السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يذخر التاريخ بقضايا كثيرة ومحاكمات عده لشخصيات ، نالت من الشهرة نصيبها ، ولكنها تعرضت للوقوع في قضايا والمثول أمام المحكمة والحكم عليها ....
وسوف أقوم في هذه الصفحات بعرض أشهر القضايا والمحاكمات في التاريخ القديم والمعاصر علي حلقات منفصلة ، وهي منقولة من بعض مواقع البحث علي الشبكة ومن كتاب أشهر المحاكمات في التاريخ .....
ولنبدأ بأشهر القضايا في التاريخ المصري ....
( ريا وسكينة )
البداية
في منتصف شهر يناير 1920 تقدمت السيدة زينب حسن وعمرها يقترب من الأربعين عاما ببلاغ إلي حكمدار بوليس الإسكندرية عن اختفاء ابنتها نظله أبو الليل البالغة من العمر 25 عاما ، كان هذا هو البلاغ الأول الذي بدأت معه مذبحه النساء تدخل إلي الأماكن الرسمية.وتلقي بالمسؤولية علي أجهزة الأمن..
قالت صاحبه البلاغ إن ابنتها نظله اختفت من عشرة أيام بعد إن زارتها سيدة تاركه (غسيلها) منشورا فوق السطح ،تاركه شقتها دون أن ينقص منها شيء ، وعن أوصاف الابنة التي اختفت قالت الأم أنها نحيفة الجسد ، متوسطه الطول ، سمراء البشرة ، تتزين بغوايش ذهب في يدها وخلخال فضه وخاتم وحلق ذهب ...
وانتهي بلاغ الأم بأنها تخشي أن تكون ابنتها قد قتلت بفعل فاعل لسرقة الذهب الذي تتحلي به ..
وفي 16 مارس كان البلاغ الثاني الذي تلقاه رئيس نيابة الإسكندرية الأهلية من محمود مرسي عن اختفاء أخته زنوبه حرم حسن محمد زيدان.
الغريب والمدهش أن صاحب البلاغ وهو يروي قصه اختفاء أخته ذكر اسم ريا وسكينه ..ولكن الشكوك لم تتجه إليهما ، وقد أكد محمود مرسي أن أخته زنوبه خرجت لشراء لوازم البيت فتقابلت مع سكينه وأختها ريا وذهبت معهما إلي بيتهما ولم تعد أخته مرة أخري ...
وقبل أن تتنبه أجهزة الأمن إلي خطورة ما يجري أو تفيق من دهشتها أمام البلاغين السابقين يتلقي وكيل نيابة المحاكم الأهلية بلاغا من فتاة عمرها خمسه عشرة عاما اسمها (أم إبراهيم) عن اختفاء أمها زنوبه عليوة وهي بائعة طيور عمرها36 عاما ..
ومرة أخري تحدد صاحبه البلاغ اسم سكينه باعتبارها أخر من تقابل مع والدتها زنوبه ..
في نفس الوقت يتلقي محافظ الإسكندرية بلاغا هو الأخر من حسن الشناوي ،يبلغ أن زوجته نبوية علي اختفت من عشرين يوما....
ينفلت الأمر وتصبحه الحكايات علي كل لسان ، وتموج الإسكندرية وغيرها من المدن بفزع ورعب غير مسبوقين ، فالبلاغات لم تتوقف والجناة المجهولون مازالوا يخطفن النساء ...
بلاغ آخر يتلقاه محافظ الإسكندرية من نجار اسمه محمد احمد رمضان عن اختفاء زوجته فاطمة عبد ربه وعمرها50 عاما وتعمل (شيخه مخدمين) ويقول زوج فاطمة ، إنها خرجت ومعها 54 جنيها وتتزين ب18غويشه وزوج (مباريم( وحلق وكلها من الذهب الخالص ، ويعط الرجل أوصاف زوجته فهي ، قمحية اللون ، طويلة القامة ، فقدت البصر بعينها اليمني ولهذا ينادونها بفاطمة العوراء ، كما انها ترتدي (ملاءة كوريشه) سوداء وجلباب كحلي وفي قدميها تلبس صندل ...
ثم كان بلاغ عن اختفاء فتاة عمرها 13عاما اسمها قنوع عبد الموجود ، و بلاغ أخر من تاجر سوري الجنسية اسمه الخواجة وديع جرجس عن اختفاء فتاة عمرها 12 عاما اسمها لولو مرصعي ، تعمل خادمه له خرجت لشراء أشياء من السوق ولم تعد ..
البلاغات لا تتوقف والخوف يسيطر علي كل البيوت وحكاية عصابة خطف النساء فوق كل لسان ...
بلاغ أخر عن اختفاء سليمة إبراهيم الفقي بائعه الكيروسين التي تسكن بمفردها في حارة اللبان ، ثم بلاغ آخر يتلقاه اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم بوليس اللبان من السيدة خديجة حرم احمد علي الموظف بمخازن طنطا، قالت صاحبه البلاغ وهي سودانية الجنسية أن ابنتها فردوس اختفت فجأة وكانت تتزين بمصاغ ثمنه 60 جنيها وزوج أساور ثمنه 35 جنيها وحلق قشرة وقلب ذهب معلق بسلسلة ذهب وخاتمين حريمي بثلاثة جنيهات ...
هذه المرة يستدعي اليوزباشي إبراهيم حمدي كل من له علاقة بقصه اختفاء فردوس وينجح في تتبع رحله خروجها من منزلها حتى لحظه اختفائها وكانت المفاجئة أن يقفز اسم سكينه من جديد لتكون أخر من شوهدت مع فردوس ....
ويتم استدعاء سكينه ولم تكن المرة الأولي التي تدخل فيها سكينه قسم البوليس لسؤالها في حادث اختفاء احدي السيدات ومع هذا تخرج سكينه من القسم وقد نجحت ببراعة في إبعاد كل الشبهات عنها وإبطال كل الدلائل ضدها ...
عجزت أجهزة الأمن أمام كل هذه البلاغات وكان لابد من تدخل عدالة السماء لتنقذ الناس من دوامه الفزع لتقتص للضحايا وتكشف الجناة وهنا تتوالي المفاجآت من جديد حينما تحكم عدالة السماء قبضتها و تنسج قصة الصدفة التي ستكشف عن أكبر مذبحه للنساء في تاريخ الجريمة في مصر...
