السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ترددت كثيرا قبل أضع هذا الموضوع الخاص بشخصية قرأت عنها كثيرا واحترت في الحكم عليها واحتار الكثير في تصنيفها ......
راسبوتين
هل كان معجزة حقيقية، أم نصاب بارع؟
محتال أم راهب؟
سواء كان فلاح غامض، أم شيطان في جسد إنسان، فما زال إرث راسبوتين الأسود للأسف موجودا حتى الآن.
على فراش الموت كتب للإمبراطورة يقول
بعد سنتين تماما لن يكون لك وجود
ولا زوجك أيضا وبعد 25 سنه لن يكون في روسيا نبيل واحد
أما أنا فسأموت يوم أول يناير 1917
وقد صدقت النبوءة
فبعد سنين قامت الثورة الروسية وسجن الإمبراطور وزوجته واعدموا ....
وبعد 25 عاما جاءت النازية لتقضي تماما على النبلاء والأمراء القدامى...
راسبوتين Rasputin
من هو راسبوتين
حين تنظر إلى عينيه الزرقاوتين كموجتين تشدانك للغوص فيهما ..
لا يسعك سوى الاستسلام لرغبتك في اكتشاف أعماقك المجهولة ..
كما لو أنه امتلك روحك و إرادتك.
هو ذاك المتعطش لمعرفة الحياة و طاقة الروح على الاستمرار ..
هو ذاك الذي تقوده حاسة مجهولة للتنبؤ بما سيحدث دون اللجوء لأية وسيلة سوى التواصل الروحي مع الله ..
هو ذاك المتشرد بين البقاع ناشراً كلمة الحق و مساعداً المرضى على الصبر والشفاء..
هو ذاك الرجل الذي يتهيأ للمؤمن بأنه روح سماوية خالدة ..
هو ذاك الرجل الذي حقق معجزات غريبة بإيمانه العميق الشديد..
هو المؤمن بأن رحمة الله واسعة و أن لكل عبد نصيبه منها في الحياة و في الآخرة
بالإضافة لكل هذه الصفات السامية التي جعلته محض اهتمام و احترامٍ من الكثيرين ..
إلا أنه كان إلى جانب ذلك رجلاً حراً.. رافضاً لكل القيود و المعطيات الاجتماعية..
معربداً حد الثمالة تارة.. و ناسكاً حد التصوف تارة أخرى ..
زنديقاً بعلاقاته النسائية الحميمة.. و معتكفاً عنهن في خلواته الروحانية المتعددة الطويلة ..
مستهتراً بحياته و هيئته المبالغ في إهمالها حيناً .. و عفيفاً في كل تصرفاته أحياناً أخرى.
كانت حياته حصيلة أشهرٍ متواصلة من البحث عن الحقيقة الكونية .. و سنوات من التصوف و نهل العلم و المعرفة الدينية و الروحية ..
تمكن من فرض نفسه كراهب متناسك .. و كقديس قادرٍ على شفاء المرضى و الحيوانات من أمراضهم وآلامهم..
كما و أنه تمكن من الحصول على مركز المرشد المساعد في قصر الإمبراطورية الروسية في العاصمة Saint-Pétersbourg..
كانت حياته أيضاً .. خمر و نساء وزندقة و تشرد بين قريته الصغيرة و المدن الروسية الكبرى .. و ذلك رغم حياته العائلية التي كان يتعامل معها بكل حب و حنان وقناعة.
في زمنه ..في روسيا .. و حتى يومنا هذا .. أطلقوا عليه ألقاباً لا تخلوا من المبالغة و الانحياز .. و ظلمه البعض في تعريفاتهم التي اعتمدت على التجارة الإعلامية والثقافية .. منتهزين بعض الغموض في شخصيته التي لم تكن مفهومة بعلمية و موضوعية .. و معتمدين أيضاً على قدراته التنبؤيّة التي كان يمتاز بها و التي قوبِلَت بالاتهامات العديدة و المتنوّعة حينها .. إضافة إلى إشعال نار الغيرة و الحسد من بعض المحيطين به .. و الذين تآمروا على اغتياله و كانوا السبب في موته الذي تنبأه و وصفه قبل حادث اغتياله بأشهرٍ قليلة في رسالة للإمبراطورة قائلاً :
" سأموت موتاً شنيعاً بعد عذاب شديد ..
