طوبى لمريَمَ
|
وَهْيَ تركضُ كالغزالَة تِحتَ بدر الصيفِ
|
خلفَ ربيعها العشرينَ
|
طوبى للبلابلِ
|
وَهْيَ تجرحُ صدرَها الشفَّافَ بالآهات
|
أوَّلَ عُمْرِهَا
|
فتذوبُ كالنسرينِ
|
عيناها نوارسُ نَرْجِسٍ زرقاءُ
|
لكنَّ الحمامةَ مِنْ ذهَبْ!
|
وسماؤها جَرَسٌ مِنَ الشهواتِ
|
مشلوحٌ على دَرْبِ الِعنبْ
|
زفّتْ إليها الماءَ كي تتزوّجَ الصفصافَ
|
لكنّ اليمامَ اختارَ محبرةَ الهديل!
|
وراحَ يكتبُ للقرى البيضاءِ
|
تلكَ حبيبتيْ!!
|
ما أعذبَ اللوزَ الذي ينمو على أهدابها السوداءِ!
|
أعذب من صلاةِ الصبح في صيفٍ بعيدٍ...
|
ما أحنّ حفيفها الهادي على الريحانِ!
|
سبعُ رسَائلَ انتحَرتْ على ترتيلها المجروحِ
|
كالسُحُبِ العتيقةِ
|
وهو يقفلُ راجعاً نحوَ النخيلِ!!
|
أريدُ أنْ أبكي إذنْ!
|
أبكي مِنَ الزيتون حتى التينِ!!
|
سَبْعُ حمائمَ انتحبتْ نحيبَ الثلجِ،
|
مالتْ وَرْدَةٌ عمياءُ نحوَ النهرِ
|
وارتحلتْ مناديلُ الوداعِ إلى الحدا..
|
لكنَّ مريمَ لا تميلُ!!
|
إلى النخيلِ!
|
وقلبُهَا مرآتُهَا للغيمِ
|
تَسْمَعُ من بعيدٍ ريحَهَا الخرساءَ تعوي..
|
-والظلامُ محدَّبْ بالحزنِ-
|
تَسْمَعُ طَرْقَ أَجْرَانِ البكاءِ
|
على أعالي النَّخْلِ:
|
أنْ هُزِّي إليك بجذعِهَا!
|
فتهزُّ جذعَ الروحِ
|
مسدلةً ضفائرها على التفّاحِ!!
|
مثلَ سحابةٍ عذراءَ في أعلى القرى
|
لكنَّ رَطْباً لَنْ يَهرَّ على مراثيها،
|
بل الرمانُ!
|
هزَّتْ مرّةً أخرى
|
فهرَّتْ فوقَ راحتِهَا توائمُ مِنْ حمامٍ!
|
والغيومُ تنوحُ كالزيتون فوقَ مآذنِ الميلادِ!
|
كيفَ تصدّق امرأةً بفطرتها إذنْ؟
|
أنْ النبوءةَ زهرةٌ بيضاءُ
|
في هذا السواد!
|
وكلما مدَّتْ أصابعَهَا إلى الينبوعِ
|
كي تُحْصي سنينَ شبابها
|
طارتْ حساسينُ الصلاةِ إلى الحدادِ!!
|
كأنّها أيّوُبَةُ الأحزانِ!
|
لا ريحٌ لتحرثَ روحها بالدمعِ..
|
لا قَمْحٌ لتتركَ صوتها للياسمين
|
ولو أرادَ الليلُ ظَلَتْ كالغزالةِ
|
تحتَ بَدْرِ الصيفِ
|
خلفَ ربيعها العشرينَ
|
تحملُهُا النجومُ على سريرِ غنائها العالي
|
كأغنيةٍ،
|
وتمسحُ صدرَها بالحزنِ أقمارُ السنينْ!
|
***
|
وجهٌ لمريمَ وهي تحفرُ في زوايا الدمعِ
|
بئراً للنواحِ المُرّ..
|
وجهٌ للقصيدةِ وهي ترثي حزنَها
|
بعدَ الغروبِ!
|
أكلَّما مالتْ على شبّاكنا الأشجارُ نادمة الحفيفِ
|
بكتْ سماءُ الحزن صفراءَ الغيومِ!؟
|
وأنصتتْ أرواحُنَا
|
لنحيب مريَمَ في الجنوبِ!!
|
تخاطبُ الظلماتِ
|
جاثيةً وراءَ خريفها النائي
|
كأرملةِ الجليلِ!:
|
أنا التي أطلقتُ أسمائيْ على الصفصافِ
|
كي يَرثَ الغروبُ سكينتيْ،
|
وزرعتُ زهرَ الحزنِ في دربِ الهديلِ!!
|
أنا البكاءُ المرُّ في وجْه الرياحِ
|
أنا التماثيلُ..
|
التي نامتْ على صلواتِهَا
|
ظمآنةْ للموتِ!
|
يرثيني ضريحُ الحبِّ
|
والأشعارُ تُولِمْني قوافيها
|
لأسكنَ في عراءِ الأرضِ
|
نادبةً عذابي فوقَ أشجارِ النخيلْ!!
