تتكاثرُ الآهاتُ مثل الغيم
|
في أحزانِ مريمَ
|
والدموعُ تفيضُ كالأمطارِ
|
من مقلِ الغيومِ الباكيهْ.
|
تتكاثرُ الآهاتُ كلَّ عشيةٍ
|
في قلبها الباكي
|
وتنمو مثلما تنمو شتولُ التبغِ
|
في كتفِ الحقولِ القاحلهْ.
|
لكأنها جبلٌ من الأحزانِ
|
يندبُ في فراغِ الأرخبيلِ
|
صقوره الصرعى
|
ويهدمُ نفسهُ فوق القبور النائيهْ.
|
الريحُ تجثو قرب ركبتها
|
وتصرخُ مريماهُ!!
|
والليلُ يهرمُ في ضفائرها
|
فيشتدَّ المتاهْ.
|
لا عينُ إلاَّ كي تهلَّ الدمعَ
|
لا امرأةٌ بغيرِ سوادها
|
روحٌ على ريحٍ
|
ترجّعُ صوتها المجروحَ أوّاهٌ وآهْ!
|
ربطتْ جدائلها بغصنِ الموتِ
|
وارتحلتْ بحلّتها الحزينةِ
|
كي تزوّجَ قلبها للغيمِ
|
ناداها منادٍ:
|
ردّي عليك البابَ يا أمةَ البكاءْ!
|
ستجيئكِ الأيامُ ناحبةً
|
لتلبسَ ثوبكِ المسودَّ
|
في حزنِ الشهورِ..
|
وتطلعُ من عباءةِ حزنكِ السوداءِ
|
أجراسُ المساءْ!
|
فترعرعوا مثلَ الرياحِ على جدائلِ شعرها
|
المسوّد
|
واستسقوا الحمائمَ من يديها في الصباح،
|
وفتّحوا كبراعمِ الأزهارِ
|
بين تمائمِ روحها الجذلى!
|
إذا عقدت عناقيد العنب!
|
وتأملوا ذاكَ الضياءَ
|
يشفُّ فوق بحيرةٍ مرفوعةٍ
|
عندَ الغروبِ على السنابلِ والذهبْ!
|
هذي أياديها مشرّعةٌ على النسيانِ
|
تذروها الرياحُ
|
كأنها قشٌّ قديمٌ أو حطبْ.
|
تتكاثرُ الآهاتُ.
|
لا قلبي بلا حزنٍ.
|
لأجعلَ مَن خريفِ العمرِ صورتها على المرآةِ،
|
أو حزني انتهى..
|
لأشيرَ نحو فؤادها الملكومِ بالدمعاتِ
|
أو أبكي استفاقةَ روحها بعد الغيابْ!
|
من قبلِ مريمَ لم تكنْ هذي البسيطةُ
|
غير حزنٍ أسود العينينِ
|
يبحثُ عن ترابْ.
|
كانتْ ترى في الغيمِ حزناً مبهماً
|
فتميلُ نحو القمحِ راحتها الكفيفةُ
|
كي تفتّشَ عن دموعٍ مطفأهْ!
|
لا تسألي الريحَ الجريحةَ
|
بين أضرحةِ الكآبةِ يا امرأهْ!
|
أنا ما رأيتُ سوى فتاةٍ ترضعُ الأغصانَ
|
كالعصفورِ من ظمأ،
|
وتجرحُ بالأظافرِ نهدها المبيضَّ
|
من شوقٍ
|
وقلبي ما رأى.
|
وتصيح مُريمُ بين أحجارِ الصدى:
|
من أينَ يأتي كلَّ هذا الثكل
|
كي أبقى مسمرةً على الأجراسِ؟
|
يا للحزنِ!!
|
كلُّ الحزنِ للريحِ التي تركتْ
|
حدادي للغيومِ،
|
وخلّفتْ ندميِ وحيداً في العراءِ
|
يعاركُ الذؤبانَ بالنايِ الكفيفْ!
|
لكنَّ صوتاً صافياً كالماءِ
|
يهمسُ من شفاهِ الغيمِ في أذن المدى!
|
من قبل مريمَ كانتِ الأرضُ امرأهْ
|
بثيابها البيضاءِ ماشية
|
على دربِ (الحدا).
|
فتصيحُ أصواتُ المراثي المرجأهْ:
|
لا تشتهي بفؤادكَ الواهي طيورَ جمالها!
|
هي مريمُ روحها العذراءِ
|
كانتْ في طلوعِ الشمسِ
|
ترعى طائر الغفرانِ
|
في أطراف ساقيةٍ،
|
وتكنسُ عن دروبِ الصيفِ أوراقَ الخريفْ
|
تبكي البلابلُ فوق راحتها الصغيرةِ
|
والسنابلُ تستردُّ الحزنَ
|
من شَعْرِ الحفيفْ.
|
وهي التي رضعتْ حليبَ الثكلِ
|
من نهدِ الكآباتِ الكفيفْ!
|
وهي انشغالُ صغيرةٍ بالقمحِ
|
في كنفِ الطفولةِ..
|
كلُّ ما يمضي إلى النسيانِ بعد العشقِ
|
كي يغدو خيالاً من شفيفْ.
|
لم ينتبهْ قمرُ الغيابِ البكرُ.
|
للشمسِ التي راحتْ تلوّحُ وجها..
|
لم تنتبه تلك النجومُ
|
إلى نداءِ عيونها الشفّافِ..
|
تكبرُ مثلَ وَردِِ الليلِ في الأحواضِ
|
غصّتها..
|
ويهديها الحمامُ دموعَ حنطتهِ
|
الشجيّةِ
|
كلما كبرتْ مع الأيام أحزانُ الهديلْ!
|
ما زلتُ أسمعها تباكي النخلَ
|
ساعاتِ السكينةِ
|
بينما تبكي على أعتابها
|
في الليل أقمارُ الرحيلْ!
|
ما زالتُ أسمعُ نايها المعتلَّ في الأيامِ
|
يعلو فوق أشجارِ الحياةِ
|
مضرّجاً بنحيبه..
|
وكطائرِ الأشواكِ يفردُ جانحيهِ
|
على الخليقةِ
|
ثم يسقطُ في عشيّاتِ الجليلْ
|