أسباب التعاطي:
أولا: الأسباب الأسرية: تلعب الأسرة دورا أساسيا في عملية التطبيع الاجتماعي لأفرادها الذين هم أفراد المجتمع ذلك أنها الجماعة التي يرتبط بها الفرد بأوثق العلاقات وهي التي تقوم بتشكيل سلوك الفرد منذ مراحل نمه الأولى. ولا ينحصر تأثير الأسرة في مرحلة الطفولة وإنما يمتد ليشمل جميع المراحل العمرية المختلفة فيشمل كل جوانب شخصية الفرد. وتدل معظم الدراسات بما لا يدع مجالاً للشك أن الشباب الذين يعيشون في أسرة مفككة يعانون من المشكلات العاطفية والاجتماعية بدرجة أكبر من الذين يعيشون في أسر سوية. وأن أهم العوامل المؤدية إلى تفكك الأسرة هي الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو عمل الأم أو غياب الأب المتواصل عن المنزل. كما أن إدمان الأب أو الأم على المخدرات له تأثير ملحوظ على تفكك الأسرة نتيجة ما تعانيه أسرة المدمن من الشقاق والخلافات لسوء العلاقة بين الفرد المدمن وبقية أفراد الأسرة. ويعتقد بعض الباحثين أن هناك صفات مميزة للأسرة التي يمكن أن يترعرع فيها متعاطو المخدرات، فيرون أن أهم هذه الصفات هي عدم الاستقرار في العلاقات الزوجية وارتفاع نسبة الهجر. ويعتبر الطلاق من بين أبرز العوامل المسببة للتصدع الأسري وجنوح الأحداث ذلك أنه يعني بالنسبة للحدث الحرمان من عطف أحد الوالدين أو كليهما وكذلك الحرمان من الرقابة والتوجيه والإرشاد السليم. وتوضح دراسة أجريت في الأرجنتين شملت ألف حالة من الأحداث لمعرفة تأثير الأسرة في الإدمان على المخدرات، أن نسبة كبيرة من الأحداث قد تعرفوا على العقاقير المثيرة للنفس عن طريق تعاطي العقاقير الطبية التي يصفها الطبيب لأحد أفراد الأسرة أو التي تتعاطاها الأم من تلقاء نفسها. ووجد أن الإسراف في استهلاك هذه العقاقير يشكل قاسماً من عادات الأسرة مما يؤدي إلى اكتساب الأبناء عادة تعاطي هذه العقاقير لأغراض مختلفة. وتؤثر الرقابة الأسرية وقيام الأب بدوره، على سلوك الشاب بأن تدفعه نحو تعاطي المخدرات أو تبعده عن هذا الاتجاه. فالرقابة السليمة من شأنها أن تقلل من فرص احتكاك أفراد الأسرة بالجماعات المنحرفة إلى جانب إسهامها في عمليتي الإرشاد والتوجيه التي يعتبر أفراد الأسرة لا سيما من هم في مرحلة المراهقة في أمس الحاجة إليها. وتشير الدراسات المختلفة إلى أن تعاطي المخدرات ينتشر بين أوساط الشباب المنتمين إلى أسر ذات رقابة أبوية ضعيفة أو معدومة.
ثانيا: رفاق السوء: مما لا شك فيه أن للأصدقاء والأصحاب دور كبير وبارز في التأثير على اتجاه الفرد وسلوكه العام. فلكي يبقى الشاب عضواً في الجماعة يجب عليه أن يساير أفرادها في عاداتهم واتجاهاتهم السلوكية سلبية كانت أو إيجابية. وهنا نجد الشاب يبدأ في تعاطي المخدرات في حالة تعاطيها من قبل أفراد الجماعة، رغم ما قد يجده من صعوبة في التعاطي في بداية المشوار فقط من أجل أن يظل مقبولا بين أصدقائه، ولا يفقد الاتصال بهم. وقد أكدت إحدى الدراسات على أن أغلب الشباب إنما يحصلون على المخدرات من أصدقائهم الذين في مستوى سنهم، مما يؤكد الأثر الكبير لجماعة الرفاق في تحديد الاتجاهات السلوكية. إن التناقض الذي يعيشه الشاب في المجتمع قد يخلق لديه حالة من الصراع عند تكوينه للاتجاه نحو تعاطي المخدرات، فهو يجد نفسه بين مشاعر وقيم رافضة وأخرى مشجعة. لذا فإنه عندما يلجأ إلى الأصدقاء الذين يتبنون ثقافة تشجع المتعاطي على الولوج في هذا السلوك، فإن تورطه في مشاكل التعاطي والإدمان على المخدرات يكون واردا. وتعتبر ظاهرة التجمع والشلل بين الشباب من الظواهر السائدة في المجتمعات العربية، وهذا ما يلاحظ في تجمع الشباب في الشوارع والأندية والأزقة، والرحلات الأسبوعية، والتجمع الدوري في بيوت أحد الأصدقاء والسهرات في ليالي الإجازات وفي العطلات الرسمية. هذه التجمعات كثيراً ما تؤثر على سلوك الأفراد سواء بالإيجاب أو بالسلب. كذلك هو الحال بالنسبة للسجون غير المنظمة والتي تزخر بها المجتمعات العربية بالذات حيث يوضع السجين الجنائي مع سجناء الإدمان وما شابه ذلك. ولما كانت ظروف السجن ظروفا غير طبيعية فإن ذلك يعني سهولة إقامة علاقات الصداقة الحميمة بين المسجونين وتوطد هذه العلاقات بين الجماعة الواحدة التي تمتد لمرحلة ما بعد السجن ملقية بآثارها السلبية على الاتجاه السلوكي للشاب، فيبدأ في الانغماس في تعاطي المخدرات، أو المتجارة فيها. ولعل أبرز ما يساعد على تعزيز هذا السلوك هو عدم تقبل المجتمع للشخص المنحرف وصعوبة انخراطه مع الأسوياء حتى من الأهل الذين ربما يتبنى بعضهم مواقفا سلبية في بعض الأحيان حفاظاً على سمعتهم ومكانتهم بين الناس. لذا لا يجد الشاب أمامه إلا طريقاً واحداً وهو جماعات السجن التي تقبلته ولازالت قابلة لأن تتقبله بصدر رحب وتشعره بالاستحسان والرضا.
ثالثا: ضعف الوازع الديني: يقف التشريع الإسلامي موقفا صريحا وواضحا تجاه تناول المسكرات والخمور وتعاطي المخدرات، حيث يتبنى موقف التحريم القطعي. وتحث المبادئ الأساسية في المنهج الإسلامي على الابتعاد عن كل ما هو ضار بصحة الإنسان، وذلك يشمل تعاطي المخدرات باعتبارها موردا من موارد الضرر الصحي والنفسي والاجتماعي. يقول عز من قائل: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). إن الشخص المؤمن والملتزم بشريعة الله لا يمكن أن يقدم على تعاطي هذه المواد تأسيسا على قاعدة الالتزام الديني، وابتغاءا لمرضاة الله سبحانه وتعالى وتجنبا لسخطه، رغم أن المنهج الإسلامي لم يتبنى التحريم الأعمى لهذه المواد وإنما أبان وأكد على فلسفة التحريم وأهدافه. كما أعطى دروسا علاجية عندما لجأ إلى التحريم في مجتمع يعاني من الإدمان بصورة تدريجية. وقد بلغ التحريم في المنهج الإسلامي لهذه المواد لدرجة أن تم تحريم حتى المواد ذات التأثير البسيط والتي من الممكن أن تخلق إدمانا مع مرور الزمن. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام).
رابعا: فساد البيئة المحيطة وسهولة القوانين: هذا هو السبب الشائع في جميع الدول حيث يلاحظ تبني الجهات الرسمية للقوانين الوضعية التي تعجز عن فرض العقوبة الملائمة لحجم الجرم كما هو الحال بالنسبة لقوانين العقوبات في المنهج الإسلامي. إن فلسفة العقوبة في أي تشريع سماوي كان أو وضعي لكي تكون سليمة لابد وأن تبنى على أساس النفع الاجتماعي وليس الفردي فحسب. فالعقوبة لا يجب أن تردع المذنب دون أن تحمل الأثر الرادع على المحيطين في المجتمع، وإلا كانت العقوبة ناقصة.
خامسا: أوقات الفراغ: تلعب أوقات الفراغ دورا كبيرا في اتجاه أفراد المجتمع لا سيما فئة الشباب نحو تعاطي المخدرات والمواد الكحولية بغرض شغل هذا الفراغ، ثم تتطور الحالة إلى أن تصل إلى حالة الإدمان التي يصعب علاجها. إن الشباب يحمل بين أضلاعه طاقة كامنة كبيرة لابد من تفريغها، فإذا لم تتوافر في المجتمع المحيط الوسائل السليمة والصحية لإفراغ هذه الطاقة كانت النتيجة الطبيعية هي الاتجاه نحو الانحرافات السلوكية والتي على رأسها الإدمان.
سادسا: الحالة الاقتصادية ووفرة مواد التعاطي: إن تمتع بعض الشعوب بالحالة الاقتصادية الجيدة والدخل فوق المعتدل نسبيا كما هو الحال بالنسبة لبعض دول الخليج مثلا، مع ضعف الرقابة الأسرية وسهولة القوانين المعمول بها ووفرة مواد التعاطي كلها عوامل تدفع بالفرد للاتجاه نحو تعاطي المخدرات أو المواد الكحولية، وانتشارها. كذلك هو الحال بالنسبة لسهولة السفر والتنقل بين الدول التي يقوم اقتصاد بعضها على الدعارة والمخدرات كدول شرق آسيا وأفغانستان وبعض الدول الأوربية والأفريقية وأمريكا.
سابعا: الثقافة السائدة: تلعب الثقافة السائدة في المجتمع والأسرة دورا كبيرا آخر في التوجه نحو هذا السلوك وعمل على تعزيزه مما يعقد العملية العلاجية. فمن بين بعض الثقافات الخاطئة مثلا الاعتقاد بوجود العلاقة القوية بين المخدرات والجنس، كما هو الحال بالنسبة لمتاطي القات مثلا. كذلك العادات الاجتماعية والتقاليد المتعارف عليها والتي قد لا تبعث على التعاطي فقط وإنما ترغم الأفراد عليه، كما هو الحال في المجتمعات اليمنية حيث يعتبر من لا يتعاطي القات فردا شاذا أو بخيلا، لا سيما في الجلسات الاجتماعية التي يمارسها أفراد المجتمع اليميني رجالا ونساءا.
ثامنا: العلاجات الطبية: يعتبر من بين أسباب تعاطي المخدرات استخدام بعض الأدوية دون استشارة طبّيّة أو التشخيص الطبي الخاطئ الذي قد ينتج عنه وصف علاج طبي بأحد العقاقير المخدرة وبالتالي خلق حالة إدمان لدى المريض. هذه هي أبرز الأسباب المؤدية إلى التعاطي وليست كلها، ففي المجتمعات الإنسانية الكثير مما يعمل عمل المشجع والدافع نحو الانجراف وراء هذا السلوك الشاذ. والتي سنتناول بعضها من خلال سياق عرض هذا الملف. عوامل انتشار المخدرات: تساعد على انتشار المخدرات عدة عوامل، أبرزها: 1. المكاسب الضخمة من جرّاء زراعة و صناعة الخمور والمخدرات. 2. المكاسب الضخمة من وراء تجارة الخمور والمخدرات، ولذلك سعى في زراعته من لا هم لهم سوى عبادة الدرهم والدينار غير مبالين بما يلحقونه بالإنسان من ضرر بالغ وفي الأرض من فساد عريض. 3. استخدام الفقراء والمعدومين وهم الشريحة الكبرى من سكان شرق آسيا وإفريقيا في التهريب. 4. ضعف القوانين المحلية والدولية في التعامل مع جريمة التعاطي أو المتاجرة. 5. دور المافيات والتنظيمات الدولية في التجارة والصناعة، والذين يعملون جهدهم على تشجيع زراعة المخدرات وإنشاء عصابات التهريب، وشبكات الترويج، من خلال السيطرة على أجهزة الإعلام المختلفة والإمساك بزمام اقتصاديات بعض الدول. 6. دور الحركات الصهيونية في بث الفساد في المجتمعات الإسلامية والعربية والمجتمعات الفقيرة الأخرى من أجل فرض السيطرة والنفوذ. 7. فساد ذمم كثير من الأمناء على مصالح الناس والمفترض بهم تقديم الرعاية الاجتماعية بدلا من العمل على هدم المجتمعات الإنسانية لتحقيق المطامع الشخصية. 8. تورط الكثير من المستوردين في كثير من البلدان في هذا الفساد الأخلاقي مما يسهل عملية إدخاله وترويجه.
|