عندما يرفضون نجاحك
مواقف كثيرة تعرضت لها في الطفولة، تحديات كبيرة، كطفل كنت أحب التحدي، ولكن بصمت، لم أقل يوما أني سافوز، ولكني كنت أفوز، لأني كنت أكره الخسارة، كنت أغضب وتشتعل النار بداخلي إن فكرت في الفشل.
كرة القدم
كرة القدم كانت بالنسبة لي حلما كبيرا، كنت أعشق اللعب، وكنت أتمرن كل يوم، لم أكن أضيع الوقت في اللعب البسيط، بل كنت دوما أجرب حركاتي الخاصة.
في أحد الأيام ذهبت لأحد الأصدقاء، فوجدتهم منزعجين ومشغولين، ولما كلمتهم قالو أنهم يبحثون عن لاعب لكي يبدؤو المباراة. عرض علي أحد الأصدقاء أن أحرس المرمى، وافقت وقلت "أنا مستعد"، ولكن لأني كنت أصغرهم سنا، وكنت أبدو هزيلا ظنوا بأني سأكون نقطة ضعفهم. والكل قبل بحسرة لأنهم لم يجدو بديلا.
نبهوني أن الفريق الآخر لديه لاعب يسدد برجله اليسرى، وتسديداته قوية جدا. فطلبت منهم أن يشيرو عليه.
وعندما أتى الفريق الثاني، بدأ البعض يسخر من حارس المرمي "أنا"، فنظرت لأحد الأصدقاء وسألته هل من يضحت بصوت عال هو صاحب التسديدة القوية، فقال نعم. فنظرت إليه مبتسما، وقلت في داخي سنرى من سيضحك في النهاية.
لا أخفي أني كنت مشبعا بكرتون الكابن ماجد، وكنت أصدق أن الشخص يمكنه النجاح إن بدل مجهودا أكبر مما يقدر عليه.
إنطلقت المبارات، وبقيت في مكاني أتابع الكرة التي بقيت تقترب وتبتعد، إلى جاءت اللحظة، ووقف ذاك الشخص أمامي وبسخرية، سدد كرة من بعيد بكل قوته وقد تعمد أن يسدد على وجهي، لكني انتبهت جيدا فضربت الكرة بكوعي، وابتعدت كثيرا. وخرجت من الملعب. فلم يصدق نفسه، وبدأ الغل يشتعل في داخله ويسأل كيف لهذا الطفل أن يهزمني.
أحسست أنه كان يريد ضربي وقتها لأني لم أمكنه من التهديف. وفي الجانب الآخر كان فريقي غير مصدق أيضا، لأنهم قبلوا وجودي معهم فقط لأنه لا يوجد بديل. مرت لحظة من الصمت فاتاني الجميع يشجعني وبدأو يثقون بي.
واستمر اللعب بعدها. وكان ذاك الشخص المتكبر لم يستطع استيعاب الموقف، بدأ يطلب من فريق التمرير إليه كل مرة، وأنا كنت أطلب من فريقي ألا يدعوه يقترب، ويتركوه يسدد من أي مكان يريد، شرط ألا يقترب كثيرا مني.
وقد حاول مرات عديدة ولكنه لم يتمكن أن يسجل الهدف، بدأ يشتعل حقده أكثر، وكرهني أكثر، وبدل الإستهزاء والضحك، أصبح مكشرا غير قادر على تحمل الوضع، وبدأ يسب أحيانا عندما يفشل.
حتى فريقه أصبح غير قادر على تحمله لأنك كان مصرا على أن يلعب وحده، وأن يسجل وحده.
لم يصدق أحد في البداية أني كنت سأكون سبب النجاح، وقد فزنا وقتها عليهم بنتيجة كبيرة جدا، لم يخسرو بمثلها من قبل.
سبب صدي لكل تلك التسديدات التي أعترف أنها كانت قوية جدا، هو سببان، الأول أن الشخص كان مغرورا لدرجة الغباء، وكان كل مرة يسدد في نفس المكان، والسبب الآخر أننا أجبرناه على التسديد من بعيد، وبالتالي كنت أستطيع رؤية مسار الكرة بشكل دقيق، وأستعد لها جيدا.