بداية اكتشاف الجريمة
كانت البداية صباح 11 ديسمبر 1920حينما تلقى اليوزباشي إبراهيم حمدي ، إشارة تليفونيه من عسكري الدورية بشارع أبي الدرداء ، بالعثور علي جثه امرأة بالطريق العام وتؤكد الإشارة وجود بقايا عظام وشعر رأس طويل بعظام الجمجمة ، وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها ، وبجوار الجثة طرحه من الشاش الأسود وفرده شراب سوداء مقلمه بأبيض ، ولا يمكن معرفه صاحبه الجثة ...
ينتقل ضباط البوليس إلي الشارع وهناك يؤكد زبال المنطقة انه عثر علي الجثة تحت طشت غسيل قديم ، وأمام حيره ضابط البوليس لعدم معرفه صاحبه الجثة ، وان كانت من الغائبات أم لا يتقدم رجل ضعيف البصر اسمه احمد مرسي عبده ببلاغ إلي الكونستابل الإنجليزي جون فيليبس النوبتجي بقسم اللبان ،
يقول الرجل في بلاغه انه أثناء قيامه بالحفر داخل حجرته لإدخال المياه والقيام ببعض أعمال السباكة ، فوجئ بالعثور علي عظام أدميه فأكمل الحفر حتى عثر علي بقيه الجثة ، التي دفعته للإبلاغ عنها فورا ، يتحمس ملازم شاب بقسم اللبان أمام البلاغ المثير فيسرع بنفسه إلي بيت الرجل الذي لم يكن يبعد عن القسم أكثر من 50 مترا ، يري الملازم الشاب الجثة بعينيه فيتحمس أكثر للتحقيق والبحث في القضية المثيرة . ويكتشف في النهاية انه أمام مفاجأة جديدة ....
فقد أكدت تحريات الملازم الشاب أن البيت الذي عثر فيها الرجل علي جثه آدميه ، كان يستأجره رجل اسمه محمد احمد السمني وكان هذا السمني يؤجر حجرات البيت من الباطن لحسابه الخاص ، ومن بين هؤلاء الذين استأجروا من الباطن في الفترة الماضية سكينه بنت علي وصالح سليمان ومحمد شكيره ، وان سكينه بالذات هي التي استأجرت الحجرة التي عثر فيها الرجل علي الجثة تحت البلاط ، وأكدت تحريات الضابط المتحمس جدا أن سكينه استأجرت من الباطن هذه الحجرة ثم تركتها مرغمه بعد أن طرد صاحب البيت بحكم قضائي المستأجر الأصلي لهذه الغرف ، وبالتالي يشمل حكم الطرد المستأجرين منه من الباطن وعلي رأسهم سكينه ، وقال الشهود من الجيران إن سكينه حاولت العودة إلي استئجار الغرفة بكل الطرق والإغراءات ، لكن صاحب البيت ركب رأسه وأعلن إن عودة سكينه إلي الغرفة لن تكون إلا علي جثته ، والمؤكد إن صاحب البيت كان محقا فقد ضاق كل الجيران بسلوك سكينه والنساء الخليعات اللاتي يترددن عليها مع بعض الرجال البلطجيه ....
أخيرا وضع الملازم الشاب يده علي أول خيط لقد ظهرت جثتان احدهما في الطريق العام وواضح إنها لامرأة والثانية في غرفه كانت تستأجرها سكينه ، وواضح أيضا إنها جثه امرأة لوجود شعر طويل علي عظام الجمجمة كما هو ثابت من المعاينة ، وبينما الضابط لا يصدق نفسه بعد أن اتجهت أصابع الاتهام لأول مرة نحو سكينه ، كانت عدالة السماء مازالت توزع هداياها علي أجهزة الأمن ، فيتوالي ظهور الجثث المجهولة
استطاعت ريا أن تخدع سكينه وتورطها ، واستطاعت سكينه أن تخدع الشرطة وتورط معها بعض الرجال ، لكن الدنيا لم تكن يوما علي مزاج ريا أو علي كيف سكينه ، ومهما بلغت مهارة الإنسان في الشر فلن يكون أبدا اقوي من الزمن ، وهكذا كان لابد أن تصطدم ريا وسكينه بصخرة من صخور الزمن المحفور عليها القدر والمكتوب
أدلة الاتهام
بعد أن ظهرت الجثتان المجهولتان ، لاحظ احد المخبرين السريين المنتشرين في كل إنحاء الإسكندرية ، بحثا عن أيه أخبار تخص عصابة خطف النساء واسمه احمد البرقي ، انبعاث رائحة بخور مكثفه من غرفه ريا بالدور الأرضي بمنزل خديجة أم حسب بشارع علي بك الكبير ، وأكد المخبر أن دخان البخور كان ينطلق من نافذة الحجرة بشكل مريب ، مما أثار شكوكه فقرر أن يدخل الحجرة التي يعلم تمام العلم إن صاحبتها هي ريا أخت سكينه ،
إلا انه كما يؤكد المخبر في بلاغه أصابها ارتباك شديد حينما سألها المخبر عن سر إشعال هذه الكميه الهائلة من البخور في حجرتها ، وعندما أصر المخبر علي أن يسمع أجابه من ريا ،أخبرته إنها كانت تترك الحجرة وبداخلها بعض الرجال اللذين يزرونها وبصحبتهم عدد من النساء ، وإنها عادت ووجدتهم قد انصرفوا ورائحة الحجرة لا تطاق ، إجابة ريا أشعلت الشك الكبير في صدر المخبر السري احمد البرقي ، الذي لعب دورا كبيرا فاق دور بعض اللواءات الذين تسابقوا فيما بعد للحصول علي الشهرة بعد القبض علي ريا وسكينه ، بينما تواري اسم المخبر السري احمد البرقي .
أسرع المخبر احمد البرقي إلي اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم اللبان ، ليبلغه في شكوكه في ريا وغرفتها ، وعلي الفور تنتقل قوة من ضباط الشرطة والمخبرين إلي الغرفة ليجدوا أنفسهم أمام مفاجأة جديدة ، لقد شاهد الضابط رئيس القوة صندره من الخشب تستخدم للتخزين داخلها والنوم فوقها ، ويأمر الضابط بإخلاء الحجرة ونزع الصندره ، فيكتشف الضابط من جديد إن البلاط الموجود فوق أرضية الحجرة وتحت الصندره حديث التركيب ، بخلاف باقي بلاط الحجرة ...
