الحرية جردوني من جنسيتي... من انتمائي لهذا المشهد.
الجمعة 23 نوفمبر 2012 في تمام الساعة السادسة والنصف مساء نزلت أنا وصديقتي لنعلن رفضنا للدستور المشوه، وسط الملايين ممن نزلوا لنفس الغرض (أود أن لا اسمع أحدكم يقول "ايه اللي وداكوا هناك")، تمشينا حول الصينية في الميدان ووصلنا لناصية شارع القصر العيني وشارع محمد محمود، كانت الشرطة تلقي قنابل مسيلة للدموع بغزارة و بدأ الركض والتدافع، أمسكت بيد صديقتي ولكني فقدتها بعض لحظات. آخر شيء سمعته منها هو أن هناك من يتحرش بها وسط التدافع. حين استطعت الرؤية مرة آخري لم أجد صديقتي، ووجدت صديق لي كان هاربا من الغاز بالقرب مني، قلت له أن صديقتي هناك يتحرشون بها ، فذهبنا لننقذها وقد اكتشفت وقتها أني فقدت الموبيل، وجدت صديقتي حولها المئات من الأشخاص... حاولت أن أخلصها أنا وصديقي لكنهم دفعونا سويا فوقعنا فوق بعض ثم فصلونا إلي دائرتين، وقتها لم أدرك أي شيء... .لم افهم ماذا يحدث... من هؤلاء؟. كل ما كنت ادركه أن هناك المئات من الأيادي تجردني من ملابسي وتخترق جسدي بكل وحشية، لا سبيل للنجاة فالكل يقول أنه يحميني وينقذني لكن ما كنت أشعر به أن الدوائر القريبة مني والملتصقة بجسدي يغتصبوني بأصابعهم من الأمام والخلف، بل وأحدهم كان يقبلني من فمي... أصبحت عارية تماما وتدفعني الكتلة الملتفة حولي إلي الممر المجاور لمطعم هارديز... أنا داخل هذه الدائرة المغلقة بإحكام وكلما كنت أحاول أن أصرخ وأن أدافع عن نفسي وأن استنجد بمخلص كانوا يزيدون من عنفهم واغتصابهم، وقعت مرة أخرى في مياه المجاري الموجودة أمام هارديز وأدركت في هذه اللحظة أن في الوقوع موتي. قررت أن أحافظ على هدوئي طالما الصراخ يتبعه عنف اكبر، وحاولت أن أبقى واقفة أتشبث بأيديهم التي تخترقني وأكتافهم، ثم في الممر بجوار هارديز وقعت مرة أخرى في بلاعة المجاري ذاتها وأنا عارية... استطعت أن أنجو من الموت دهسنا تحت أقدامهم وجدت باب لعمارة، حيث يقف البواب خلف الباب ولا يريد أن يفتح... بقيت محجوزة في مدخل العمارة وقتا طويل... .تتدافع الأجساد من حولي الذين مازالت أيديهم تنتهكني، بل وكنت أرى منهم من يقف على أماكن عالية لكي يتمكن من المشاهدة مجانا ليغذي احباطاته الجنسية بالمشاهدة... أشعر إني قضيت وقتا طويلا في هذا الركن، إلى أن ألقى لي أحدهم بلوفر والذي كان شبه مستحيلا أن أرتديه فالأجساد تلتصق بي وتمنعني من ارتدائه، نجحت في لحظة ما أن أرتدي البلوفر وهي اللحظة التي سمعت مجموعة من الشباب على يساري يتفقون على أن يأخذوني لمكان آخر وعلى حد تعبير أحدهم "ناخدها وبعدين واحد واحد يا شباب" و فجأة بدأت الكتلة البشرية تدفعني مرة أخرى ولكن ليس في اتجاه المستشفى الميداني، دفعوني في الاتجاه المعاكس في اتجاه خرابة مظلمة، خفت من أن ينتهي بي الحال في هذه الخرابة، حاولت الوصول لقهوة في الطريق لكنها لم تفتح وكذلك محل للأدوات الالكترونية أيضا لم يفتح بل وتحرش بي أحد العاملين بهذا المحل وأنا أمر من أمامهم... شعرت بيأس جعلني أستنجد بهذا الرجل الذي أمامي مباشرة والذي كنت أختبئ في ظهره لأستر عورتي، والذي كانت يديه تعبث بمؤخرتي، أخذت أستعطفه قلت له أني أم – وهذه حقيقة- وأنه رجل شهم وبطل وأني اختارته لكي يحميني توسلت اليه لكي يفسح لي طريقا للمستشفى الميداني. لا ادري حقا ما دفع هذا المتحرش لإنقاذي بعدما توسلت إليه... .ولا اعرف كيف فجأة أشهر حزاما وأخذ يضرب في كل من حوله ويصرخ بجنون"انا اللي هحميها... انا اللي هحميها"، لا أدري كيف استيقظ ضميره لكني وجدت نفسي أزحف لأصل للمستشفى الميداني... هناك رأيت أول سيدتين فشعرت بالنجاة... كان مازال نصفي الأسفل عاريا تماما... فألقوا علي البطاطين وسط محاولات للمتحرشين لاقتحام المستشفى والالتفات حولي مرة أخرى... أعطى لي أحدهم سرواله وآخر موبيله لكي أتصل بأحد... بدأت أرى أصدقائي وهم يحاولون اختراق الكتل البشرية الملتفة حولي. كان شيئا في غاية الصعوبة لكي اخرج من المستشفى الميداني لأصل لبيت صديقة لي قريبة من المستشفى. حين صعدت لبيتها كان المتحرشون مازالوا ينتظرون أسفل العمارة.
أشعر أني لم احكي الحكاية كما حدثت... الوصف أقل حدة مما حدث لي ولصديقتي التي عرفت بعد ذلك ان المتحرشون أخذوها إلي عابدين وأن من أنقذها كانت سيدة من عابدين.
أشعر بالأسف والحزن والأسى لما حدث من حالات أخرى بالأمس 25 يناير 2013... لذا قررت أن اكتب شهادتي، لكي يعلم كل من يريد أن يدفن رأسه في الرمال أن ما يحدث جريمة بشعة قد تحدث لأمك أو أختك أو ابنتك أو لصديقتك أو حبيبتك.
لن نخاف... لن نختبئ في بيوتنا، التحرش مرض اجتماعي متفشي من سنين، يستخدمه النظام الحالي لكي يرهب الفتيات والسيدات، و لكن يجب أن نعلم جميعا أن قضية التحرش هي قضية اجتماعية وليست سياسية فقط، وما يحدث في الأعياد والمناسبات والأماكن المزدحمة تشهد على ذلك. لا أعرف إن كانت هذه الشهادة ستحدث اختلافا أو تغيرا... فمازالت الانتهاكات تمارس ولكنه اضعف الإيمان.
إلى نساء هذا الوطن المغتصب: أنتن أعظم ما فيه.