وقد مرت المباراة، وشجعني الجميع وشكرون، واعترفو أنهم كانو محبطين من مشاركتي في البداية، لكن بعدما فقعلت في أول تسديدة، بدأ الأمل يدخل قلوبهم، والثقة أيضا.
الشخص الذي كان يسدد لم يستوعب الموقف حتى بعد نهاية المباراة، جاء الجميع ليسلم علينا ولكنه سلم على الجميع، ولم يتكلم معي إطلاقا، واكتفى بنظرة حقد إلي، ثم انصرف.
البلي وأيامه
عدما كنا صغارا كان لدينا مواسم للعب، كموسم البلي وموسم آخر للعبة أخرى...... ومن أهم المواسم هو موسم البلي اللي كان تقريبا في فصل الربيع، وكنا وقتها نلعبه كثيرا وبشغف. وكان أنواع كثيرة، البعض كان يشتري كثيرا من البلي ويلعب ثم يخسر ومرات يكسب ويجمعه، ثم يبيعه ويسكب منه........
أنا في البداية كنت اشتري فقط، وكان يعجبني كثيرا البلي الأبيض، وكنت أشتري كثيرا. وكنت أكتفي باللعب في البيت، لكن لم أكن ألعب خوفا من الخسارة. لكن في أحد الأيام، جائني شخص من الإنتهازيين وطلب مني إعطائه بعض البلي وسيرد ضعفه إلي. في الحقيقة طمعت ووافقت. لكنه لعب مرة وخسر، ثم مرة أخرى وخسر ثانية. فبدأ الأمل يتبدد وخشيت أن يخسر كل شيء، فاستعدت منه ما بقي وقررت أن ألعب بنفسي لأني لم أتقبل أن يضيع البلي الخاص بي.
كانت أول مرة ألعب فيها مع اشخاص أكبر مني كثيرا، ولكني مع ذلك لم يكن يهمني إلا خسارتي للبلي بسبب شخص غبي. وقلت أنا سألعب، فسخر الجميع وقالو ها هو ضحية جديدة سنأخد منه كل شيء ونعيده لبيته.
لعبت أول مرة فكسبت، ولم يصدق أحد ولم يعترفو بالمكسب وقالو أني أغش. ثم وافقت وأعدنا من جديد وكسبتهم مجددا، ولم يقبلوا وقالوا فلنعد آخر مرة، وكسبت مرة أخرى، ولكنهم لم يقبلو إعطاء البلي، بعد إنتصاري عليهم لم يهمني كثيرا البلي، بقدر ما إكتشفت أن كل اللعب الذي كنت ألعبه لوحدي في البيت كان حقا مجديا، وقررت أن أضاعف تدريبي في البيت وألعب في الشارع وأكسب الجميع.
ولكني أيضا قررت ألا إلعب من الكبار لأنهم لا يقبلون الهزيمة. ولعبت مع الأصدقاء، وكنت أكسبهم جميعا لكني لم أكن آخد منهم أي شيء، لأني كنت أخاف أن يأتوا بعد نهاية اليوم باكيين يطلبون بليهم.
لعبنا كثيرا، ولكن في يوم، قررنا أن نلعب على 10 بليات يدفعها كل من خسر، ونحن 5 أشخاص، يعني من كسب سيجد لديه 40 بلية إضافية، وافق الجميع، ولكن جعلنا أحد الآباء كان يجلس يحرس أولاده، جعلناه حكما بيننا لكي لا يعود أحدنا ويطلب إستعداة ما خسر، وأيضا لكي يتهم أحد بالغش.
لعبنا وقد هزمتهم في دقيقتين تقريبا، لم يصدق أحد أني برمية واحدة كنت أصيبهم وأبعدهم عن اللعبة. وكان كل من يخرج من اللعبة يعطي البلي للحكم. وفي النهاية إستلمت أول بلي أكسبه.
