تعتبر كلمة الانضباط للكثير من الآباء في هذا الزمن كلمة بذيئة. ولذلك هل نحن نربي جيلا من المتسكعين المعادين للمجتمع؟ هنا تناقش كوراين سويت بعض جوانب الموضوع. تقول سويت "انني ام كسولة، اعترف بذلك. فصديقاتي يطعمن أطفالهن ويستحممنهم ومن ثم ينامون بالضبط في الساعة السابعة والنصف من كل ليلة. بينما ابنتي التي تبلغ سن السادسة ربما تتقفز في تلك الأثناء حول غرفة الجلوس وكأنها نجم موسيقي بوب، أو تلحس اللبن من الطاسة مثل القطة حتى نصرعها الى السرير صرعا مع وعد بفصل لهاري بوتر Hary Potter وذلك ما بين الثامنة والتاسعة مساء وأحيانا في وقت متأخر أكثر. أقر بأنني في الجانب المتساهل من التربية، ولكن لا يعني ذلك أن ليس لدي آراء جوهرية نهائية أحيانا. في أحيان كثيرة لا أقول غالبا "لا" ولكنني أقولها عندما اعنيها ومن ثم اصر عليها. فأنا مثل كثير من مربي الأطفال العصريين "أعزي نفسي" الذين تمت تنشئتهم بصرامة، وقساوة أو عاديا بضجر، شعروا أنهم غير سعداء بفرض نظم صارمة. ربما يقود هذا بعض الآباء لأن يكونوا متسامحين الى أبعد حد، ومن ثم عندما يأتي ظرف ضاغط إلى مرحلة مثيرة نهائية، ينفجرون مثل البركان تجاه أطفالهم ما يسبب صدمة كلية لمحبوبيهم الصغار. يجب على الآباء ألا يقلقوا كثيرا من تقويم أطفالهم في الاتجاه الصحيح كما تشير بذلك كثير من كتب التربية المباعة. علينا أن نقلق من أن ينشأ الأطفال ويصبحوا أعداء للمجتمع من المتسكعين، أو أسوأ من ذلك. مدمني تدخين، وسراق سيارات. ولكننا لا نستطيع أن نتفق أي اسلوب تربية هو دائما على خطأ. فهل الأطفال "السيئون" يأتون من عوائل مهملة متساهلة، أو أننا نلقي اللوم على الرفقاء المقربين؟ يقول العالم النفساني والكاتب دوروثي روي "التربية المتساهلة على نحو شامل تجعل الأطفال يحسون أنهم غير آمنين. اذ يشعرون وكأنهم غير موجودين، عندما يحتاجون للاحساس بأنهم مهمون". الآباء المفرطون في التساهل، والذين يقرون بكل شيء، يمكن أن يجعلوا فعلا الطفل يحس بأنه مهمل، خصوصا اذا كان ذلك بسبب أن الآباء مهتمون ببعضهم بعضا كثيرا أو مركزين بافراط بحياتهما الخاصة. فهناك قول مأثور قديم يعبر عن هذه الحالة، كما يشير دوروثي روي، إلى أن "طفل العاشقين دائما يتيم". فالأيتام معزولون، مستاءون ومهملون. مثل هؤلاء قد ينشأون وفي غياب رعاية الوالدين غير أسوياء وإن كانوا مكتفين ماديا. من جانب آخر الآباء الصارمون بافراط يمكن أن يقعوا ايضا في مشكلات فالرغبة في السيطرة وجعل الطفل يتأقلم مع عالم الكبار من أجل راحتهم الخاصة يحول الأب أو الأم الى قاعدة شاذة. في منزل صديقة لي، شاهد ت قائمة ملصقة على جدران غرفة نوم ابنتها البالغة من العمر أربع سنوات تحثها بألا تستيقظ قبل السابعة صباحا، أو ألا تأتي إلى غرفة والديها، أو تثير ازعاجا، وكيف تلبس، وتنظف أسنانها، وتسرح شعرها قبل تناول وجبة الافطار. لا حاجة للقول إن هذه الطفلة التي في الرابعة من عمرها قد عرفت مكانها، ومن ثم تحتقر قائمة أولويات والديها، وأعجب بالتالي لماذا لا يحصلا على قطة وليس طفلة. وأوضح دوروثي " الأباء المسيطرون يحاولون تشكيل أطفالهم بحسب ما يرغبون أن يكونوا عليه. ربما يأتي هذا من توجه ديني اذ ينظر للطفل بأنه فعلا سيئ، اذ يحتاج لصوغه في هيئة حسنة". على رغم أن قصد هذا النوع من الصرامة يتعلق بخلق مواطنين مثاليين، لكنه ببساطة يمكن أن يخطئ هدفه. ويضيف روي "عندما يكون الآباء صارمين بشدة، لا يكون الأطفال أطفالا، ويفقدون الشعور بمن هم وفي وقت ما يحسون