و بعد موتي .. لن يكون لجسدي الراحة ..
و ستتوج ملكاً على روسيا يا Félix Youssoupoff
أنت وأبنك ستغتالون .. و كذلك كل العائلة الملكية
سيعبر روسيا بعد ذلك طوفان رهيب
و ستقع بين يدي الشيطان "
من بعض ألقابه : الشيطان المُقدّس .. صانع المعجزات .. الراهب الفاسق .. الماجن .. الساحر .. الداعر .. المشعوذ .. الفاجر
و ليس لقب راسبوتين الأكثر شهرة .. سوى امتداداً لهذه الألقاب المُبالغ بها .. و الذي يعني بلغة ذاك الزمن : الفاسق الداعر
طفولته .. شبابه .. زواجه
تقول أسطورة روسية .. أنه في يوم 23 من كانون الثاني من سنة 1871 .. اخترق شهب سماء قرية الفلاحين Pokrovskoïé في سيبيريا .. معلناً أنه سيولد في هذا العالم طفل متميز .. وستكون شخصيته فيما بعد خارقة للمألوف و المعروف .. و أن هذه الشخصية ستملك قدرات روحية غريبة و ستحظى بدعمٍ إلهي متميز لتكون في خدمة المحتاجين لرحمة الله و كرمه.
في نفس الليلة .. و في عائلة فلاحيه من تلك القرية .. يولد الطفل Grigori Efimovitch RASPOUTINE .. من أبوين في غاية البساطة و الفقر ..
كانت حياة والده Iefim Iakovlevitch و والدته Anna Vassilievna .. كبقية أهالي قريتهم .. مزيج من العمل الشاق و الهرب من واقعٍ مرير في حانات الفودكا والنسيان.
نشأ راسبوتين في جو تلك العائلة و تلك القرية الصغيرة المنسية من العالم .. حيث لا مدارس و لا كنائس و لا مصادر لأية ثقافة اجتماعية وروحية .. و لم يتعلم راسبوتين القراءة و الكتابة إلا في سن المراهقة حينما قرر شق طريقه بنفسه باحثاً عن العلم و المعرفة في أوساط دينية مخضرمة بعيداً عن مسقط رأسه.
تقول الحكايات عن طفولته .. أنه و أخيه البكر .. غرقا ذات يوم في بحيرة جليدية بجوار القرية .. و بعد صراع طويل مع مرض ترعرع في الرئتين .. كان الموت من نصيب أخيه .. بينما راسبوتين تغلب على هذا المرض بقدرة إلهية و معجزة .. وقد أثرت هذه الحادثة كثيراً على شخصية راسبوتين .. الذي عانى بسبب موت أخيه من حالات نفسية مثيرة للقلق و التساؤل و الغرابة .. و سريعاً ما لوحظ عنده تلك القدرات الخارقة في شخصيته و التي تجلت في تمكنه أولا من تحمل الآلام و السيطرة عليها بشكل غير مألوف .. و قدراته ثانياً على شفاء الحيوانات من الأمراض.
بعد موت أخيه .. أصبح راسبوتين المعين الوحيد لأبيه في أعماله الفلاحية .. و هذا ما أثر فيما بعد على شخصيته القاسية المظهر .. حيث كان أحياناً يحتفظ لمدة طويلة بنفس الملابس البالية القذرة .. و يستهتر بنظافته الجسدية و هيئته الإنسانية.
كان راسبوتين رجلاً متوسط القامة .. لكنه هائل القوة و الصلابة .. يحتفظ دائماً بشعره القذر الطويل المبعثر .. و لحيته الطويلة المتدلية على صدره ..
أما عينينه .. فكانتا بلون زرقة البحر وعمقه .. و تتميز نظراته بقدرة خارقة على الجذب و التنويم المغناطيسي الطبيعي.
في هذه المرحلة من حياة راسبوتين .. يولد لديه ذاك الاهتمام و العطش الغريب للحياة الروحية الصوفيّة .. و سيقوده ذلك في مرحلة شبابه إلى الالتحاق برهبان الحركة الدينية المعروفة حينها تحت اسم " staretz " .. و الذين كان الناس يلجؤون إليهم لفهم خفايا الحياة و القدرات الإلهية.