من وقتها شدني اللعب وبدأت أذهب لأصدقاء الدراسة وألعب معهم في أحيائهم، وكنت غالبا ما أكسب مع بعض الخسارة أحيانا. ولكني في النهاية جمعت ما يقارب ألف بلية. وبدأت أبيعهم بأثمان زهيدة جدا، حتى كنت أبيع 5 بثمن واحدة، لأني كنت أعرف أنهم سيخسرو أمامي وسأعيد بيعهم لنفس الأشخاص، وهذا ما كان يحدث في غالب الأحيان.
وعند نهاية العطلة كان لدي كيس مليئ بالبلي، ولازال إلى اليوم لدي بعض ذلك البلي الذي كنت جمعته في الطفولة، وبعضه كان لونه مميزا، ويذكري في أيام كثيرة جدا.
في الدراسة
قد إعترفت في موضوع الحضانة تقتل العلماء أني لم أدخل أدخل الحضانة كباقي الأطفال، بل كنت قد هربت منها مرتين، مرة لمجرد مشاهدتي لمن فيها، ومرة أخرى بعد خلافي مع أحد المعلمات، وقد قلت لها كلاما لم ولن تسمع مثله طول حياتها.
في الدراسة مررت بموقف لن أنساه أبدا، وقد كنت من التلاميذ الذين لا يحبون المشاركة في الفصل، كنت أجلس في المقعد الأمامي دائما، وأبقى صامتا أنظر للمعلم وأحاول فهم الدرس، لا أسأل أي سؤال، أكتفي بمتابعة كل شيء يحدث حتى إن وجه لي أي سؤال كنت أتهرب من الإجابة، لسببين الأول أني لم أكن أحب الظهور بشكل الطالب المتفوق والثاني لأني كنت أخجل قليلا من سخرية الآخرين، لأننا في تلك المرحلة إن أجبت جوابا صحيحا سيسخرون منك، وإن أخطأت أيضا سيسخرون.
كانت أول سنة لأحد المعلمين معنا، وكان معلم الرياضيات، مر وقت طويل، وقد حان وقت أول إمتحان، كعادتي كنت طوال الوقت صامتا، وعند الإمتحان دخلت وحللت حسب معرفتي.
يوم إعطائنا الدرجات، نادا على الجميع، وقد كان له ترتيبه الخاص، حيث كان يعطي الأوراق بدءا من أسوء نقطة إلى أن يصل لأعلى نقطة.
نادا على الفاشلين أولا، ثم المتوسطين، وانتظرت إسمي معهم ولم ينادي، ثم دخل قائمة المتفوقين وكانو 4، وانتهى ولم ينادي على إسمي، ثم بعدما إنتهى سألنا من لم يأخد ورقته، نظرت حولي، ثم رفعت يدي وقلت "أنت لم تعطيني الورقة". فنظر إلي وقال تعالى إلى هنا، وقد قالها بطريقة بها بعض الشك والتصيد، وقال لي قف أمام الصبورة.
ثم أتى وكتب لي معادلة ملأت نصف الصبورة، وقال "أرنا شطارتك يا بني".
ضحك الجميع، وأنا أحسست ببعض الإحتقار في كلامه، ثم ذهب بعيدا وتركني أحل المعادلة، وقد أكملت، وناديت عليه، "أنظر". ثم نظر قليلا، وذهب لمكتبه، وقال "الأول على الفصل صفقوا له"، في الحقيقة لم أكره أي نجاح في حياتي بقدر ما كرهت تلك اللحظة. لأني أحسست باحتقار شديد.
وقد أمضيت بقية الحصة مكشرا، لا أقدر على إستيعاب التصرف الذي حدث معي. وعند انتهاء الحصة، طلب مني الأستاذ الإنتظار، وقد انتظر إلى خرج الجميع ثم قال لي "أنا متأسف، أحسست أني ظلمتك ورأيتك أنك غضبت، ولكني أكثر ما أكره في حياتي هم الأشخاص الغشاشين، وقد شككت بك لأني لم أكن أراك في أي مرة تشارك في الفصل"، فنظرت إليه وقلت "هذه طبيعتي، شكرالك"
كلامه جعلني أحترمه كثيرا، على الأقل لأنه طلب الإعتذار، وبعدها أصبح تفوقي عنده أمرا طبيعيا.