بحزني المجرّدِ والألمِ المرِّ
|
لا غير
|
أفردُ كلتا ذراعيّ كي أتلقى بكاءَ النواعيرِ
|
أو أتهاوى كأرملةٍ فوق قبر الضياعْ.
|
وأصرخُ أين الجهاتُ التي علّمتني
|
هبوبَ الرياحِ،
|
وأين الغيومُ التي كنت صادفتها
|
عند صفصافةِ البئرِ تبكي،
|
وكرمةُ عمري التي أرضعتني
|
عناقيدُها الخمرَ
|
قبل أوان الرضاعْ؟
|
وأصرخُ في مغربِ الشمسِ
|
كيف سأدفع شيخوخةَ الحزن عني؟
|
وكيف سأردعُ هذا المشيبَ الحزينَ؟
|
كأني ما كنت غير غرابٍ
|
يضاجعُ أنثى الرياحِ
|
ويسقطُ في لجّةِ اليأسِ..
|
ريحٌ معذّبة لا تكرّرُ غيرَ رثائي!
|
وأصرخُ في مغربِ الشمس:
|
ردّوا إليّ المواويلَ،
|
ردوا إلى الكهلِ (مريلة الثالث الابتدائي)!
|
أنا عازفُ الناي
|
يدفعني الناي أجري وراء انتظاري،
|
فتركضُ خلفي المواويلُ ناحبةَ الروحِ
|
والريحُ تجري ورائي..
|
ويجري ورائي بكائي!
|
مللتُ انتظارَ المغيبِ
|
وملّ الثواءُ ثوائي.
|
وزوّجني الحزنُ عاشقةً
|
تحملُ الماءَ في حزنها وتنامْ.
|
أما آنَ بعدُ الأوانُ
|
لأقرعَ بوابةَ الروحِ
|
محتفلاً بالمراثي
|
التي شيّعت طفلةَ القرويّ
|
لتغفو إلى صفرةِ البيلسانْ؟
|
كأنّ على العمرِ أن يتوقّفَ
|
كي يتأمّلَ ما ضاعَ..
|
تلك الفتاةُ التي رعرعتها الرياحين،
|
وامتصّها حدقُ الليلِ..
|
كنا نعمّرُ في الليل أصنامنا
|
لننامَ فلمْ ننتبهْ
|
للنجومِ التي تتلألأُ كالدمعِ
|
لم ننتبهْ للحمامةِ وهي تحلّقُ فوق سماءِ الأذانْ!
|
أما آن بعد الأوانْ؟
|
لأرمي على زهرةٍ جسدي من بعيدٍ وأغفو
|
على هذه الأرضِ؟
|
لكنني آخذٌ في الغيابِ..
|
الحمامُ الشهيّ على هوّةِ الروحِ
|
يسقطُ منتحراً
|
والأغاريدُ مشنوقةٌ فوق بوّابةِ اليأسِ
|
هل أتهاوى على قبرِ حبّي الوحيد
|
لأسمعَ رجعَ غنائي القديمِ
|
يسوحُ على نغمةٍ في الكمانْ؟
|
أما آن بعد الآوانْ؟
|
لتلتفتَ الروحُ نحو الفتاة التي
|
ضيّعَ الليلُ أجراسها ثم أهدى إليها
|
خلاخيلَ كي تتزيّنَ للموتِ
|
قبل ثلاثينَ عاماً قضتْ؟
|
عاشقانِ وحيدانِ..
|
تمشي فيمشي
|
ويبكي فتبكي
|
وينهمرُ القمحُ فوق الأرزِّ غزيراً
|
ويحتضرُ الأقحوانْ!
|
وأشهدُ للريح بالحزنِ آخرةَ الليلِ
|
فالآن أبكي وحيداً على ما مضى!
|
هذه الريحُ ثاكلةٌ،
|
والغيومُ محدّبةُ الحزنِ فوق الهضابِ،
|
وقلبي صغيرٌ على الناي!
|
يا طائرَ الليلِ خبّرْ شبابيكهم
|
بالذي كانَ من عمرنا وانقضى!
|
.. وحيداً سأبكي
|
كذئبٍ يعاركُ تلميذةَ القمح
|
حزني قديمٌ كأغنيةٍ..
|
مرّ أيلولُ بيني وبين الصبايا
|
فمِلنا على شتلةِ القطنِ
|
قلنا لها: ضمّدينا!
|
امسحي دمعنا!
|
كلما طعنَ الغيمُ أيامنا بالرحيلْ!
|
.. وحيداً سأبكي
|
بقربِ الصخورِ التي سالَ دمعي عليها
|
فأيقظها الملحُ
|
يسألني الموجُ عنها.. فينتحرُ المدُّ
|
يسألها المدّ عني.. فينتحرُ الموجُ
|
بيني وبين الصبايا
|
وينتحرُ العاشقانْ.
|
حزينٌ طريقُ العشيّةِ
|
في آخرِ الحزنِ تأتي الكآبةُ
|
تأتي الكماناتُ مبحوحةَ الصوتِ
|
(لا أحدٌ) سوف يأتي
|
(ولا أحد) سوف يذهبُ
|
كلُّ الأحبةِ غابوا
|
وضاعتْ ملامحهم في الترابْ!
|
أنا الآن أكبرُ من هذه الأرضِ عمراً وأوهنُ..
|
شاختْ بقرب انتظاري الصخورُ القديمةُ
|
شاخَ أبو الهولِ
|
وهو يفسّرُ لغزَ الحياة
|
وما زلتُ أحفرُ بئرَ الوجودِ ولا أجدُ الماءَ
|
.. أكبرُ من هذهِ الأرضِ
|
أحرسُ أبوابها كالغرابْ.
|
وأقرعُ طبلَ الزمانِ المجوّفِ
|
في صالةٍ فارغهْ
|
ولا من مجيبٍ ولا من مجابْ.
|