| عَمَرْتَ أبا إسحاقَ ما صَلُحَ العُمْرُ، |
وَلاَ زَالَ، مَزْهُوّاً بأيّامكَ، الدّهْرُ |
| لَنا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَطائِكَ نَائِلٌ، |
وَعِنْدَكَ مِنْ تَقْرِيظِنَا أبَداً َشكرُ |
| وأنتَ نَدًى نَحيا بهِ، حيثُ لا ندَى، |
وَقَطْرٌ نُرَجّي جُودَهُ حيثُ لا قَطْرُ |
| على أنّني بَعدَ الرّضَا مُتَسَخِّطٌ، |
وَمُسْتَعتِبٌ من خُطّةٍ سَهلُها وَعْرُ |
| وَقَد أوْحَشَتْني رَدّةٌ لمْ أكُنْ لَهَا |
بأهلٍ، ولا عندي بتأوِيلِها خُبرُ |
| فَلِمْ جئتُ طَوْعَ الشّوْقِ من بَعد غايتي |
إلى غَيْرِ مُشتاقٍ، وَلِمْ رَدّني بِشْرُ |
| وَمَا بَالُهُ يأبَى دُخولي، وَقَد رَأى |
خُرُوجيَ مِنْ أبوَابِهِ، وَيَدي صِفرُ |
| وَقد أدرَكَ الأقْوَامُ عندكَ سُؤلَهُمْ، |
وَعَمَّهُمُ من سَيبِ إحسانكَ الكُثرُ |
| فكَيفَ تَرى المحمول كُرْهاً على الصّدى |
وَقد صَكّ رِجلَيهِ بأمواجِهِ البَحْرُ |
| تأتَّ لمَوْتُورٍ بَدا لَكَ ضِغْنُهُ، |
فإنّ الحِجَابَ عندَ ذي خَطَرٍ وِتْرُ |
| وَقد زَعَمُو أنْ لَيْسَ يَغتَصِبُ الفتى، |
على عَزْمِهِ، إلاّ الهَدِيّةُ والسّحْرُ |
| فإنْ كُنتَ يَوْماً لا مَحَالَةَ مُهْدِياً، |
فَفي المِهْرَجَانِ الوَقتُ إذ فاتَنا الفِطرُ |
| فإنْ تُهْدِ مِيخائِيلَ تُرْسِلْ بتُحْفَةٍ |
تُقَضّى لها العُتْبَى، وَيُغْتَفَرُ الوِزْرُ |
| غَرِيرٌ تَرَاءَاهُ العُيُونُ، كأنّما |
أضَاءَ لَهَا في عُقْبِ داجِيَةٍ فَجرُ |
| وَلَوْ يَبتَدي في بِضْعَ عَشرَةَ لَيلَةً |
منَ الشّهْرِ، ما شكّ امرُؤٌ أنّهُ البّدرُ |
| إذا انصَرَفَتْ يَوْماً بِعَطْفَيْهِ لَفْتَةٌ |
أوِ اعتَرَضَتْ منْ لحظِهِ نَظرَةٌ شَزْرُ |
| رأيتَ هَوَى قَلبٍ بَطيئاً نُزُوعُهُ، |
وَحَاجَةَ نَفْسٍ لَيسَ عَنْ مِثلِهَا صَبرُ |
| وَمِثْلُكَ أعْطَى مِثْلَهُ لمْ يَضِقْ بهِ |
ذِرَاعاً، ولم يُحرَجْ بهِ، أوْ لَهُ صَدرُ |
| عَلى أنّهُ قَدْ مَرّ عُمْرٌ لطيبِهِ، |
وَمِنْ أعظَمِ الآفاتِ في مِثلِهِ العُمرُ |
| غَدا تُفْسِدُ الأيّامُ مِنْهُ، وَلَمْ يكنْ |
بأوّلِ صَافي الحُسنِ غَيّرَهُ الدّهرُ |
| وَيُمْنَى بحضنيْ لِحْيَةٍ مُدْلَهِمّةٍ، |
لخَدّيهِ منها الوَيْلُ، إنْ ساقَها قَدْرُ |
| تَجَافْ لَنَا عَنْهُ، فإنّكَ واجِدٌ |
بهِ ثَمَناً، يُغليهِ في مدحكَ الشّعرُ |
| وَلاَ تَطلُبِ العِلاّتِ فيهِ، وَتَرْتَقي |
إلى حِيَلٍ فيها لمُعْتَذِرٍ عُذْرُ |
| فَقَدْ يَتَغابَى المَرْءُ في عِظْمِ مالِهِ، |
وَمن تحتِ بُرْدَيْهِ المُغيرَةُ أوْ عَمرُو |
| وَيَخْرُقُ بالتّبْذِيرِ، وَهْوَ مُجَرَّبٌ، |
فَلاَ يَتَمَارَى القَوْمُ في أنّهُ غَمْرُ |
| وَمَنْ لَمْ يَرَ الإيثَارَ لَمْ يَشْتَهِرْ لَهُ |
فَعَالٌ، وَلَمْ يَبْعَدْ بسُؤدَدِهِ ذِكْرُ |
| فإنْ قُلْتَ نَذْرٌ أوْ يَمِينٌ تَقَدّمَتْ، |
فأيّ جَوَاد حَلّ في مالِهِ نَذْرُ |
| أتَعْتَدُّهُ عِلْقاً كَرِيماً، فإنّما |
مَرَامُ كَرِيمِ القَوْمِ أنْ يُكرَم الذُّخْرُ |
| وإنْ كُنتَ تَهْوَاهُ وَتَقْلَى فِرَاقَهُ، |
فَقَدْ كانَ وَفْرٌ قَبْلَهُ، فمضَى وَفرُ |
| وألطَفُ منهُ في الفؤادِ مَحَلّةً |
ثَنَاءٌ، تُبقيهِ القَصَائِدُ، أوْ شُكْرُ |
| وَمَا قَدْرُهُ في جَنبِ جودِكَ إن غَدا |
بِرُمّتِهِ، أوْ رَاحَ نَائِلُكَ الغَمْرُ |