يصدر الأمر بنزع البلاط وكلما نزع المخبرون بلاطه تصاعدت رائحة العفونة بشكل لا يحتمله إنسان، تحامل اليوزباشي إبراهيم حمدي حتى تم نزع اكبر كميه من البلاط ، فظهرت جثة امرأة ..
وهنا تصاب ريا بالهلع ويزداد ارتباكها ، بينما يأمر الضابط باستكمال الحفر والتحفظ علي الجثة حتى يحرر محضرا بالواقعة في القسم ، ويصطحب ريا معه إلي قسم اللبان لكنه لا يكاد يصل إلي بوابة القسم حتى يتم إخطاره بالعثور علي الجثة الثانية ، بل تعثر القوة الموجودة بحجرة ريا علي دليل دامغ وحاسم هو ختم حسب الله المربوط في حبل دائري ، ويبدو إن حسب الله كان يعلقه في رقبته وسقط منه وهو يدفن احدي الجثث ، لم تعد ريا قادرة علي الإنكار خاصة بعد وصول بلاغ جديد إلي الضابط من رجاله بالعثور علي جثه ثالثه ....
الاعترافات
وهنا تضطر ريا إلي الاعتراف بأنها لم تشترك في القتل ، ولكن هناك رجلين كانت تترك لهما الغرفة فيأتيان فيها بالنساء ، وربما ارتكب جرائم قتل في الحجرة أثناء غيابها ، هكذا قالت ريا في البداية وحددت الرجلين بأنهما (عرابي واحمد الجدر) وحينما سألها الضابط عن علاقتها بهما قالت إنها عرفت عرابي من ثلاث سنوات لأنه صديق شقيقها ، وتعرفت علي احمد الجدر من خلال عرابي ، وقالت ريا إن زوجها يكره هذين الرجلين لأنه يشك في إن احدهما يحبها ..
بدأت القضية تتضح معالمها والخيوط بدأت تنفك عن بعضها ليقترب اللغز من الانهيار ، تـأمر النيابة بالقبض علي كل من ورد اسمه في البلاغات الأخيرة ، خاصة بعد أن توصلت أجهزة الأمن لمعرفه أسماء صاحبات الجثث التي تم العثور عليها في منزل ريا، كانت الجثث للمجني عليهن فردوس وزنوبه بنت عليوة وأمينه...
بعد القبض علي جميع المتهمين تظهر مفاجأة جديدة علي يد الصول محمد الشحات هذه المرة ، جاء الصول العجوز بتحريات تؤكد إن ريا كانت تستأجر حجرة أخري بحارة النجاة من شارع سيدي اسكندر ، تنتقل قوة البوليس بسرعة إلي العنوان الجديد وتأمر السكان الجدد بإخلاء حجرتين ، تأكد الضباط أن سكينه استأجرت إحداهما في فترة، وأن ريا احتفظت بالأخرى..
كان في حجرة سكينه صندره خشبية تشبه نفس الصندره التي كانت في غرفه ريا، تتم نفس إجراءات نزع الصندره والحفر تحت البلاط ويبدأ ظهور الجثث من جديد....
وهنا اتضحت الصورة تماما جثث في جميع الغرف التي كانت تستأجرها ريا وسكينه في المنازل رقم 5 ش ماكوريس و38 ش علي بك الكبير و8 حارة النجاة و6 حارة النجاة ، ولأول مرة يصدر الأمر بتشميع منزل سكينه بعد هذا التفتيش .
تتشجع أجهزة الأمن وتنفتح شهيتها لجمع المزيد من الأدلة حتى لا يفلت زمام القضية من يدي العدالة ، وينطلق الضباط إلي بيوت جميع المتهمين المقبوض عليهم ،ويعثر الملازم احمد عبدا لله من قوة المباحث علي مصوغات وصور وكمبيالة بمائه وعشرين جنيها في بيت المتهم عرابي حسان ، كما يعثر نفس الضابط علي أوراق واحراز أخري في بيت احمد الجدر ،وفي هذا الوقت لم يكن حماس الملازم الشاب عبدا لغفار قد فتر ، لقد تابع الحفر في حجرة ريا حتى تم العثور علي جثة جديدة لإحدي النساء بعدها تطير معلومة إلي مأمور قسم اللبان محمد كمال ، بأن ريا كانت تسكن في بيت آخر بكرموز ... ويؤكد شيخ الحارة هذه المعلومة ويقول إن ريا تركت هذا السكن بحجه إن المنطقة سيئة السمعة !!!
قامت قوة من البوليس باصطحاب ريا من السجن إلي بيتها في كرموز ويتم الحفر هناك فيعثر الضباط هناك علي جثه امرأة جديدة!!!
كانت الأدلة تتوالي وان كان أقواها جلباب نبوية الذي تم العثور عليه في بيت سكينه ، وأكدت بعض النسوة من صديقات نبوية إن الجلباب يخصها ، ولقد اعترفت سكينه بأنه جلباب نبوية ولكنها قالت إن العرف السائد بين النساء في الحي هو أن يتبادلن الجلاليب ، وإنها أعطت نبوية جلبابا وأخذت منها هذا الجلباب الذي عثرت عليه المباحث في بيت سكينه ...
نجحت سكينه كثيرا في مراوغه المباحث لكن ريا اختصرت الطريق وأثرت الاعتراف مبكرا.
قالت ريا في بداية اعترافها إنها امرأة ساذجة وان الرجال كانوا يأتون إلي حجرتها بالنساء أثناء غيابها ،ثم يقتلون النساء قبل حضورها وإنها لم تحضر سوي عمليه قتل واحدة ، وانفردت النيابة بأكبر شاهدة إثبات في القضية بديعة ابنة ريا التي طلبت الحصول علي الأمان قبل الاعترافات ، كي لا تنتقم منها خالتها سكينه وزوجها ، وبالفعل طمأنوها فاعترفت بوقائع استدراج النساء إلي بيت خالتها وقيام الرجال بذبحهن ودفنهن ، ورغم الاعترافات الكاملة لبديعة إلا إنها حاولت أن تخفف من دور أمها ريا ولو علي حساب خالتها سكينه ...