هذا الدخول في عالم الرهبان و الحياة الدينية .. لم يغير شيئاً عند راسبوتين في فيض تلك الطاقة الخفية الكامنة في داخله و المتعددة الوجوه .. كطاقته اللامحدودة على ممارسة الجنس مثلاً .. و قدرته على إشباعها في أي وقت كان.
في المرحلة الآولى من شبابه .. يتزوج راسبوتين في سن الـ 19 من عمره .. و يختار زوجته بكل رغبة و قناعة .. و بالرغم من تعداد حماقاته و مغامراته النسائية هنا و هناك .. إلا أنه كان يحب زوجته حباً صادقاً .. و يعود إليها مشتاقاً مهما طال غيابه.
يرزق راسبوتين و زوجته بطفلهما الأول Mikhail .. و لكن القدر يقرر امتحان إيمان راسبوتين بموت إبنه باكراً في شهره السادس من العمر ..
كان هذا الموت بالنسبة لراسبوتين .. صفعة قاسية من القدر .. أدت به إلى انهيار عصبي كبير .. رافقه حزن و ألم لم يتمكن من السيطرة عليهما دون اللجوء للناسك الشهير Makari .. والذي كان يعتبره أباه الروحي و يلجأ إليه كلما شعر بغربة روحه عن هذا العالم .. فاستقبله الناسك في مختلاه .. وواساه و خفف من حزنه و ألمه بنصائحه له في الاقتراب أكثر فأكثر من الله و طلب الرحمة و الشفاعة لديه.
بكل إيمان و ثقة في رحمة الله .. تابع راسبوتين علاج نفسه الحزينة بإتباع نصائح الناسك الشهير .. و كرس أوقاته و اهتماماته في التعبد و الصلاة .. و في التعمق بالروح البشرية و قدراتها العظيمة في مواجهة المحن و الآلام.
ذات يومٍ .. بينما كان راسبوتين يحرث الحقل .. تجلت له عذراء مشعة بالنور في نهاية خط المحراث ..
فقص راسبوتين هذه الرؤية على أبيه الروحي الناسك Makari .. الذي نصحه على الفور بالترحال و الطواف و الاختلاء لأشهر عديدة في جبل الرهبان المتصوفين في اليونان Mont Athos .. و الذي يبعد 3000 كيلو متر عن قريته الصغيرة.
و هنا .. يتبع راسبوتين نصيحة الناسك .. و بدافع تعطشه الدائم روحياً للمعرفة و العلم الديني .. قرر الرحيل و الالتحاق بهذا التجمع الصوفي.
فيترك زوجته الحامل بطفلهما الثاني في أشهرها الأولى .. و يرحل باحثاً عن الله و عن ذاته في خلوة امتدت لأشهر عديدة.
حياته التصوفية و ترحالاته الدينية
بعد أن ترك راسبوتين زوجته وحيدة في شهورها الأولى من الحمل .. تبدأ رحلته الطويلة في البحث عن الله.
و أثناء ترحاله .. يلتقي صدفة بالحركة الدينية "Khlysty" .. و التي تجمع بين الإثارة الجنسية .. و النشوة .. و الدين .. و بطبيعته الفطرية من هذا الجانب .. يجد انسجاماً قوياً مع هذه الحركة الدينية.
بدءاً من هذا اللقاء .. مارس راسبوتين أولى قدراته الخارقة في شفاء المرضى من الأمراض .. معتمداً بذلك على علاقته القوية بالله و صلواته المستمرة بكل خشوع و إيمان .. مما أدي هذا فيما بعد .. إلى انتشار سمعته في مختلف المناطق .. و دفع الكثيرين للجوء إليه لمعالجة أنفسهم أو أفراد عائلتهم من أمراض نفسية و جسدية .. و لكنه كان يردد لهم باستمرار :
" لست ذاك الذي يشفي من الأمراض .. بل هو الله القادر على كل شيء "
استمرت خلوته هذه و ترحاله الروحي .. لمدة 10 أشهر .. و لكن اختلاطه و تواصله مع الحركة الدينية "Khlysty" أخابت ظنة مما رآه من مماراساتها الشعوذية..... .. فقرر الابتعاد عنهم ومتابعة بحثه عن الله في اتجاهات أخرى.
