الشمسُ من ذهبٍ على سفحِ الغروبْ
|
وفؤادها المحمرُّ فوق الجمرِ
|
يسبحُ في مياهِ النهدِ كالقنديلِ
|
قدّيساً على قمرِ السهوبْ.
|
الشمسُ من ذهبٍ أصابعها
|
تذيبُ سنابلَ الصابونِ في أفقٍ من الخرُّوبِ
|
أو تشتقُّ كحلَ الليلِ من أهدابِ مريمْ.
|
شمسٌ مذهّبةُ الضفائرِ في حقولِ المغربِ الشفافِ
|
ترفعها أكفُّ الناي فوقَ أنينها المبحوحِ
|
ثم يردُّها جسدُ الهلالِ العذبُ
|
عن ندمِ السماواتِ المحرَّمْ.
|
وتغوصُ في ماءِ الفراتِ الصعبِ
|
كالسيفِ المضاءِ بحزنهِ النهديِّ
|
بينا تلمحُ الفتياتُ
|
أجراساً تعرّي قلبها المبيضَّ
|
للحزنِ الحسينيّ الذي يمتدّ
|
خلفَ شقائقِ النعمانِ
|
من أقصى الشهورِ إلى محرَّمْ!
|
فتشقُّ قمصانَ النبيِّ حمامةٌ
|
مذبوحةٌ في حقلِ دمْ.
|
وتطيرُ ما بين الغيومِ البيضِ
|
تبحثُ عن سماواتٍ محنَّاةٍ بحزنِ الروحِ
|
لكنَّ الأعالي لا تجيدُ الحزنَ
|
والفرحَ الكذوبْ.
|
والشمسُ من ذهبٍ على سفحِ الغروبْ.
|
الموجُ يشهقُ تحتَ مبسمها المعشَّقِ بالكآبةِ..
|
والكماناتُ العتيقةُ تستغيثُ
|
لكي تكنّي بالدموعِ عقيقها المخضرَّ..
|
والناياتُ شاخصةٌ تراقبُ من
|
جذوعِ الضوءِ
|
مريمَ وهي جالسة بهيئتها الحزينةِ
|
في بحيراتِ الشموعْ!
|
والدمعُ ينشجُ بالبكاءِ الصعبِ
|
بين أصابعِ الجيتارِ
|
محمولاً على لهب الغناءِ المرّ كالنيرانِ..
|
فيما تتركُ الأيدي أصابعها
|
ميبّسةً على المزمارِ
|
كي تنشقَّ كالصبارِ عن شجرٍ يجوعْ.
|
شمسٌ من الخرّوبِ
|
تُغري قلبكَ الحزنانَ بالرمانِ
|
والقمرُ الجميلٌ مدوّرٌ
|
كالمنجل الفضيّ في أفقِ
|
الحصادِ الطلقِ
|
يشربُ خمرةً ذهبيةً،
|
ويضيءُ أسحارَ اليسوعْ.
|
متأمّلاً ذاكَ الجمالَ العذبَ
|
ألمحُ سيفَهُ الياقوتَ
|
مشنوقاً على الآهاتِ..
|
ترفعهُ ذراعُ الاحمرارِ إلى أنينِ غروبها القاني،
|
وتهرقهُ العشيَّةُ كالدموعْ!
|
فيروزُ نائيةٌ على جبلٍ بعيدٍ
|
والغريبُ محدّقُ في اللانهايهْ..
|
في ذلكَ الماسِ اللبابيّ المقطّرِ
|
في بحارِ الروحِ
|
يبحثُ عن معانٍ ضائعهْ.
|
عن لحظةٍ هزمتها أجراسُ الكهولةِ..
|
عن (مواويلٍ) مشرّعةٍ على النسيانِ..
|
عن طفلٍ يشيّعُ قلبه الباكي
|
قراهُ الرائعهْ.
|
هل هذه المدنُ المصابةُ بالفراقِ
|
محجّةَ الغرباءِ،
|
أم إيماءةُ الماضي التي
|
يمشي الغريبُ وراءها
|
ليرى سوادَ الموتِ
|
تحملهُ على الأكتافِ أجسادُ الندامةِ
|
منذ آلاف السنينْ؟!
|
أم أنها متغزّلٌ لليأسِ
|
عند نهايةِ الأمواجِ
|
يقصدهُ الغريبُ بقلبهِ الأعمى
|
***
|
ليجلسَ رائياً كالبحرِ
|
ما بينَ السكينةِ والسكينْ؟!
