نأتِ الديارُ
|
فمن سيؤنسُ روحكَ المهجورَ
|
من سيضمُّ حزنكَ يا غريبُ؟!
|
الأرضُ كلُّ الأرضِ
|
تسمعُ شجوكَ العالي
|
فمن يبكي عليكَ إذا نأيتَ،
|
ومن يكفكفُ دمعكَ المذروفَ منْ؟
|
يا أيها الولدُ الكئيبُ!
|
فارقتَ دهركَ، والأحبةُ قد نسوكَ
|
وصرتَ وحدكَ في مغيب العمرِ؟
|
ترفعُ راحتيكَ معانقاً أفقَ الحياةِ
|
كأنكَ الرجلُ الصليبُ؟
|
لا النفسُ طابتْ بعدهم سَكَنَاً
|
ولا سودُ الليالي بعدما ابتعدوا تطيبُ.
|
تمشي كأنكَ خاسرٌ أبداً
|
وقلبكَ ناسكُ الهجرانِ
|
يا جبلاً تخدّدهُ الرياحُ
|
وتصدعُ الأحزانُ هامته،
|
ويصرعُه المغيبُ.
|
وبكيتَ لمْ يُجدِ التأوّهُ حسرةً،
|
وصرختَ لم تجبِ القفارُ.
|
نأتِ الديارُ..
|
فيا وحيدَ الليلِ
|
كيفَ تساهرُ الأيامَ؟
|
لا صوتٌ يمرُّ بحزنهِ المغلوبِ في
|
ديجوركَ العاتي، ولا قمرٌ يُنارُ.
|
لو وردةٌ في الروحِ
|
يا ذا الحزنِ
|
لو بابٌ إلى النسيانِ
|
لو دربٌ تعرّجهُ الكنيسةُ والمزارُ.
|
لكنّ عمركَ راحلٌ في الريحِ
|
لن تجدي الطفولةُ في سنابلها
|
بهزِّ فؤادكَ البالي
|
ولن يُجدي احضرارُ.
|
يا أنتَ يقتلكَ الفراقُ
|
فَمِلْ برأسِكَ باكياً
|
فوقَ التصاويرِ التي أحببتها قبلَ الرحيلِ!
|
أواهِ كمْ أوحشتهمْ،
|
كمْ صرتَ مبتعداً وصاروا!
|
يا للأباريقِ التي شفّتْ بروحكَ،
|
والخمورِ إذا شعرتَ بدفئها
|
لكنها ليستْ تُدارُ.
|
نأتِ الديارُ،
|
وأقفرتْ بعدَ العشيةِ
|
والحمامُ لهُ هديلُ.
|
ألأنهُ الزمنُ البخيلُ؟
|
أمسيتَ وحدكَ في شمالِ الليلِ
|
تبحثُ عن أليفٍ لم يغيّبهُ الرحيلُ.
|
يا ذارفَ الدمعاتِ هذي الروحُ عاريةٌ
|
فزمّلها بطرفِ ردائك البالي،
|
وهُزَّ بشجوكَ العالي شجيراتِ النعاسِ؟
|
فليلُ فرقتها طويلُ.
|
لا شيءَ يأتلفُ المكانَ سوى
|
مرورِكَ في المغيبِ مُضيِّعاً
|
والأرضُ منعاها العويلُ.
|
ألأنَ قلبكَ دامعٌ خلفَ الطلولِ
|
بكتْ عيونُ الخيلِ في بغدادَ
|
وانجرحَ الصهيلُ؟
|
يا ويحَ حزنكَ يا بعيدَ الدارِ
|
لا حورٌ لتبكي تحتهُ مُرَّ الحفيفِ،
|
ولا حمامات ليهتزَّ النخيلُ.
|
لا قلبُ أمّكَ ناحبٌ عند الغروبِ على فراقكَ،
|
لا صبيّةُ حبّكَ البيضاءُ داريةٌ بوجدكَ،
|
ولا نوافذُ أمسكَ المنسيِّ
|
يُشرعها على البستانِ مِطلعَكَ الجميلُ.
|
طاعنتَ في الأحزانِ أياماً بلا عددٍ
|
ووخَّطكَ المشيبُ..
|
فيومكَ آزفٌ نحو الغروبِ،
|
ووجهكَ المكدودُ يعروهُ اصفرارُ.
|
(ستجيئكَ النوقُ العشارُ
|
وفوقها جثثُ الذين تحبهمْ) بعد الأوانِ
|
فلن تميّزَ ركبهمْ
|
ستكونُ شمسك قد مضتْ،
|
وتكونُ قد خلتِ الديارُ.
|