في أثناء تجواله .. توقف في العديد من المعابد .. وتعرف على شتى الحركات الدينية و الصوفية .. وقرر العودة إلى قريته بعد غياب طال ما يقارب السنتين .. و يعود ليلقى زوجته و ابنهما الثاني Dimitri .. الذي ولد في عام 1895.
و من الملاحظ عليه .. أنه تغير بشكل لافت للنظر و الانتباه .. فلم يعد يشرب و يسكر .. و لم يعد يعربد مع النساء .. وأصبح منظره ولباسه يتسمان بالوقار والنظافة و العناية .. إضافة إلى سلوكه المتميز كزوجٍ صالحٍ و أب دائم الحضور وغزير العاطفة و الحنان.
انطلاقاً من هذه المرحلة .. أنتشرت سمعته في كل أرجاء المنطقة .. كـ شافٍ للأمراض و قادر على إزالة الألم من كل مرض أو داء .. و وصلت هذه السمعة إلى أرجاء مدينتي "Kiev"، " Kazan ".. حيث يسيطر رجال الدين الأرثوذكس .. و الذين رغم غيرتهم منه و حسدهم مما يحققه من معجزات في التنبؤات و المعالجات من الأمراض .. لم يجدوا ما يتهمونه به لتشويه سمعته و إبعاد الناس عنه .. لدرجة أن الأب الراهب الأكثر هيبة و احتراماً في روسيا في هذه الفترة Ivan de Cronstadt .. قال عن راسبوتين :
" هذا الرجل لا شك أن في داخله روح إلهية عظيمة ".
نتيجة لهذه السمعة التي تجاوزت كل الحدود .. يتم لقاء بينه و بين الإمبراطورة الكبيرة Militza في مدينة Kiev .. و ذلك خلال إحدى تنقلاته لشفاء بعض المرضى هناك .. و تقوم الإمبراطورة بدعوته إلى قصر الإمبراطورية الروسية في العاصمة Saint-Pétersbourg.
و من هناك كانت أول المنعطفات المؤثرة على حياة راسبوتين الذي رحب بالدعوة و قرر الرحيل من جديد عن قريته و أسرته الصغيرة.
تأثيره الكبير في قصر الإمبراطورية الروسية في العاصمة Saint-Pétersbourg.
كان لابد من هذا اللقاء التاريخي الحازم بين راسبوتين و الإمبراطورة Militza و الذي دفع براسبوتين للابتعاد مرة أخرى عن قريته و أسرته التي بدأت تكبر بابنتين جديدتين ابنته Maria في عام 1898 و ابنته الثانية Varya في عام 1900.
في طريقه للعاصمة الروسية Saint-Pétersbourgيتوقف راسبوتين في مناطق عديدة ليشارك سكانها حياتهم و همومهم مستخدماً كلما دعت الحاجة لطاقاته و قدراته الغريبة في شفاء المرضى و المصابين بآلام ميئوس منها و من بين تلك الأحداث توقفه في مدينة Sarov حيث يحتفلون بمناسبة إعلان قداسة الراهب Séraphim.
أمام الحشد المتجمع للاحتفال بهذه المناسبة الاستثنائية يدخل راسبوتين في حالة تواصل روحية و يتنبأ بولادة ولي العرش في العائلة الإمبراطورية الروسية والتي كانت تتشكل حينها من الإمبراطور Nicolas II و الإمبراطورة Alexandra FEDOROVNA و ابنتيهما الصغيرتين فقط ..
في يوم 12 من أغسطس سنة 1904 ولد في العائلة الإمبراطورية الطفل Alexis الذي تنبأ بقدومه راسبوتين كولي للعرش الإمبراطوري الروسي ولكنه كان مصاباً بمرض خطير في الدم ويعاني من نوبات حادة من الألم والغيبوبة حيث كان دمه لا يتخثر إذا ما جرِح أو أصيب ببعض الرضات في جسمه مما يؤدي إلى نزيف مستمر واضعاً حياته بين الموت و الحياة.
يصل راسبوتين أخيراً للعاصمة Saint-Pétersbourg ويلتقي بالممثل الديني و الروحي الأكثر شهرة في ذاك الوقت و الذي يعتبر أن راسبوتين مرسل من الله لتأدية واجب إنساني و نشر رسالة روحية.
