إنّ الظّبَاءَ، غَداةَ سَفحِ مُحَجَّرِ، |
هَيّجْنَ حَرّ جَوًى وَفَرْطَ تَذَكُّرِ |
مِن كلّ ساجي الطّرْفِ، أغيدَ أجيدٍ، |
وَمُهَفْهَفِ الكَشحَينِ أحوَى أحوَرِ |
أقْبَلْنَ بَينَ أوَانِسٍ مالَ الصّبَا |
بِقُلُوبِهِنّ، وَبَينَ حُورٍ نفّرِ |
فَبَعَثْنَ وَجداً للخَليّ، وَزِدْنَ في |
بُرَحَاءِ وَجْدِ العاشِقِ المُستَهْتَرِ |
للحُبّ عَهدٌ في فُؤادي لَمْ يَحِنْ |
مِنْهُ السّلُوُّ، وَذِمّةٌ لَمْ تُخْفَرِ |
لا أبْتَغي أبداً بسَلْمَى خُلّةً، |
فَلْتَقترِبْ بالوَصْلِ، أو فَلْتَهجُرِ |
قَد تَمّ حُسنُ الجَعفَرِيّ، وَلَمْ يَكُنْ |
لِيَتِمّ إلاّ بالخَليفَةِ جَعفَرِ |
مَلِكٌ تَبَوّأ خَيرَ دارٍ إقامة |
في خَيرِ مَبدى للأنامِ وَمَحضَرِ |
في رَأسِ مُشرِفَةٍ، حَصَاهَا لُؤلُؤٌ، |
وَتُرَابُهَا مِسْكٌ، يُشَابُ بعَنبَر |
مُخضَرّةٌ، والغَيثُ لَيسَ بساكِبٍ، |
وَمُضِيئَةٌ، واللّيلُ لَيسَ بمُقمِرِ |
ظَهَرَتْ منُخَرَقِ الشَّمالِ، وَجَاوَرَتْ |
ظُلَلَ الغَمَامِ الصيبِ المُستغزَرِ |
تَقْديرُ لُطْفِكَ واختِيَارُكَ أغْنَيَا |
عَنْ كُلّ مُختَارٍ لَهَا، وَمُقَدِّرِ |
وَسَخَاءُ نَفسِكَ بالّذي بَخُلَتْ بهِ |
أيدي المُلُوكِ من التّلادِ الأوّفَرِ |
وَعُلُوّ هِمّتِكَ التي دَلّتْ على |
صِغَرِ الكَبيرِ، وَقِلّةِ المُستَكثِرِ |
فَرَفَعْتَ بُنْيَاناً كَأنّ زهَاءَهُ |
أعلامُ رَضْوَى، أوْ شَوَاهقُ صَنْبَرِ |
أزْرَى على هِمَمِ المُلوكِ، وَغضّ من |
بُنيانِ كِسرَى، في الزّمانِ، وقَيصَرِ |
عَالٍ عَلى لَحْظِ العُيُونِ، كَأنّمَا |
يَنظُرْنَ مِنهُ إلى بَيَاضِ المُشتَرِي |
بَانِيهِ بَاني المَكْرُمَاتِ، وَرَبُّهُ |
رَبُّ الأخاشِبِ، والصّفَا، والمَشعَرِ |
مَلأتْ جَوَانِبُهُ الفَضَاءَ، وَعَانَقَتْ |
شُرُفَاتُهُ قِطَعَ السّحَابِ المُمطِرِ |
وَتَسيرُ دِجْلَةُ تَحْتَهُ، فَفِنَاؤهُ |
منْ لُجّةٍ غَمرٍ، وَرَوضٍ أخضَرِ |
شَجَرٌ تُلاعِبُهُ الرّيَاحُ، فتَنثَنِي |
أعْطَافُهُ في سَائِحٍ مُتَفَجّرِ |
فَاسْلَمْ أميرَ المُؤمِنينَ، مُسَرْبَلاً |
سِرْبَالَ مَنْصُورِ اليَدَينِ، مُظَفَّرِ |
وَأستَأنِفِ العُمْرَ الجَديدَ ببَهجَةِ |
القَصْرِ الجَديدِ، وَحُسنِهِ المُتَخَيَّرِ |
أعطَيتَهُ مَحضَ الهَوى، وَخَصَصْتَهُ |
بصَفَاءِ وِدٍّ منكَ، غَيرِ مُكَدَّرِ |
ألله أعطاكَ المَحَبّةَ في الوَرَى، |
وَحَبَاكَ بالفَضْلِ، الذي لم يُنْكَرِ |
وَاسْمٍ شَقَقْتُ لَهُ من اسمكَ فاكتَسى |
شَرَفَ العُلُوّ بهِ، وَفَضْلَ المَفخَرِ |
خَفَتَ الغُبَارُ، وَقد غلَوْتَ تُرِيدُهُ، |
وَسَرَى الغَمَامُ بِوَابِلٍ مثعنَجِّرِ |
وَتَحَلّتِ الدّنْيَا بأحسَنِ حَلْيِهَا، |
وغدَتْ بوَجْهٍ ضَاحِكٍ مُستَبشِرِ |
قَدْ جِئْتُهُ، فنَزَلتُ أيْمَنَ مَنزِلٍ، |
ورأيْتُهُ، فَرَأيتُ أحْسنَ مَنظَرِ |
فاعْمُرْهُ بالعُمْرِ الطّويلِ، وَنِعمَةٍ |
تَبقَى بَشَاشَتُهَا بَقَاءَ الأعْصُرِ |