الهــدية
فكرت أن يكون لقائي الأول بها مختلفاً ، ما لذي يمكن أن أهديها ؟ ساعة من الكرستال ، أم عقد من الماس ، أو باقة من الورد الجوري ، ربما خاتم من اللؤلؤ أفضل ، أو زجاجة عطر، ما الذي يمكن أن يكون ذا أثر أكبر في مثل هذا اللقاء؟
المرأة بطبيعتها تعشق المجوهرات ، لكني لا أرى فيه روحاً تؤدي رسالتي إليها ، أشعر بالميل إلى الورد الجوري ، لطالما كان القاسم المشترك للعشاق والمحبين في علاقاتهم العاطفية ، أنا أطمح لذكرى تدوم أطول من عمر الوردة التي تشيخ سريعاً ،إذاً ليس أمامي سوى أن أهديها زجاجة عطر ، ربما هي الهدية التي تتعمق حتى تصل إلى الشرايين ، هذا ما أبحث عنه ، ولكن أي زجاجة أختار ؟
جربت عشرات الأصناف ، كل رائحة منها تهمس إليك بحديث خاص ، تعزف لك لحناً شرقياً بديعاً ، فأي زجاجة هي الأنسب ؟
اهتديت أخيراً وابتعت واحدة من ذاك المتجر الشهير ، ثم أممت وجهي باتجاهها ، التقيتها في ذاك الركن البعيد الخالي تنتظر، جلست إليها وهمست لها بمشاعري ، عبق الحديث عطر المكان ، ونشر شذى الكلمات في الأرجاء ، حالة من الاتقاد ونشوى الفرح تومض في عينيها ، أنستني الهدية التي خبأتها في سترتي أنتظر اللحظة المناسبة لأقدمها لها ، كنت أبحث في معجم ذاكرتي الخاوية عن كلمات خزنتها ليلة البارحة ، استعداداً لهذا اللقاء ، فخذلتني كعادتها ، والجمتني المفاجأة
حين فتحت حقيبتها وأخرجت منها نفس الزجاجة ولكن بحجم أكبر ، لتستقر بين يدي وهي تقول : هل تقبل هديتي المتواضعة ؟ بلعت ريقي ، ورحت أطيش في تفاصيل الموقف ، ليتني أستطيع أن أخرجها من معطفي ، أي لقاء هذا ؟
ماذا لو اخترت زجاجة عطر أكبر، الآن أدركت ابتسامة البائع ، ها أنا أعود محملاً بالزجاجتين ، ورائحة غريبة تفوح بين ثنايا المعطف