بينما كانت سكينه حينما تعترف بشكل نهائي تخفف من دور زوجها ثم تعلن أمام وكيل النيابة أنها غارقة في حبه ، وتطلب أن يعذروها بعد أن علمت سكينه إن ريا اعترفت في مواجهة بينهما أمام النيابة ، قالت سكينه إن ريا هي أختها الكبيرة وتعلم أكثر منها بشؤون الحياة وإنها ستعترف مثلها بكل شيء..
وجاءت اعترافات سكينه كالقنبلة المدوية ، قالت في اعترافاتها لما أختي ريا عزلت للبيت المشؤم في شارع علي بك الكبير، وأنا عزلت في شارع ماكوريس ، جاءتني ريا تزورني في يوم كانت رجلي فيه متورمه ، وطلبت ريا أن اذهب معها إلي بيتها اعتذرت لعدم قدرتي علي المشي لكن ريا شجعتني لغاية ما قمت معها.. وإحنا ماشيين لقيتها بتكحيلي عن جارتنا هانم اللي اشترت كام حته ذهب قلت لها (وماله دي غلبانه) قالت لي (لا..لازم نزعلوها أم دم تقيل دي) ولما وصلنا بيت ريا لقيت هناك زوجي عبدا لعال وحسب الله زوج ريا وعرابي وعبد الرازق ، الغرفة كانت مظلمة وكنت هصرخ لما شفت جثة هانم وهي ميته وعينيها مفتوحة تحت الدكه ، الرجالة كانوا بيحفروا تحت الصندره ولما شعروا إني خايفه قالوا لي إحنا أربعه وبره في ثمانية ، وإذا أتكلمت هيعملوا فيا زى هانم !!!
كنت خايفة قوي لكني قلت لنفسي وأنا مالي طالما الحاجة دي محصلتش في بيتي ، وبعد ما دفنوا الجثة أعطوني ثلاثة جنيهات رحت عالجت بيهم رجلي ودفعت أجرة الحلاق اللي فتحلي الخراج ، وأنا راجعه قلت لنفسي أنهم كده معايا علشان ابقي شريكه لهم ويضمنوا إني مفتحش بقي ، وتروي سكينه في باقي اعترافاتها قصه قتل 17 سيدة وفتاة لكنها تؤكد إن أختها ريا هي التي ورطتها في المرة الأولي مقابل ثلاثة جنيهات ، وبعد ذلك كانت تحصل علي نصيبها من كل جريمة دون أن تملك الاعتراض خوفا من أن يقتلها عبدا لعال ورجاله! !!!
وتتوالي اعترافات المتهمين عبد العال الشاب الذي بدا حياته في ظروف لا دخل لإرادته فيها ، طلب منه أهله أن يتزوج أرمله أخيه فلم يعترض ، ولم يدري انه سيتزوج اكبر سفاحه نساء في تاريخ الجريمة ...
وحسب الله الشاب الذي ارتمي في أحضان سكينه أربع سنوات بعيدا عن أمه ، التي تحضر فجأة للسؤال عن ابنها الجاحد فتكتشف انه تزوج من سكينه ، وتلتقي بها أم حسب الله ، فتبكي الأم وتطلب من ابنها أن يطلق هذه السيدة فورا ، لكن حسب الله يجرفه تيار الحب إلي سكينه ، ثم تجرفه سكينه إلي حبل المشنقة ، ليتذكر وهو أمام عشماوي انه لو استجاب لنصيحة أمه لكانت الحياة من نصيبه ، حتى يلقي ربه برضاء الوالدين وليس بفضيحة مدوية ، كانت وراء كل متهم حكاية ووراء كل قتيله مأساة.....
وهنا حكمت المحكمة حضوريا :
على كل من ريا وسكينة وحسب الله ومحمد وعرابي وعبد الرازق بعقوبة الإعدام .
وعلي باقي أفراد العصابة بأحكام مختلفة .......
هذا ما حكمت به المحكمة بجلستها العلنية المنعقدة بسراي محكمة الإسكندرية الأهلية فى يوم ( الاثنين 16 مايو سنة 1921 الموافق 8 رمضان سنة 1339).
وقد قيدت هذه القضية بجدول النقض تحت رقم 1937 سنة 38 قضائية وحكم فيها من محكمة النقض والإبرام برفض الطعن في 30 أكتوبر سنة 1921 .
ونفذ حكم الإعدام داخل الإسكندرية في 21 و 22 ديسمبر سنة1921
أول محاكمة سياسية في تاريخ فرنسا
عذراء أورليانز La Pucelle d’Orlenas
جان دارك Jeanne d'Arc
المتهمة, التي أصبحت بطلة, ثم قديسـة
رمزا المقاومة النسائية في فرنسا وفي العالم.
وهبت جان دارك نفسها، وهي لا تزال طفلة صغيرة السن، للكفاح والمقاومة ضد الإنكليز. أذهلت العالم بقوة شخصيتها وقدراتها التي فاقت التصور، في وقت كانت القوانين جائرة بحق المرأة؛ لهذا كان الحكم عليها قاسياً.
ولدت جان دارك في عام 1412 في قرية (دومرمي)، التي كانت جزءاً من (بريغاندي)- الولاية المستقلة عن السلطة الفرنسية في ذلك الوقت، لأبٍ مزارع متوسط الحال، اسمه (جون دارك)، وأمها (إيزابيل) التي لقنتها التعاليم الدينية. تأخذ حياة (جان دارك) شكل الأسطورة، عند بعض الفرنسيين؛ فعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها، كانت تسمع أصواتاً تناديها، وتدعوها إلى تحرير بلدها من الاحتلال الإنكليزي (هذا ما أشارت إليه في مذكراتها)؛ فلبت النداء الداخلي، وعملت على تجميع قوات عسكرية، قادتها بنفسها لدحر القوات الإنكليزية، بعد أن تنكرت بزي الرجال!. واستطاعت بهذه الطريقة أن تحصل على نوع من السلطة، التي كان يصعب لامرأة الوصول إليها في تلك الفترة.
كان اسمها الحقيقي (جانيت)، وعندما جاءت إلى فرنسا نادوها (جان). بينما كانت مشغولة بأمر الحرب، أبلغتها أمها أن والدها قد حلم بها أكثر من مرة، وهي تهرب مع مجموعة من الجند، وأنه تحدث من إخوتها منذراً: "لو آمنتُ بأن هذه الأحلام ستتحقق، لطلبت منكم إغراقها، وإذا رفضتم فسأغرقها بنفسي"!. وفعلاً تحقق قوله الأخير؛ لأنها أحرقت ورُميت في نهر السين.
