القلب/انقلاب...الأمن/خلية، الأكاديمي دكتور بالاستعاضة دون التبادل، مؤرخ حسب الطلب دون العرض، شقيق مدير الأمن العام، رئيس الجامعة المتقاعد، صديق رئيس الأركان، افتتح كلية أهلية، الكلية الأهلية أقامت موسماً ثقافياً في السنة الأولى، السنة الأولى لم تصلني دعوة، فاحتلت لنفسي في السنة الثانية، الموسم الثقافي حضره كل شهير ومشهور من كل علم وفن وسيد الحضور شويعران ونويقد مأجور، والسادة أشباه العلماء في الشهادة، ومن أزقتهم حَضَرَ السيد ناقود القانوني، والمتخصص في ما بعد/ميتا نظرية الأدب، قدم محضارته القيمة، فوافقت اللجنة على قبولها، بشرط أن لا يستغرق أكثر من خمس دقائق في قراءتها، وافق بالطبع فالحفل سيحضره كل رجالات الدولة، والحظوة التي سينالها برؤيتهم لفصاحته وهو على المنبر وهم أدنى منه في الأسفل، تعدل عنده الفوز بنوبل عربية ثانية، ولكنه قرر أن يقدم لمقالته توطئة، فقال:
مقالتي هذه نشرتها جرائد لندن باللغة العربية والعاصمة الجزائرية باللغة الفرنسية، وجريدة في كندا بعنوان جريدة المغترب، وجريدة الجمهورية والعالم، وجريدة الأهرام المصرية. وإذا ترضيت أخاك فلا أخ لك، وإذا مدحت نصك فلا نصَّ لك، وأنا لا أمدح نصي لكنه نص جميل جدا، بل من أجمل النصوص.......
ومضى نشوان بسكرة الشهرة وحب الظهور، يعدد الجرائد والمجلات التي نشرت مقالته وهو يشدد على أهميتها، حتى تفاجأ بقبضةٍ تشده من ياقة قميصه وتجره إلى الأسفل حتى سقط على الأرض، سحلوه إلى غرفة مظلمة، وشدوا عينيه، وضعوه في صندوق السيارة التي انطلقت به مسرعة، أنزلوه وأشبعوه رفساً وجلداً، تسعة أشهر لم يغتسل بصابون ولم يذهب إلى بيت الراحة أكثر من مرة واحدة في اليوم، أمامي جدار، خلفي جدار، آلاف المرات قرأ كتابات السجناء الذين سبقوه، قرر أنْ لا ينقدها حتى يتوصل إلى نظرية تفسر من أين جلبوا كل هذا الحبر الأحمر، كاد جهاز الإخراج يتعطل، كانت خلاياه تعيد الاستفادة من فضلاته كالنبات، يذهب مهرولا تحت ضرب السياط ويعود راكضاً تحت السياط التي تنتظره، والشتائم مُقَبِّلات بالمجان، يأكل وجبة واحدة في اليوم، وأحياناً يضعونه في صندوق صغير، ينكمش بداخله على نفسه، يغوص إلى العمق، منذ زمنٍ بعيد وهو لا يميز بين يقظته ومنامه، باطنه وظاهره، عيناه والجدار، كلُّ شيءٍ مشتبه، لا يستبين الحلم ولا ينتبه.
- من أنتَ؟
- خلية من خلايا الكبد أقوم بـأكثر من 500 وظيفة منفصلة.
- خلية أمْنْ أم مخابرات؟
- خلية تتكون من غشاء الخلية وبداخلها السيتوبلازم والنواة، وبداخل النواة يوجد 23 زوج من الكروموسومات تحمل صفاتك الوراثية.
- أنا بريء لم أفعل شيئاً، ولا دخل لي بهذه الكوموسموسات ولم أسمع بها في حياتي كلها، هل تصدقينني؟
- يتكون الكروموسوم من ملايين الجينات التي تحتوي على الشيفرة الوراثية التي على أساسها( سننظر أ صدقت أم كنت من الكاذبين)؟
- هل تعلمون إنني بريء؟ ولكن أين مقر الأمن العام؟
- يقع الكبد في الربع الأيمن العلوي من البطن تحت الحجاب الحاجز مباشرة خلف الجزء السفلي الأيمن من الضلوع
- هل هو مَنْ أمر بتوقيفي؟
- واجبنا تدمير الخلايا التي تبحث عن الاستقلال لأنها خلايا سرطانية.