بعد هذا اللقاء و المرور السريع في العاصمة الروسية يعود راسبوتين إلى قريته و إلى حياة ماجنة مليئة بالتناقضات الاجتماعية فبعد أن كان قد غير في أسلوبه و لباسه و ممارساته الشخصية وذلك بتوقفه عن الفسق و العربدة و النساء و التشرد كمتسول لا يبالي بشيء عاد فجأة إلى هذا النمط المرفوض اجتماعياً و المثير للجدل بين من يعتبرونه راهباً مقدساً و بين من يرون فيه شيطاناً ساحراً فاسقاً و معربداً.
بواسطة وتوصية من الدوقة الكبيرة Militza يتم أخيرا قبول استقبال راسبوتين في العائلة الإمبراطورية كراهب ذو سمعة تجاوزت حدود روسيا نتيجة لقدراته على الشفاء من الأمراض وطاقته الروحية العالية في التنبؤات التي أثبتت قيمتها و صحتها مرات عديدة فتتم دعوته من قبل الدوقة إلى Saint-Pétersbourg لتقديمه للعائلة الإمبراطورية في نوفمبر من عام 1905 حيث لا يتأخرعن قبول هذه الدعوة و السفر من جديد إلى العاصمة الروسية و حال لقائه مع أفراد العائلة الحاكمة يقدم لكل فرد منهم أيقونة ذات قيمة عالية رمزاً لوفائه و امتنانه لهذا اللقاء التاريخي.
تتوالى بعد ذلك زيارات راسبوتين للعاصمة Saint-Pétersbourg و العائلة الإمبراطورية .. خاصة في عام 1906حيث يدعى مراراً لاحتفالات و مناسبات معظمها تنظمها نساء وقعن تحت تأثير فتنة و إغراء راسبوتين المغناطيسية.
في سنة 1907 يتعرض ولي العرش Alexis لنزيف داخلي نتيجة لرضة قوية أدت إلى ورمٍ كبير في العظم و قد عجز الأطباء و الرهبان و كل رجال الدين عن معالجة هذه النكسة التي تهدد مصير ولي العرش الروسي.
يائسة من هذا الوضع تقرر الإمبراطورة Alexandra اللجوء لراسبوتين لإنقاذ ابنها من الموت المنتظر فترسل بعض حاشيتها للبحث عنه في العاصمة ليجدونه في إحدى الحانات مشبعاً بالخمر حتى الثمالة لكن خبر حالة ولي العرش المتدهورة تعيده لنفسه و قواه الروحية فيتوجه إلى قصر الإمبراطورية و يبدأ بصلاة عميقة خاشعة لمدة 10 دقائق على رأس الطفل المريض و في نهاية صلاته يعود إلى طبيعته و يخاطب الطفل الغائب عن الوعي قائلاً :
" افتح عينيك يا ولدي ".
و كم كانت دهشة الحاضرين حين فتح ولي العهد Alexis عينيه مبتسماً و الراحة تعلو ملامحه الصغيرة و بدأت حالته بالتحسن مباشرة حتى توقف النزيف و تلاشي الألم.
إنه لمن المنطق و البديهي أن راسبوتين لم يشفي طبياً ولي العهد Alexis من المرض ، لكن قدرته على التنويم المغناطيسي أوقفت النزف و خففت الألم حيث من المعروف اليوم أن التنويم المغناطيسي يؤثر على سرعة جريان الدم نحو القلب و يساهم في عودة الجسد للعمل بشكله الطبيعي.
اعتباراً من هذا اليوم و هذه المعجزة التي لم يجد لها أحد تفسيراً منطقياً حينها أصبح يحق لراسبوتين الدخول للقصر متى شاء و كيفما شاء و تستقبله العائلة الإمبراطورية كفرد من أفرادها هذا بالإضافة إلى احترام الجميع له و الثقة الكبيرة التي يتمتع بها بين مختلف الطبقات الاجتماعية و الدينية و السياسية في العاصمة و يزيد إيمان الناس به ابتعاده عن الاهتمام بالثروة المادية التي لو أرادها فعلا لكان من أغنى طبقات هذا المجتمع.
و مع ذلك ورغم إيمان و ثقة الناس به راسبوتين لا يتخلى عن حياته الماجنة من وقت لآخر حيث يمارس حياته الشخصية بكل وضوح و صراحة كمعربد فاسق و مثيرٍ للنساء اللواتي ترتمين بين يديه طواعية للحصول على بركاته والاستفادة من قدراته الخارقة للطبيعة من شتى النواحي.