وبسبب حلم أبيها، تعرضت لمراقبة والديها واضطهادهما. كانت مطيعة لأوامرهما، إلا أنها لم تستطع أن تعصي مشيئة ربها؛ الذي كانت تقول إنه أوحى لها بضرورة النضال من أجل حرية واستقلال شعبها ووطنها. ولقوة إيمانها بما كانت تعتقده؛ فقد عصت والديها، واستسلمت لمشيئة ما كانت تسمعه في داخلها، وذهبت إلى عمها لتقيم عنده فترة، ثم توجهت إلى (فرسولورز)، وقابلت قائد المدينة (روبرت ديودريكورت)، وطلبت منه أن يساعدها في السفر إلى فرنسا، إلا أنه رفض طلبها؛ فلجأت إلى مساعده (جون ديميتر)، الذي لبى طلبها، واضطر (ديودريكورت) أن يساعدها،وأعطاها سيفاً، ورافقها فارس وأربعة جنود.
عند وصولها قابلت ابن الملك، وأخبرته أنها جاءت لتحارب الإنكليز. اختبرها العلماء مدة ثلاثة أسابيع، وعندما تيقنوا من أنها جاءت لتنقذ (أورليانز) من الاحتلال البريطاني، ولتتويج الابن البكر للملك على العرش، وهبها الملك اثنا عشر ألف جندي، قادتهم إلى أورليانز، وكتبت رسالة إلى ملك بريطانيا (الدوق بدفورد)، قائلة: " أرسلني المتعالي ملك السماوات والأرض لطردك من أراضي فرنسا، التي انتهكتَ سيادتها وعثت فيها فساداً... لو أطعتني؛ فسأرحم رجالك وأسمح لهم بالذهاب إلى ديارهم، وستذهب المملكة إلى الملك تشارلز، الأحق بالإرث... وإلا سنشعلها حرباً ضروساً لم ترَ فرنسا مثلها منذ ألف عام".
توجهت جان دارك إلى أورليانز، وزحفت إليها بجنودها الذين حاصروها، واحتلوا أبراج حامية المدينة. وأثناء تسلقها السلم، أصيبت بسهم في حنجرتها، لكنها لم تستسلم؛ بل ازدادت قوة وإيماناً، وامتطت فرسها دون أن تأبه بجرحها وألمها، وعادت إلى المعركة وهي تشجع الجنود بقولها: "كونوا شجعاناً ولا تتراجعوا، وبعد قليل سيكون النصر لكم. هيا...المدينة لنا".
كانت جان دارك رحيمة عطوفة ، فحينما انسحب الإنكليز من المدينة، في الخامس من أيار، قالت لرجالها والرقة تعلو وجهها: "لا تلحقوا بهم أي ضرر...". وبقيادتها أحرز الفرنسيون انتصارات باهرة، ونجحت جان دارك في تحقيق رسالتها، وقادت (تشارلز) إلى (ريمز) وشاهدت تتويجه كملك لفرنسا.
تم القبض عليها حين كانت تقوم بمهمة سرية إلى مدينة (كامبين)، وأسرها البرغانديون، عملاء الاحتلال البريطاني. اقتادوها إلى (ريون) وباعوها للإنكليز، بعد أن فكت الحصار البريطاني عن مدينة اورليانز. أخبروها أنها ستحرق، بعد أن تتعرض إلى صنوف العذاب؛ فلم تركع، وتذكرت صلب المسيح لتخفف وتسهّل مصابها، وفضلت الموت السريع على الآلام ومعاناة السجن الطويلة.
محاكمة جان دارك
في 21 شباط – فبراير من عام 1431 ، في قاعة باردة من قصر (روان ) جلس بشكل نصف دائري خمسة وأربعون من رجال الكنيسة بدأت محاكمة جان دارك في مركز الدائرة ، على كرسي صغير جلست المتهمة " الساحرة " مكبلة بالأصفاد - أمام هؤلاء الرجال .
افتتح الكاهن (كوشون) المحاكمة بسيل من التهم صبها على رأس المسكينة وتتراوح بين الشعوذة والفجور . والواقع إن أحدا من الحضور لم يكن مخدوعاً بحقيقة الأمر . فالتهم التي ذكرت ليست سوى تغطية لما هو أدهى وأكثر خطرا على البعض. لقد طردت جان داراك هذه الانكليزية من اورليان عام 1492 . وبعد شهرين توجت ولي العهد ملكاً على فرنسا تحت اسم شارل السابع مكان الملك الانجليزي هنري السادس .
هذا هو سبب محاكمة " الساحرة " وهذا هو أيضا سبب محاكمتها في روان ، التي تعتبر عاصمة الانكليز في فرنسا ، ومن قبل جماعة تعتبر عملية لانكلترا .
عندما طلب منها رئيس المحكمة كوشون أن تقسم على الإنجيل بأن تقول الحقيقة في إجابتها عن أسئلة القضاء ، رفضت أن تقسم إلا على ما يتعلق ، في هذه الإجابات ، بها وبعائلتها أما فيما يختص بالأمور الأخرى ، كالوحى الذي ينزل عليها وينير خطواتها من وقت لآخر ، فقد أجابت بتصميم إنها لن تفصح عنه إلا لملكها شارل السابع ، حتى ولو كلفها رفضها هذا حياتها .
لم يفد إصرار رئيس المحكمة أمام ثبات موقف جان . وعندما سألها أن تذكر اسمها وألقابها ومكان ولادتها ، أجابت بكل هدوء إن اسمها جان وإنها ولدت في دومريمي من أب فلاح وأم علمتها الخياطة والحياكة ، أما الألقاب ، فليس لها شيء منها وقد انتهزتها فرصة لتذكر مآسي قريتها مع الجنود الانكليز الذين كثيراً ما كانوا يقومون بأعمال النهب والسلب والحرق فيها ، مما كان يدفع أهلها للنزوح والالتجاء إلى أماكن أخرى مجاورة .
لم يرق للرئيس ، لكنه احتوى الانفعال . بعدها ، سألها :
-مم تشكين ؟
-من الأغلال التي تقيد رجلي
-هذه الأغلال وضعت لأنك حاولت الهرب من السجن
-هذا طبيعي . فكل سجين يتمنى الهرب .