- أنا عدو الاستقلال، أنا صديق الاحتلال، أنا وطني، أنا خائن، (أنا الحقير بائع الدم والضمير، صباغ أحذية الغزاة)أنا لا شيء.
- نحن لا زلنا نبحث منذ ولادتك عن الخلايا المسؤولة عن تصنيع نوع معين من خلية سرطانية، يجب أن نعثر عليها قبل أن تبدأ في الإنقسام إلى مجموعة من الخلايا السرطانية مما يؤثر على إنشاء الخلايا الأخرى.
- أيتها الخلية توقفي لا تتركيني في الظلمات، وهذه الروائح الكريهة من أين تأتي.
- سأعود إلى المختبر حيث نطور علاجاً كيماوياً من نوع يمزج بين بيوسلفان (Busulfan) وبين علاج الهيدروكسي يوريا.
- ولكن هذا العلاج أبداً لمْ يَكُنْ فعالاً حيث أنه لا يحمل نسبة شفاء البتة، والدي مات به.
- صحيح ولكنه يعمل على انقاص نسبة الخلايا السرطانية.
- لكنَّ نسبة تولدها أسرع، فلماذا لا تتفاوضون معها؟
- هي أخبث من الشيطان، وأغدر من الذئب والعقرب.
- إنَّ مزيج الإنتروفيرون ألفا مع العلاج الكيماوي سيتارابين نجح في قتل كروموسوم فيلادلفيا السرطاني الخبيث.
- ستقتلون كثيراً من الأبرياء.
- لا يوجد حرب بدون ضحايا.
تسعة أشهر وهو لم يصل إلى سبب اعتقاله، حتى خلاياه لم تفقه لماذا عليها إعادة هضم الفضلات؟ هل كان شريكاً في محاولة انقلابية؟ هل شكاه أحدهم لسبه الرئيس وهو غالباً ما يفعل؟ هل وهل؟ حتى أرسلوا بطلبه يوماً واصعدوه إلى الطابق الأول حيث ينتظره السيد المحقق، فسأله:
- هل أنت خلية تجسس؟
- أنا خلية أمن.....
- هل هذه هي بطاقة الدعوة إلى الموسم الثقافي الخاص بشقيق مدير الأمن السابق حفظه الله ورعاه؟ نظرَ إليها وقلبها بين يديه ثم قال نعم هي.
- ألم تقرأ فيها أنَّ الأبحاث التي تلقى في الموسم يشترط فيها أن تكون غير منشورة؟
- كلا والله لم أقرأ هذا الشرط، وربما قرأته ونسيت؟
- كيف تنسى أيها الغبي شرطاً لشقيق مدير عام الأمن السابق عضو مجلس الأمن القومي الحالي؟
- الملائكة فقط هي التي لاتنسى ولا تخطئ!! صفعة قوية اسقطته على الأرض، كان كورقة صفراء آيلة للسقوط؟
- نعم معك حق البشر يخطئون، وأحمد الله أنَّ مدير الأمن السابق أُحيلَ إلى التقاعد بسبب سوء حالته الصحية، وإلا لبقيت محلك في السجن السياسي بضع سنين.
وأحيل إلى المحكمة الخاصة بعد اسبوعين من اكتمال التحقيق الابتدائي، وحكمت عليه المحكمة باسم الشعب بالحبس لمدة شهرين، وكان هو لديه موقوفية لمدة تسعة اشهر فأطلق سراحه في عفو عام وشامل بمناسبة عيد ميلاد السيدة الأولى والذي تحتفل به في السنة الواحدة ثلاث مرات، لتنافس السيدة الأولى لدولة مجاورة تحتفل به مرتين فقط، فلما سمعت بالاستزادة زادتها إلى أربع، وهكذا أفرجت تلك عن اللصوص فأصدرت هذه عفوا عاما شاملا، فقامت تلك بهدم السجون وتحويلها إلى متاحف وحدائق غناء...