|
إلى الشاعر الراحل ممدوح عدوان
|
|
***
|
|
أشرع الشاعر للريح ذراعيه
|
|
ونادى المطر الظمآن من أقبية الغيم
|
|
ليروي حزنه الغائر في الروح
|
|
فما جاشت سوى الوحشة في الأرض
|
|
ورجع الحسراتْ !
|
|
لكأنّ الريح في الأرض
|
|
رهاب الشاعر الرائي
|
|
وأصداء عويل الموت في الصحراء ،
|
|
رجع الندم الأوّل
|
|
للمحتضرين العزّل ،
|
|
الحشرجة الظمأى
|
|
لمرضى الأمنياتْ .
|
|
كلما راوده الموت بكى
|
|
من وحشة الدنيا
|
|
وظلماء ألوهّية ليل الكائناتْ .
|
|
وتنادي كالمواويل مع الليل
|
|
ليستبصرَ حزن البشر الأعمى
|
|
فغاصت روحه في الصمت
|
|
وارتدّت جراحات الصدى البحّاء
|
|
من كل الجهاتْ .
|
|
فمضى يردم بالأحجار
|
|
أشداق الهوى القفراء
|
|
كي يبرأ من جرثومة الخسران
|
|
أو ينصب أفخاخا ليصطاد
|
|
غرابين المواتْ .
|
|
زاهد في العمر كالنسّاك
|
|
لكن كلما لاح له الليل ضياء (اسودا )
|
|
أغمض عينيه لئلا
|
|
يبصر الموت الذي ينهب
|
|
كالدود جراح الشاعر
|
|
المنتهكه .
|
|
كان كالليل وحيدا
|
|
لا يدانيه سوى الشعر
|
|
الذي يبيضُّ في شيخوخة الشاعر كالدمع
|
|
وتهتاج حروف اللغة العذراء كالنحل
|
|
لتحمي قلبه المكسور
|
|
من لسع دبابير ا لموات المهلكه .
|
|
أهي العزلة من تغرق في غيبوبة النسيان
|
|
وجه الراهب المغمور بالحسرة
|
|
أم نشدانه الخاسر للدهريِّ في الزائل
|
|
للساعات في ركض الحروف المنهكه
|
|
هوذا يبصر من نافذة الأمس
|
|
غروبا غارقا في شمعدان الكون
|
|
كالكأس
|
|
فيلقى في المدى الأوحش عينيه
|
|
ويستسلم معميَّاً على رؤياه
|
|
للضوء الذي تهرقه الظلمة في قلب النعاة ْ .
|
|
هوذا مستغرق في آخر الأمواج
|
|
يصغي لانتحاب الريح في البرديِّ
|
|
أو يستوحش الشمس التي
|
|
تغرب خلف الأفق الدامع
|
|
كالغصّة في حلق الحياة ْ !
|
|
هي ذي ترفعه الأرض على أكتافها
|
|
كالقمر الميت
|
|
وروح الحزن
|
|
تلحده الغيم كبرق قاصم ظهر المواتْ .
|
|
وحده في الغسق الغامض
|
|
ذئب المطر الأزرق
|
|
يعوي على الشاعر
|
|
والشاعر مصلوب
|
|
على صدر العذابات
|
|
يضمُّ الكون ما بين ذراعيه
|
|
وتجثو حوله الأفئدة الثكلى ظماء
|
|
أيها الشاعر يا عالي المدى ،
|
|
يا مشتهى من كلّ نفس
|
|
هزها الموت
|
|
أنلنا حزن عينيك
|
|
لنبكيك بكلّ الكلماتْ
|
|
* * *
|
|
قلق كالموج بين المأويين
|
|
البيت والتابوت
|
|
ناداه نذير الموت في الريح :
|
|
تمهل يا ابن هذا الطين
|
|
ما أنت سوى قبض غبار
|
|
فتولاهُ بكاء غامض في الروح
|
|
وانهلَّ الأسى من وجهه كالمريماتْ !
|
|
وهو الواقف ما بين هبوبين عدوّين
|
|
لريح الوحشة الصفراء
|
|
والراكض كالطفل على إيقاع طبل البحر
|
|
في الأمواج
|
|
يسترشد بالطير الهلاليِّ الذي يبحر
|
|
بالأجنحة السكرى إلى بر النجاة
|
|
أيها الطائر يا من يتراءى
|
|
مثل طيف سابح في برك النور
|
|
أنا النادم ليلا بعد ليل
|
|
وأنا التائه ، حطَّاب العذابات
|
|
فأرشدني إلى الشمس التي تشرق كالدمعة
|
|
كي يبصرني فجري
|
|
وتلقيني إلى الموت الحياة ْ
|