بتـــــاريخ : 9/14/2008 11:37:15 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 879 0


    حجر الفراغ

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    الليلُ "أيّوبٌ" حزينٌ فوق مئذنةِ المدينةِ‏

    والمقاهي وقتها مرٌ كأوراقِ الخريفِ‏

    يقيمُ عزلتها على حجرِ الفراغِ اليائسونْ.‏

    يتمرّسونَ بطعمِ علقهما الأحدِّ‏

    ويلقمُ التنباكُ حلمته المريرةَ‏

    للشفاهِ البله في سأمٍ‏

    فيبكي الوقتُ صفرته‏

    على صوتِ النراجيلِ الضريرةِ‏

    ثم يذبلُ في العيونْ.‏

    لم يبقَ في أرجائها‏

    غيرُ احتضارٍ أسود القمصانِ‏

    يحملهُ هواءٌ مالحٌ‏

    كالنعشِ في طرقاتها الكسلى‏

    ويمشي خلفه المتسكّعونْ.‏

    وَهَنَتْ كهولتها‏

    فمالتْ كي تحالفَ وحشةَ الأصنامِ..‏

    إمرأةٌ تنصّبُ قلبها البدويَّ قدّيساً‏

    على الأشواكِ..‏

    لا قمراً لينفخَ من بقايا الروحِ‏

    في ظلمائها السوداءِ‏

    لا ناياً ليغمسَ كالشموعِ الخضرِ‏

    في ساعاتها الجرداءِ إصبعه الصغيرةَ‏

    كي يعكّرَ ماءها الساجي‏

    بدمعاتِ العيونْ.‏

    لا بائعُ الآسِ العجوزُ (مشرَّدٌ)‏

    في شارعِ العشاقِ‏

    لا امرأة تطرّزُ من ضفائرها‏

    أهازيجاً لأيلولَ الكئيبِ..‏

    سوى خيولِ الدمعِ‏

    تركضُ خلفَ أشجارِ الخريفِ جريحةً‏

    والناسُ في أوقاتهم مثل الدمى مستبهمونْ.‏

    لا صوتَ أغنيةٍ يطيّر بُلبلاً‏

    في زرقة الروحِ الحزينةِ‏

    كي يفكّرَ عاشقٌ بالانتحارِ‏

    على ضفائرِ من يحبّ..‏

    ولا حمائم كي يطيّرها رسائلَ للغيابِ‏

    العاشقونْ.‏

    فقط ارتجالٌ ضائعُ الأصوات‏

    يرفعهُ ندامى اليأسِ كالكهّانِ‏

    في الأفقِ المضرّجِ بالفراقِ الصعبِ..‏

    والحزنُ المراوغُ يقتفي أعمارهم كالذئبِ‏

    في برّيةِ الشمس التي غربت،‏

    ويعوي في ظلامٍ لا يخونْ.‏

    الليلُ أيوبٌ حزينٌ والمراثي‏

    كلها نضبتْ وأبلاها الذبولُ..‏

    وعندّ أطرافِ البحيرةِ‏

    يجلسُ الرجلُ المصابُ بشهوة الموتِ‏

    العميقةِ‏

    شاخصاً في آخرِ الأمواجِ..‏

    يستبكي زماناً ضائعاً..‏

    بين الحقيقةِ والجنونْ!‏

    فيرى يداً بيضاءَ‏

    تطلعُ من شقوقِ الغيمِ‏

    رافعةً قناديلَ الكآبةِ‏

    فوق مئذنةِ الخليقةِ‏

    ثم تغرقُ في دمِ الحنّاءِ‏

    مطبقةً أصابعها على شمسٍ‏

    تغّيبها الظنونْ.‏

    ويرى على شجر الأسى العالي‏

    حمامةَ (مريمٍ) مذبوحةً بالنايِ‏

    والحزنِ الأشفّ..‏

    يضيئها قمرُ العشيّاتِ الجريحُ‏

    بضوئهِ المشلولِ...‏

    والغيماتُ تحملها على كفّ الندامةِ‏

    كي يطّيرها إلى مدنِ الشقاءِ اليائسونْ!‏

    هرمٌ كنسرٍ‏

    لم يعدْ يلوي على شيءٍ‏

    سوى التحديقِ في صحرائهِ الجرداءِ..‏

    في الشمس التي مالت لتغربَ في انفرادٍ‏

    يائسٍ‏

    -لم تبقَ غيرُ ضريبةٍ للحزنِ باهظة الأسى..‏

    وتغورُ في البئرِ الحياةُ، ويستريح الشاغرونْ!‏

    ويدقُ ناقوسُ العشيّةِ نادباً‏

    في وحشةِ الآحادِ أصداءَ الكهولةِ:‏

    لم تكنْ هذي الحياةُ سوى‏

    انتظارٍ ناقصٍ، ونداءِ حبّ خادع..‏

    والناسُ في ظلماتها مستوحشونْ!‏

    لم ينفعِ التحديقُ عن بُعدٍ‏

    بأنصابِ الغيابِ،‏

    ووقتها المنهوبِ بالخسرانِ يا أبتي!‏

    ... ويجلسُ عند أطراف البحيرةِ منشداً:‏

    كلّ الذين رأوا الحقيقةَ في كهانتهمْ‏

    أصابهمُ الجنونْ!

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()