|
هل هذه الريحُ الجريحةُ معزفُ الشعراءِ
|
في المدنِ الغريبةِ،
|
أم طواحُ أراملِ البدو الثكالى
|
في المغاربْ؟
|
الأرضُ موحشةٌ ودربكَ غادرٌ نادِ المدينةَ كي تراكَ غريبها
|
يابنَ (الغرايبْ)!
|
نادِ الحزينةَ كي تحلَّ سوادها
|
وتقيكَ أحزانَ الرحيلِ
|
وكي تطلَّ عليكَ من عليائها
|
في اللَّيلِ أقمارُ الحبايبْ!
|
قلْ للغريبةِ أن تقصَّ ضفيرةَ
|
الأحزانِ من ندمٍ عليكَ..
|
فقد بكتكَ اليوم أرملةُ الخريفِ،
|
وعمَّرتْ أصنامَ حزنكَ
|
من بكاءِ الريحِ أرملةُ الثعالبْ!
|
***
|
متوحّداً بالنايِ
|
أسمعُ في المغيبِ تنهّدَ النائينَ..
|
ألمحُ في المدى
|
وجهاً فراتيّاً يميلُ بحزنهِ المحروقِ
|
فوقَ مضاربِ البدو القدامى..
|
ألمحُ امرأةً تسرّحُ شعرها الأمواجُ
|
أمشاطاً لليلِ العاشقينْ.
|
من شرفةٍ مهجورةٍ
|
يتأمّلُ الرجلُ الغريبُ طيورَ عزلتهِ
|
تجدّفُ في غروبِ الشمسِ
|
حاملةً ضريحاً شاغراً للخاطئينْ.
|
أبداً يحدّقُ شاعرٌ في ذلكَ
|
الأُفقِ الحزينِ لزهرةِ الحنّاءِ
|
منتظراً دنوَ الموتِ من دمهِ..
|
ليحني جذعه المسكورَ فوقَ السيفِ
|
منتحراً على كرسيّه المتروكِ في أقصى السنينْ.
|
أبداً يحدّقُ شاعرٌ في ذلك
|
المتعزّل النائي لحزنِ الروحِ
|
***
|
مأخوذاً بجوهرةِ العزاءِ الكربلائيِّ الكليمةِ
|
وهي تلمعُ في صدورِ الغائبينْ.
|
لكأنما أخذَ الغريبُ كتابَ وحشةِ العميقةِ
|
واستدارَ إليَّ الغروبِ
|
لكي يراقبَ من كوى الماضي
|
جداريّاتِ أحزانِ الحسينْ!
|
مرفوعةً فوقَ الأذانِ المرّ للجمعاتِ..
|
تلطمَ صدرها الحجريّ أجراسُ المراثي الناحبةْ.
|
وتضيئها شمسُ العطشْ.
|
منحوتةٌ من جوعهم للنايِ
|
والنغمِ الحسينيّ الأشفِّ..
|
ومن جمالِ السيفِ..
|
من أحزانِ زينبَ
|
وهي تشعلُ شمعها الموؤودَ
|
في وجهِ الغبشْ.
|
فكأنما هذي المدينةُ لا تقاضي ساكنيها أو يتاماها
|
بأحزانِ العشيّةِ عندما يبكونَ منفردينَ
|
في مقهى الكآبةِ..
|
***
|
عازفينَ عن الحياة بخمرها..
|
الأشجارُ ترحلُ باتجاهِ الليلِ
|
والأشياءُ تهرمُ فجأةً في القلبِ
|
والسمّارُ ينصرفونَ فرداً إِثرَ آخرَ
|
تاركينَ النايَ مبحوحاً يصرّخُ لا تغيبوا!
|
يا أيها الرجلُ الكئيبُ!
|
كلُّ الذينَ تحبهم بلغوا الفراتَ
|
وما أصابوا الماءَ ما شربوا..
|
وظلَّ النهرُ يتبعهم بغصّتهِ
|
إلى أن أصبحوا كتباً مؤجلةً على رفوفِ الليلِ
|
فاندثروا وأخفاهمْ غيابُ.
|
هل علّقوا أجراسهمْ في العتمِ
|
وانحازوا إلى نُصبٍ تحملقُ في فراغٍ
|
مبهمٍ؟
|
أم أنهم سلكوا طريقاً (آخراً) لليأسِ
|
لا يمضي إلى جهة الشمالِ
|
وليسَ ترجعهُ الجنوبُ؟
|
فاحملْ ربابتكَ العتيقةَ وانتبذْ
|
ركناً قصياً في شعابِ الأرضِ
|
إن الروحَ ضائقةٌ
|
(وأرضُ الله واسعةٌ)
|
وشأنكَ من بحارِ الحزنِ أغنية
|
ترددها
|
لتسقطَ من خطيئتك الذنوبُ
|