هنا انتقل الرئيس إلى موضوع آخر وسأل المتهمة :
-متى بدأت بسماع الأصوات الخفية أو ما تسميه الوحي ؟
-منذ سن الثالثة عشرة وكنت عندها في حديقة البيت ظهر احد الأيام ، انه صوت آت من عند الله لهدايتي إلى الطريق القويم.
-بأي شكل ظهر عليك هذا الصوت ؟
-لن أعطي جواباً عن هذا السؤال . كل ما يمكنني قوله هو أن الصوت أمرني بالتوجه إلى اورليان لتحريرها من الانكليز وتتويج ملك فرنسا عليها .
-هل استقبلك الملك بسهولة ؟
-نعم
-لماذا ؟
-لان الملك ، هو أيضا ، لديه بعض الإيحاءات .
-كيف ؟
-لا يمكنني الإجابة يمكنك أن تذهب عنده وتسأله .
هنا رفع الرئيس الجلسة لتعقد يوم السبت في 24 شباط فبراير وفي ذلك اليوم أيضا حاول الرئيس كوشون مرة أخرى ان ينتزع من جان داراك ما عجز عن انتزاعه منها في السابق ، وهو أن تقسم على أن تقول كل شيء بما في ذلك حقيقة مصدر الوحي وأسراره ، ولكن إصرار جان داراك على موقفها الرافض عمق لديه الخيبة ، وهذا الإصرار على أن علاقتها بربها هي علاقة مباشرة ولا تمر بأي وسيط والكنيسة وسيط جعل الفتاه تقع في الفخ الذي نصبه لها كوشون . هنا وبعد نجاح خطته ، أعطى الرئيس الكلام لعضو المحكمة ( جان بوبير ) الذي بدأ باستجوابها بما يلي :
-متى سمعت هذا الصوت أخر مرة ؟
-سمعته البارحة واليوم .
-في أية ساعة ؟
-سمعته ثلاث مرات ، صباحاً وظهراً ووقت القداس .
-ماذا كنت تفعلين البارحة عندما أتاك الصوت ؟
-كنت نائمة ، والصوت هو الذي أيقظني .
-كيف ؟ بهز الذراع ؟
-أيقظني دون أن يلمسني .
-هل كان الصوت في غرفتك ؟
-كلا ، كان في القصر .
-هل شكرت الصوت وركعت على ركبتيك ؟
-نعم . وطلبت منه أن يساعدني . والآن يطلب مني هو أن أكون شجاعة .
وهنا ، التفتت إلى كوشون ، كما لو كانت تنفذ ما طلب منها الصوت في شجاعة ، وقالت له :
-أحذرك أنت من تقول انك حاكمي مما تفعل . أنا مرسلة من الرب فتنبه للخطر ....
كان من الممكن أن يكفهر جو المحكمة لهذا التهديد الذي يصدر بوجه الرئيس من فتاة بسيطة كجان دارك ، لولا أن احتواه كوشون على مضض ، ولولا أن تدخل بوبير على الفور قائلاً لها :
-وهل تعتقدين أن قول الحقيقة يغضب الله ؟
لم تعر جان أي اهتمام للسؤال، بل أكملت:
-لقد أوصاني الصوت أن أبوح به للملك دون سواه. وهذه الليلة بالذات ، كلفني برسالة له على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إليه . وأريد أن تصل إليه .
-ألا يمكنك إقناع صاحب الصوت أن ينقل الرسالة بنفسه إلى الملك ؟
-لا أعرف . فهذا يتعلق بإرادة الرب .
-هنا ، بدأ بوبير يفقد صبره :
-أليس لهذا الصوت وجه وعيون ؟
-لن أقول لك شيئاً من هذا .
-أتعتقدين انك تحت رحمة الرب ؟
-إن لم أكن كذلك ، فالرب يحيطني بها ، وان كنت ، فهو يديمها علي .
لقد أدهش الجواب الحضور ، وجلهم من كبار اللاهوتيين . وهذا الجواب ، بجرأته وعمقه وصفائه ، أعطى برهاناُ آخر على أن هذه الفتاه تنعم بسر الهي خارق .
لكن المحكمة معقودة ، لا لتظهر إعجابها ودهشتها ، بل لتحاكم جان دارك بتهمة الشعوذة لذلك ، كان لا بد من تبديد ما علق في الأذهان من ايجابيات للفتاة ، وهذا ما فعله كوشون عندما رفع الجلسة .
ولما عادت المحكمة والتأمت ، كان لا بد من محو الانطباع السابق المتألق في أذهان الحضور ، هذه المهمة أخذها بوبير على عاتقه :
-هل كنت تلعبين مع أولاد قريتك وترعين معهم القطعان ؟
-نعم . عندما كنت صغيره .
-هل تعرفين شجرة الجن ؟
-نعم . وكنت اذهب إليها أحيانا مع بعض بنات القرية . لكني لم أجد أيه جنية . كما إني لا أومن بوجود الجن .
هنا أيضا ، لم يوفق بوبير في الإيقاع بالفتاة المسكينة .
-هل تودين يا جان لبس ثوب امرأة ؟
-لا مانع لدي ، على الرغم من أن ما البسه يعجبني لان الرب لم يعترض عليه .
لقد قصد بوبير أن يبرز جريمة جان ، كما كان ينظر إلى آنذاك ، يلفت انتباه المحكمة إلى ما تلبسه جان وهو بزة عسكرية يلبسها المحاربون ، دون سواهم .
-هل ينبعث أمامك نور عندما يتحدث إليك الصوت ؟
-نور وهاج !
هذه الجرأة ، تبديها فتاه بسيطة أمام محكمة بهذه الضخامة وذاك المقام ، كلفت جان إجراءات مشددة في سجنها فيوم السبت في 17 آذار – مارس 1431 ، كان قد مضى عليها أسبوع كامل دون أن تخرج من زنزانتها . وإذا ما أضيف هذا التشدد إلى إجراءات أخرى عرفنا مدى ما تركه موقفها من اثر سيء في نفوس حاكميها . لقد نقلت إلى سجن علماني يحرسه جنود انكليز . ومعروف كم حاربت دارك الانكليز . وهذا مخالف للقانون الذي يفرض على من يحاكم كنيسة أن يحجز في سجن كنسي . يضاف إلى ذلك إن يجب أن تكون في سجن نسائي ومحروسة من قبل حراس من النساء . ومما يبرز التحيز ، هو انه لم يعين محام للدفاع عنها . ناهيك عن أن أتعاب هيئة المحكمة كانت على عاتق الانكليز دون سواهم . والفضيحة الكبرى في هذه القضية هي أن المحكمة أعلنت ، منذ انعقادها في الجلسة الأولى ، إن جان ستسلم إلى الانكليز لتحاكم من قبلهم ، إذا ما قررت المحكمة تبرئتها . كل هذا يعني بوضوح أن المحاكمة برمتها ليست سوى تمثيله يراد بها تغطية الحقيقة وهي مطالبة الانكليز لرأس من أقسمت على إخراجهم من فرنسا .
