الرياضة الى الأبد - تظن الأغلبية العظمى من العرب أن زمن القومية لن يعود بعد فترات عصيبة من الهزائم والنكسات التي جعلت الإنسان العربي ضعيفا لا يقوى على المقاومة خاصة مع ازدياد حجم الهموم اليومية.
هذا ما يريده النظام العالمي الجديد.. تفتيت التلاحم الذي تمتاز به شعوب العالم الثالث بشكل عام والشعوب الإسلامية بشكل خاص عن طريق خلق المتاعب والمشاكل للأفراد والجماعات، الأمر الذي يجعل من قضايا الأمة السياسة والعقائدية موضوعا جانبيا يصعب التفكير به.
لكن، ومن حيث تدري ولا تدري.. يقف رجلا على قدميه ليكسر حاجز السكوت علنا في محاولة للتنفيس عن غضبه والتكفبر عن خطأ صمته.
محمد أبو تريكة خرج عن القاعدة "العربية" العامة مساء السبت عندما سجل هدفا جميلا في مرمى المنتخب السوداني ليرفع بعدها قميص بلاده ويكشف عن عبارة تقول "تعاطفا مع غزة".
أبو تريكة ليس ذلك اللاعب الذي يجهل القانون، كان يدرك أن رفع القميص أثناء الاحتفال بالهدف سيؤدي لنيله البطاقة الصفراء، لكنه فكر قليلا ليكتشف أن الأمر يستحق التضحية.
أهل قطاع غزة المحتل يعاني من ويلات العدوان الصهيوني طوال سنوات عديدة مضت في ظل صمت قيادي عربي يغطي عادة على الثورة الشعبية التي غالبا ما تخمد بالقمع، ومجتمع المشاهير يكتفي بالاستنكار الخجول، منهم من يشترك بمظاهرة سلمية ومنهم من يقدم أغنية وطنية، والهدف الأهم هو زيادة شعبيتهم للبقاء أكبر فترة ممكنة على الساحة.
لكن أبو تريكة ضحى في زمن لم يكترث فيه رياضي واحد بما يحدث، وهو أمر اعتاد عليه المصريون المعروفون بنخوتهم ووطنيتهم اللامحدودة، وجاء تأكيدا لأهمية المجتمع الرياضي في مصر والذي يعد من أكثر المجتمعات تحضرا في بلد يعتبر نفسه "أم الدنيا" في عالم الفن والأدب والثقافة.
آن الأوان للشباب العربي أن يتخذ من أبو تريكة مثالا يحتذى، آن الأوان لاستغلال الفرص للكشف عن آرائنا أمام العالم الأجمع، ولكي يؤمن الجميع بأننا شعب يملك صوتا قويا وفكرا لا يستهان به.
أصبح أبو تريكه بطلا قوميا، فهو لاعب لا يحب التحدث كثيرا، معروف بأخلاقه الحميدة وحبه الشديد لوطنه، وكشفه عن تضامنه مع غزة ما هو إلا تعبير بسيط عن ما يشعر به من تعاطف تجاه أشقائه المحرومين من متطلبات الحياة الرئيسية.
لقد تحدث أبو تريكة عن مصر بأكملها أمام عدسات المصورين الذين جاؤوا من كافة أنحاء العالم، وهو أمر عجز عن تحقيقه العشرات من وزراء الخارجية العرب، والعشرات من ممثلي الدول العربية في هيئة الأمم المتحدة، والآلاف من المشاهير العرب الذين اهتموا بمظهرهم الخارجي أمام العدسات على حساب قضايا شعبهم.
أبو تريكه يعد مثلا أعلى على المستوى الرياضي للعديد من الأطفال العرب الذين يحلمون بأن يصبحوا نجوما لامعة في عالم الكرة المستديرة، والأن أصبح رجلا يتطلع إليه الصغار والكبار، الأطفال والشيوخ، الرجال والنساء، الغني والفقير، بنظرة الفخر والاعتزاز.
نأمل أن تمر الصورة كثيرا في مخيلة اللاعبين العرب في كل مكان، ونأمل أن نرى أكثر من "أبو تريكة" في ملاعبنا الخضراء.
أبو تريكة أثبت أمرا واحدا في غانا ألا وهو.. فلسطين دائما في القلب.