|
ورفعتُ حزنيْ مثل رابيةٍ على الزيتونِ
|
في هذا العويلْ!!
|
أَستَعْطِفُ الناياتِ من ألميْ!
|
وأحفرُ في جذوع الحَوْرِ أوجاعيْ الطويلةَ
|
لا صهيلٌ عادَ من بَرِّ الشآمِ،
|
ولا تراجعٌ مِنْ رُبَى نجدٍ صدى
|
لكنَّ وحيّا رائعَ القَسَمَاتِ
|
حَلّ وثاقَ أحشائيْ
|
فَهَلّ الطفلُ أجمل مِنْ صَبَابةِ
|
شَهْوةٍ زرقاءَ غابتْ في أصائل كربلاءْ!!
|
وجهٌ لمريمَ وهي تذرفُ كالسماءِ
|
دموعَهَا التعبى
|
على الينبوعِ..
|
إنشادٌ لصبحِ اللوز فوقَ مواسمِ الليمونِ
|
تلكَ صلاتَها الأولى
|
ولكنَّ انحناءةَ ضلعها القرويِّ
|
تهطلُ كالشفاءِ على يَسُوعَ!
|
كأنّهُ أيقونَةٌ مرسومةً بالدمعِ والنعناعِ
|
سبحانَ الذي تَرَكَ الحساسينَ الصغيرةَ
|
في محارمِ حزننَا ترعى..
|
وسبحانَ الذي تركَ النوارسَ
|
في سواحلِ نومنا تجرى،
|
وخلَّى للمزاميرِ الجميلةِ في الغناءِ
|
أصابعَ العشَّاقِ..
|
سبحانَ الذي مالتْ على صلواتهِ زيتونةٌ أُنثى
|
فعلّمَهَا الضياء
|
وقالَ للأشجارِ: يا..
|
كوني مباركةً، وسيريْ بالهديلِ!
|
فإنَّني أعطيكِ أسماءَ الغيابِ..
|
وقالَ للأجراس: كوني آخرَ الطيرِ التي
|
سمعتْ صلاتيْ ثمَ غابَ
|
كَشَلْحَةِ النسيانِ خلفَ مواسمِ العنَّابِ
|
غابَ ضياءُ كوكبهِ المهيبْ!!
|
لكنَّ أجراسَ اليَسُوْعِ البيضَ
|
طارتْ كالحمائمِ من شجيراتِ الصليبْ!
|
لتدقَّ عَنْ بُعْدٍ رثاءَ حدائها،
|
وتراجعتْ للبيلسانِ!
|
وكان يُجدرُ بالرسائلِ أن تموتَ
|
على صدورِ التائبينَ!!
|
وبالمناديلِ البعيدةِ أن تمزّقَ قلبَها
|
حُزْناً على حبل الأنين!!
|
وبالمواويلِ الحزينةِ
|
أن تعمِّرَ فوقَ جذعِ الليلِ
|
تمثالَ الندمْ!
|
بَلْ كانَ يجدرُ بالغيومِ السودِ
|
أن تبني قباباً للمراثي
|
فوقَ جثمانِ الحياةِ!!
|
وبالجراحِ السبع أن تلقي
|
بخرقةٍ روحِهَا الثكلى
|
صليباً للألمْ!!
|
وتمدّه في وجهِ مريمْ..
|
لتنوحَ كالطيّونِ فوقَ ربابةِ الماضي
|
وتتركَ شَعْرها يبكي على شَمْسِ الأفولِ..
|
حفيفهَ المكتوم
|
واأَسَفَاْهُ!!
|
واقفة على ظلماتِ وحشتِهَا بمفردها!
|
ورافعة مراثيها إلى أعلى الغيومِ!!
|
تدقّ بابَ الليلِ كالخنساءِ..
|
لكن الرثاءَ..
|
يمامةٌ مجروحةٌ بالريحِ في بابِ الشتاءِ!!
|
و(مريمٌ) كلُّ النساءِ
|
ونايهنَّ الأبيضُ الولهانُ!
|
مريمٌ قبراتٌ للسجودِ بلا شواطئَ
|
والبكاءُ الغضُّ للرمانِ...
|
أعراسُ الأيائلِ في قميصِ العيدِ
|
حنطةُ حبّنا في أوّلِ البستانِ..
|
واأسفاهُ!!
|
مريمُ خبزَنَا المحروقُ
|
والغيمُ الذي قد ضاعَ من أعمارنا
|
في البردِ،
|
آخرُ ما سمعنا عن وجودِ اللهِ في الإنسانِ..
|
وامرأةٌ سرابٌ
|
لا حدودَ لحزنِهَا
|
منذورةٌ للدمعِ والريحانِ!
|
تتركُ للرياحِ ضريحها الحادي
|
وترفعُ لليالي البيض طائرها الحزينَ!
|
ولو أرادَ الليلُ
|
ظلّتْ كالغزالةِ تحتَ بدرِ الصيفِ
|
خلفَ ربيعها العشرين..
|
تحملها النجومُ على سريرِ غنائها العالي
|
كأغنيةٍ
|
وتمسحُ صدرَهَا بالحزنِ أقمارُ السنينْ
|