بأنهم مهزومون وربما أصبحوا محبطين، مفصومين أو ربما حتى متمردين على آبائهم". وفي منتهى الصرامة، طبعا الضرب على الكذب، والذي وفقا للخبير روي، أكثر دمارا نفسيا: "فالآباء الذين يصرخون ويضربون الطفل على "سوء تصرفه" يحدثون احساسا سيئا لدى الطفل بينما يشعرون بالرضا عن أنفسهم". وتؤيد البحوث في جميع أنحاء العالم وجهة النظر أن المساهم الأساسي في جنح الأطفال هو العنف الأبوي تجاه الأطفال. واستطرد روي "الأولاد الذين يضربون دائما لديهم احتمال أكبر بأن يصبحوا مجرمين عندما يكبروا، بينما تنقسم البنات الى اللائي يصبحن مجرمات، واللائي يصبحن كئيبات". في الدول الأكثر تقدما اذ يعتبر الضرب غير قانوني مثل السويد "هناك أقل معدلات من انتحار المراهقين، استخدام المخدرات، الترويع والجنح" على رغم الدليل القوي ضد الفائدة من الضرب "كتأديب معقول"، لم تتبن حكومة المملكة المتحدة وسائل أكثر تقدما في ضبط الأطفال التي دعت لها على الأقل عشر دول أوروبية أخرى. في الواقع الحملات تحت شعار مثلا "الأطفال لا يقهرون!" تدعم انضباطا "ايجابيا" أكثر منه "سلبيا"، وفعليا تسمي الضرب "اعتداء" قانونيا. وقال خبير التربية والمؤلف المشارك في كتاب "تربية أطفال سعداء"، جان باركر "نحن نلحظ الانضباط بالعقوبة. الانضباط ضروري للتنمية الصحية للأطفال لأنه يساعد في تطوير العاطفة، المقدرة على التفاهم والحوار وأخذ اصابات الحياة ودقاتها والوصول الى مستويات عالية في الحياة. ويلقن الانضباط الملائم أيضا الأطفال ما فعلوه من خطأ، مما يزيد ادراكهم في ماذا يتوقع منهم، ويشجع الانضباط الذاتي ويحفزهم إلى الأفضل". ومع ذلك يجب ألا يكون الانضباط "عقوبة تتطلب ضربا، أو لوما والحاق العار لأن ذلك يجبر الأطفال على الاذعان والطاعة في المدى القصير من دون فهم السبب. وتقول سويت أعرف سيدة تضرب طفلها بانتظام في جميع أنحاء الأخطاء، ولكن مجرد تغفل صديقتي عن مراقبة الطفل، يباشر سوء السلوك بالطريقة ذاتها بالضبط. وأوضح الخبير باركر "لأن الطفل المصفوع لم يستلهم الأسباب، سيستمر في الخطأ قي اللحظة التي يغيب فيها والداه" وفي المقابل الطفل الذي يلقن من خلال الحب والاقناع ربما يتصرف حسنا بعيدا عن مراقبة والديه لأنه استلهم السبب وكيف أن تصرفه يؤثر على الآخرين. طبعا لا يعني هذا أنهم لا يخطأون - بل يفعلون ذلك - ولكن معاملة الأباء تبدو أنها تحدث الفرق هنا. ولذلك الحجة ما اذا كان الاسلوب الأبوي المتسامح أو الصارم هو الأفضل ليست سهلة ببساطة. بعضنا يحاول تكرار ما حدث لنا من تعامل، وآخرون من خلال ادراك متأخر أو علاج ربما يفعلون شيئا مختلفا مع أطفالهم. ونحن الأباء في القرن الحادي والعشرين، ربما نشعر أن كل شيء تحت سيطرتنا. ولكن الواقع غير ذلك. ربما نعتقد بأن الأطفال صفحة فارغة ينبغي الكتابة عليها ولكن ربما نخطئ في الكتابة. وأصبح الجدل القديم في أن الطبيعة ضد التنشئة أكثر تعقيدا الآن اذ بدأنا ندرك أثر التركيب الجيني علينا. ويبدو الوسط الأكثر سعادة والذي يمكن تبنيه بصفته أسلوبا للتربية هو لا صارم بافراط ولا متساهل باهمال، ذلك الذي يعامل الطفل باحترام باعتباره فردا، بينما يلزم بحدود حاسمة غير عنيفة. يقول دوروثي روي "اذا استطعت الاستماع لأطفالك وجعلتهم يحسون بالأمان وأنهم مهمون ومحبوبون، يمكنهم على الأرجح استيعاب ما تقوله وادخار أية أولويات لأسلوب تربيتك الخاص". صحيفة الوسط - العدد 306 الأربعاء 9 يوليو 2003 - 9 جمادى الأولى 1424هج خدمة الاندبندنت - خاص بـ "الوسط