عقدت جلسة ثانية في زنزانة السجينة . وفيها تولى (جان دي لافونتين )الاستجواب مكان بوبير :
-هل لك أن تقيمي حبك للكنيسة وخدماتك لها ؟
-أحب الكنيسة وأتفانى في دعمها بكل ما أوتيت من قوة ، وأود لو تسمحون لي بحضور القداديس . أما أعمالي ، فأترك لرب السماء تقييمها ، الرب الذي أرسلني إلى شارل ، الملك الحقيقي لفرنسا ، وبالمناسبة أقول لكم أن الفرنسيين سينتصرون على الانكليز في معركة حاسمة . تذكروا أني قلت لكم ذلك يوماً .
-هل تقبلين حكم الكنيسة مهما كان ؟
-أنا اقبل بحكم الرب . ولما كان الرب والكنيسة واحداً ، فلماذا نوقع أنفسنا في متاهات السؤال؟
-هناك كنيسة مظفرة يذوب فيها الرب والقديسون والملائكة . وهناك كنيسة ملتزمة تشمل البابا والكرادلة والأساقفة . هذه الكنيسة معصومة عن أي خطأ لأنها بأمره الروح القدس فهل تنصاعين للكنيسة الملتزمة ، الكنيسة الأرضية ؟
سؤال محرج . هل ترد بالسلب وتعتبر خارجة على الكنيسة وتحاكم على هذا الاساس ؟
لقد فهمت المأزق . لكنها اختارت طريقها منذ وقت طويل .
-لقد أرسلت إلى ملك فرنسا من قبل الرب . والى الرب أقدم حساب ما فعلت وما سأفعل .
-هل تقبلين بالإفصاح عما رفضت الإفصاح عنه أمام قداسة البابا ؟
-بالتأكيد . خذوني أمامه وسأقول له كل شيء.
كان الجواب واضحاً ومحكماً . لكن المرسوم هو أن تقاد جان دارك أمام الانكليز وليس أمام البابا . وهذا السؤال يدل على النية المبيتة من قبل لافونتين :
-هل يكره الرب الانكليز ؟
-لا أعلم مشاعر الرب اتجاه الانجليز كل ما اعرفه هو أنهم سيطردون من فرنسا ، باستثناء من سيموت منهم على أرضها .
-من دفعك لرسم الملائكة بأذرع وأرجل وثياب ؟ هل يظهرون عليك على هذه الصورة ؟
-هكذا هم مرسومين في الكنيسة .
-لماذا هم اثنان فقط ؟
-لان راية الجيش المهاجم للانجليز يقودها الرب بواسطة القديسة ( كاترين ) والقديسة ( مارغريت ) . اللتين قالتا لي : " تسلمي أنت هذه الراية باسم رب السماء " ؟
-هل يعتمد الأمل في النصر على الراية أو عليك بالذات ؟
-انه يعتمد على الرب .
-لماذا كانت رايتك وحدك حاضرة عند تنصيب الملك وليست راية سائر القواد ؟
-لأنها هي التي جاهدت . فهي إذا التي تستحق هذا التكريم .
-هل تقبلين خلع لباسك العسكري ولبس ثوب نسائي للذهاب إلى القداس ؟
-اقبل . ولكني سأعيد بزتي العسكري وأعود إلى الجهاد حالما اخرج من الكنيسة .
هنا ، وقد اخذ الضيق مأخذه في نفس رئيس المحكمة ، أمر برفع الجلسة . وما هي إلا لحظات حتى رأت جان دارك نفسها ثانية في زنزانتها وجهاً لوجه أمام حراسها الانكليز .
ثلاثة أشهر مرت والفتاة حبيسة الزنزانة . ثلاثة أشهر عاشت فيها بعذاب نفسي وجسدي قلما أصاب سجيناً آخر . ومع ذلك ، فإنها لم تركع . ولما كان يقتضي الانتهاء من هذه القضية خوفاً من تفاقمها وانعكاساتها ، فقد قررت جامعة باريس ، الملتئمة بكامل هيئتها في 15 أيار- مايو 1431 ، أن تتبنى لائحة من اثني عشر اتهاماً رئيساً. هذه اللائحة قدمت من قبل كوشون نفسه مرفقه بكتاب من ملك انكلترا . جميع هؤلاء وجهوا إلى جان داراك تهمة الشعوذة والهرطقة والوثنية ، كما وجهوا إليها تهمة قتل الانكليز والتعطش للدم المسيحي .
وفي 23 أيار مايو ، طلب من المتهمة العودة عن " أخطائها وتصرفاتها المشينة " لكنها رفضت بإصرار " حتى ولو رأت النار التي سيحرقونها بها تشتعل " .
24 أيار – مايو في هذا اليوم كان كل شيء قد هيأ للحكم وللتنفيذ . الحكم بالموت حرقاً . واستكمالاً لفصول المهزلة، دعي الناس لحضور الجريمة. وعلى رأس هؤلاء ، ملك انكلترا الحقيقي ، (أسقف ونشستر ) وهيئة المحكمة . ومقابل المنصة الرئيسية ، منصة الشرف ، وقفت جان داراك .
بدأ " الاحتفال " بخطاب ألقاه في وجه المتهمة المحامي (غليوم ) صديق كوشون الشخصي :
-جان أنت ساحرة ومهرطقة وخارجة على الكنيسة . وملكك الذي أراد استرجاع ملكه بواسطة امرأة هو ، في الواقع ، مثيلك . ثم أكمل بلهجة أكثر ليونة :
-أنا ارثي لحالك . عودي عن أقوالك وإلا ، فان الحكم سيكون قاسياً عليك .
-انك تتعب نفسك كثيراً لتثني عن عزمي ولتحضني على إنكار الحق .
هنا انبرى (جاك كالو) سكرتير ملك انجلترا ، وأخرج من كم سترته ورقة سطر عليها بضعة أسطر ، هي الدليل على أن كل شيء قد هيأ مسبقاً، صرخ غليوم ملتفتاً نحو جان :
-وقعي على هذه الورقة وإلا فانك ستنتهين إلى النار .
أذعنت جان بصوت ضعيف . لكن مفاجأة غير متوقعة حصلت . فقد ثار الانكليز الموجودون في المنصة على الرئيس كوشون نفسه وسائر أعضاء المحكمة متهمين إياهم بنقض الاتفاقية والخيانة: لقد اعتبروا أن الورقة التي عرضت على جان دراك للتوقيع ستؤدي ، عند توقيعها ، إلى تبرئة المتهمة وعدم تسليمها إلى الانكليز . ماذا كانت تحوي هذه الورقة التي وقعتها الفتاه المسكينة بعد أن شنت عليها حرب نفسية رهيبة ؟ إنها اعترف منها بالشعوذة ونكران لسماعها صوت الرب كما إنها تعهدت بالامتناع عن لبس الثياب العسكرية . أما كوشون ، العميل الأمين لأسياده الانكليز ، فقد سارع ، عندما ثارت ثائرة هؤلاء الأسياد ، إلى تطمينهم ، وإمعانا في ذلك فقد عجل في إصدار حكمه على جان داراك : السجن مدى الحياة على الخبز والماء لتغسل خطاياها ولتكف عن اقتراف غيرها .
امتقع لون المسكينة عند سماعها الحكم وعرفت إنها وقعت في الفخ الذي نصب لها ، فتوقيعها على الوثيقة لم يكن الهدف منه سوى أهانتها وهدر كرامتها ، لإنقاذها ، كما ذكر أمامها.
أما الانكليز فقد ظلوا على انفعالهم . صحيح أن جان دارك ستمضي بقية أيامها في السجن ، لكن الصحيح أيضا هي إنها ستبقى حية ، في حين دبروا ما دبروا ودفعوا ما دفعوا لتنتهي عدوتهم إلى النار وليتخلصوا منها إلى الأبد .
عادت جان دراك إلى زنزانتها لتلبس ، كما تعهدت ، لباس امرأة لكن ، لم تمض سوى ثلاثة أيام حتى شوهدت تعود إلى لبس الزى العسكري . فما الذي حدث حتى تنقض السجينة تعهدها ؟ الأمر غاية في البساطة ، لقد أمرها سجانها الانكليز بذلك بقصد إعادتها إلى محاكمة جديدة وبالتالي ، إصدار الحكم بحرقها حية .وهكذا وفي اليوم الرابع للمحاكمة الأولي، بعد يوم واحد من نقضها القسري لتعهدها ، عادت المسكينة لتواجه المحكمة والمصير المرسوم ، جرت المحاكمة – المهزلة وحكم على جان دراك بالإعدام حرقاً ، ورضي الانكليز .
و في 30/5/1431 قامت السلطات الإنكليزية، وبمشاركة علماء جامعة باريس، التي تحكموا بها، بتقييدها إلى خشبة وأحرقوها، بعد أن اقتيدت إلى قاعة المحكمة وهي مكبلة بالأصفاد والحديد، وكان الحكم بحقها جائراً وبالغ الوحشية.
قبل حرقها، قيدوها إلى شجرة ومزقوا جسدها وهي في عمر الورود؛ فقالت لهم:
"لو كنتُ في مكان إعدامي، وشاهدتُ الزبانية يشعلون النيران التي تلتهب، حين يلقون لها بالأخشاب الجافة، ولو كنتُ وسط اللهيب حتى آنذاك؛ فليس لديّ ما يمكن أن أضيفه من أقوال".
خمسة وعشرون عاما مرت على موت جان دارك ففي 7 تموز سنة 1456 ، كان أناس كثيرون يتجمهرون في باحة قصر (روان ) ليستمعوا خاشعين إلى حكم آخر يقضي ، هذه المرة بإعادة اعتبار الشهيدة . كبار رجال الكنيسة في باريس وريمس وكوتانس ومعهم شقيق جان دارك التأموا في اجتماع تاريخي ليعلن كاهن ريمس باسمهم ما يلي .
" نعلن باسم الرب ، الحسيب الوحيد على أعمالنا ، أن المحاكمة التي ذهبت جان داراك ضحية انحرافها وعمالتها ، باطلة ، وان الحكم الصادر عنها هو أيضا باطل كما نعلن أن جميع الاتهامات بالشعوذة والهرطقة الموجهة إلى الشهيدة باطلة ، هي الأخرى لذلك فإننا نحكم بإلغائها جميعاً " .
كان هذا تتويجاً لجهود دامت سبع سنوات ، سبع سنوات مليئة بإجراءات بإعادة محاكمة شاقة ومثيرة . أعيد النظر بكل الوثائق . فندت كل الأقوال ودحضت جميعاً . وقد اشرف على هذه العملية كبار القضاة ورجال القانون من الملك شارل السابع ، ملك جان دارك ، الذي تنبأت المسكينة بانتصاره على الانكليز وبعودته إلى عرش بلاده . وقد صدقت النبوءة .
وهكذا انتهت أول محاكمة سياسية في تاريخ فرنسا . كانت محاكمة مثيرة أظهرت بوضوح ما يمكن أن تؤدي إليه عمالة ضعاف النفوس .
إن جان دارك أصبحت بطلة وطنية ويطلق اسمها على الساحات والشوارع والمؤسسات في فرنسا وخارجها ، لكن الصحيح أيضا هو أنها ماتت حرقاً ، وهذا المصير ، لمجرد تخيله ، رهيب فكيف به عند المنفذ به ؟ وإذا كان من عبره لهذا القضية برمتها ، فهي أن الحق هو المنتصر الأخير في الجولة الأخيرة ذاك هو منطق الأمور . ولكن ... كم من الضحايا تسقط وكم من الرؤوس تتدحرج قبل أن تصل الأمور إلى نهاية منطقها أو بالأحرى إلى منطق نهايتها ؟ قد تكون التضحية بالذات هي القربان الأمثل الذي يقدمه المرء لإحقاق حق أو لإبراز حقيقة . وهذا في نظر الكثيرين ، قمة العطاء .