بين 1910-1911 و نتيجة لعلاقة راسبوتين بالعائلة الإمبراطورية و تقربه الواضح جدا من الإمبراطورة Alexandra .تظهر ضده بعض الشخصيات الحاسدة و الغيورة من تأثيره القوي على سياسة و قرارات العائلة الإمبراطورية من بين هؤلاء .الوزير Stolypine الذي يتآمر مع بعض شخصيات سياسية أخرى على اغتيال راسبوتين لكن راسبوتين وخلال إحدى جلساته الروحية يتنبأ بموت الوزيرStolypine مقتولاً ..
و لم تنته سنة 1911 إلا وشاع خبر اغتيال الوزير Stolypine .
في سنة 1912 و بعد طواف ديني في الأرض المقدسة و زيارات متعددة لبعض المعابد والكهنة يعود راسبوتين لقريته الصغير و أسرته المنتظرة.وبعد عودته بأيام يشعر و بشكل مفاجيء بصدمة داخلية و يصرخ متألماً :
" وليّ العهد Alexis أصيب بنوبة و هو في خطر" ..
في اليوم التالي تأتيه رسالة عاجلة من الإمبراطورة Alexandra معلنة فيها عن عودة النزيف الداخلي و الغيبوبة عند Alexis و تتوسل إليه بخوف للإسراع في إنقاذ ابنها من الموت.
حال انتهاء راسبوتين من قراءة الرسالة يتوجه لإيقونة العذراء المقدسة متضرعا إليها بصلواته العميقة للطف بحالة الصغير Alexis و رحمته من هذا العذاب و المرض راجيا له منها الشفاء السريع و الراحة التامة ثم يرسل هذه الأيقونة المقدسة للإمبراطورة Alexandra مطمئنها بقوله :
" لا تخافي .. إن الله قد رأى دموعك .. و سمع صلواتك .. فلا تجزعي ..إبنك سيحيا "!!!
حال استلام الإمبراطورة لهذه الأيقونة و الرسالة الموجهة من راسبوتين بدأت حالة Alexis تتحسن وأعلن الأطباء أخيراً ابتعاد خطر الموت عنه.
و للمرة الثانية تأكد لدى الجميع و حتى المعارضين لراسبوتين أنه حقق هنا معجزة خارقة لا شك فيها.
علاقته بالسلطة
ولم يمضي وقت طويل منذ أثبت راسبوتين قوته الخارقة لشفاء Alexis ، حتى أصبح المستشار الشخصي للإمبراطورة Alexandra المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
وبذيوع شهرة راسبوتين، نجح في جذب المزيد من الأنصار من جميع الطوائف الاجتماعية. وقد تطوع هؤلاء " البلهاء" كما كان يطلق عليهم "لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم" مع رجل بدوا عاجزين أمام جاذبيته.
بزغ نجم الراهب راسبوتين في سان بطرسبرغ، وبالمثل زاد عدد أعدائه. إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط يحيا حياة السكر والعربدة، وغالبا ما يكون بصحبة العاهرات. وحين علم مسئولون سياسيون كبار بهذه الشائعات، كلفوا شرطة سرية بتعقبه.
وكان اثنين من أنصار راسبوتين السابقين هما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموجان أسقف ساراتوف، على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيدا للشيطان. وفي عام 1911 استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيام بمعجزاته وضرباه بصليب.
وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولا قتله، ومن ثم تم نفي الرجلين. وفي السابع والعشرين من يونيو عام 1914 عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا. وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينما كان في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف، تدعى شيونيا جاسيا ، بوحشية مستخدمة سكينا، دفعها ليودور لقتل راسبوتين.
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفى من الطعنات التي أوصى بها ليودور، كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحرب العالمية الأولى، التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسي أرواحهم. وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر، استطاع راسبوتين اكتساب المزيد والمزيد من القوى السياسية، وساهم في تعيين وطرد الوزراء. وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية، زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانت منها البلاد، حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم " مدينة إبليس".
رسالته الأخيرة
وفي ديسمبر عام 1916 كتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله. وعن قتلته المحتملين، كتب يقول" إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي من أولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي.. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صلي أرجوك، صلي، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة".