المضادات الفيروسية Antiviral drugs
تصيب الإنسان أمراض متعددة ذات أسباب مختلفة ، وتتسبب الفيروسات في أمراض متفاوتة الخطورة مثلت اختبارات حقيقية للطب على مر العصور . وتشكل الوقاية إلى جانب التلقيح
السلاح الأنجع لتفادي الأمراض الفيروسية ، لأن المضادات والأدوية التي تقضي على الفيروسات قليلة جدا، نظرا للمشاكل التي تعيق البحث في هذا المجال. إذ أن عدد المضادات الفيروسية الموجودة حاليا لا يتجاوز الخمسين مقابل عدة آلاف من المضادات الحيوية.
من الصدفة إلى العمل المدروس
الفيروس هو كائن مجهري مكون أساسا من حمض نووي محاط بغشاء بروتيني ، وهو يعيش متطفلا داخل خلية تضمن له التكاثر ، وتتسبب أغلب الفيروسات في أمراض متفاوتة الخطورة .
تتكاثر الفيروسات بسرعة بواسطة مضاعفة الخييط النووي DNA ، وتشكل النكليوزيدات أهم المواد الأولية لإنتاج نسخ DNA، لكن عند تغيير هذه النيكليوزيدات أو تعديلها فإن الأنزيمات التي تمكن من مضاعفة DNA لا تتعرف عليها وبالتالي لن تتم هذه العملية ولن يمكن الحصول على فيروسات جديدة ، وفي السبعينات مكن تعديل نيكليوزيدات من محاربة بعض الأمراض ، وقد اكتشفت المضادات الفيروسية إقتداء بالتجربة التي أجريت على الخلايا السرطانية في نهاية الأربعينات والتي اعتمدت نفس المبدأ. وهكذا تم اختيار العديد من الجزيئات الطبيعية ومشتقاتها عن طريق الصدفة حيث أبان بعضها عن القدرة المضادة للفيروسات . لكن العلماء والباحثين فكروا في العمل المدروس عوض الاعتماد على الصدفة والحظ ، لأن التطور العلمي مكن من معرفة التسلسل البروتيني والحيز النشيط للعديد من البروتينات الفيروسية ومقارنتها مع بروتينات معروفة سابقا ، مما خول تجريب مضادات البروتينات المعروفة على البروتينات الفيروسية المكتشفة . وقد تم تسهيل البحث وإعطائه منهجية أكثر، عندما استعملت الأنظمة المعلوماتية المتطورة التي تستخدم برامج لدراسة البروتينات الفيروسية وتصنيفها وتساعد على اقتراح مضادات محتملة .
مشاريع إعداد المضادات الفيروسية
استطاع علماء الفيروسات معرفة مختلف أصناف هذا الكائن الحي ، كما تعرفوا على مراحل الحياة والتكاثر لكل صنف ، وتتحد هذه المراحل في جذع مشترك رغم وجود اختلافات بسيطة ، إذ ينمو الفيروس عموما عبر ثلاث مراحل :
-
دخوله إلى الخلية المستهدفة.
-
إنتاج الخلية للعناصر الضرورية لتكاثر الفيروس.
-
خروج الفيروسات الأبناء بعد حصولها على المكونات التي أنتجتها الخلية .
وللقضاء على الفيروس يجب العمل على إيجاد مضادات تعمل على وقف نمو الفيروس في إحدى مراحل نموه ، وتبنت هذا المبدأ العديد من الأبحاث رغم الصعوبات التي تعترض الباحثين في هذا الباب والتي سنذكرها في نهاية هذا المقال. وفيما يلي عرض لبعض مشاريع المضادات حسب مراحل نمو الفيروس :
عقبات ومشاكل
ترجع القلة الكبيرة للمضادات الفيروسية إلى عدة مشاكل وعراقيل نذكر منها:
-
عندما يدخل الفيروس في الخلية فإنه يرتبط بها ويندمج مع مكوناتها ، ولذلك فإن المضادات التي تقصد الفيروس قد تقضي على الخلية أيضا ، ويعمل الباحثون على إيجاد مضادات تحارب الفيروس فقط دون الإضرار بالخلية .
-
قد يحصل نجاح كبير لبعض المضادات على مستوى التجارب المخبرية لكن التطبيق على الإنسان لا يأتي بالنتيجة المرغوبة.
-
تتطور الفيروسات بشكل كبير ولذلك يصعب رصدها والقضاء عليها ، فبمجرد توصل العلماء إلى بعض المضادات فإنها تلقى مقاومة من الفيروسات التي تغير الشكل والبرنامج الوراثي للأجيال القادمة للهروب منها.
-
ويعاب كذلك على هذه المضادات تسببها في العديد من الأعراض الجانبية ، والتكاليف الباهضة لاكتشافها ودراستها.
وفي انتظار تطوير هذا الميدان ، تبقى اللقاحات هي الوسيلة الأنجع للوقاية من الفيروسات . واللقاح الوقائي هو منتج قادر على ضمان وقاية مناعية ضد المرض ، ويتكون من الفيروس نفسه لكنه يكون غير ممرض وغير قادر على التكاثر .
ويعمل الخبراء على تطوير نوع آخر من اللقاحات وهي اللقاحات الاستشفائية والتي تعتمد على نفس مبدأ اللقاحات الوقائية لكنها موجهة إلى أشخاص أصيبوا بالمرض لتدعيم مناعتهم ضده . ويعقد الأمل كذلك على الأبحاث المنصبة على بروتين يدعى انترفيرون interferon يركب من طرف الخلايا المصابة بالفيروس لحماية الخلايا المجاورة.
حار العلم الحديث بالرغم من التقدم الكبير الذي وصل إليه ، في إيجاد حلول حاسمة للقضاء على الفيروسات ، هذه الكائنات المتناهية في الصغر تقول للناس عامة وللمتكبرين من العلماء خاصة : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " .