ريشة شاعر
وفي يوم.. ساعة مساء..
والمساء في نفسي مزدحم على الدوام..
مساء رسمته ريشة (أبوماضي) السحرية من شعر وأحلام.. ودمع وأمل.
ذاك مساء رأيتها حلماً متجلياً بصفاء، أو ربما طيفاً عابراً كضياءً..
كانت نجوم سمائي في أمكنتها كالعادة.. ترسم في ليالي نفسي هشيماً من فرح..
كان مساء لألاء وضاء..
طيف ظهر دون استئذان..
نبت كريحانة في أرض تكاد تموت من العطش..
أشرق كشمس في ليلة ليلاء...
ودون توقّع وترقّب.. هلّت نسائم عطرية سحريّة.. جاءت من بعد أحلام..
توسدت قلباً.. بل تملكته.. وهو لها من قبل أن تشرق ذلك المساء..
لم يصدق القلب ما يرى.. لم يع للفراغ امتلاءً كلحظتها.. ولم تدرك الروح انطلاقاً كلحظتها..
تجمّعتُ حول نفسي أبحث عن أجزائي المبعثرة المفقودة..
تفرّستُ في حقيقتها.. في جوهرها.. في حركاتها وسكناتها.. وصحت في أعماقي: "ألستُ أحلم؟! أليس حلماً أن تتجسد الأحلام أمامناً.. فلا نصدق ما تراه العين وما تسمعه الأذن..".
(عجباً لأمرك أيها الإنسان.. كأنّ خبزك اليومي لا يمكن أنْ يكون غير عذاب.. غير قهر.. تكتب على نفسك الألم حتى في لحظات الفرح.. عندما تكون شاباً تفكر دائماً بالهرم.. وعندما تكون غنياً تخاف دائماً الفقر.. وعندما تكبر تتحسر على أيام الشباب).
صارت نظراتي ترتجف في اللحظة الأولى .. وكنت بتفاصيلي أرتعد مثل نور مصباح جدتي القديم..
قد يكون ذلك مجرد توجّس لا مبرر له.. أو صدمة غير متوقعة.. ربما.. لست أدري..
ثم توارت في حجاب.. كنجمة خلف سحابة.. تسرق الأحلام من واقعها.. تملأ البحر ماء.. تزرع شهب السماء..
لكنها وفي كل حال بديعة كتلك اللحظة.. فما أبدع الأحلام حين تتراءى في جنبات حقيقتها!.. ما أنبه النفس حين تتقمص أحلاماً تضيء في دياجير لا تنتهي!..
وفي لحظات تبدّل كلّ شيء...
لم يعد المكان هو المكان.. ولا الزمان هو الزمان.. هي هي.. أما أنا فلست أنا...
كانت الأفكار تترى.. تتصاعد مثل دخان مدفئة حطب في ليلة شتوية باردة...
تجمدت ألأطراف..
ابتلعت ريقي..
لكن الريق انقطع..
سمعت صوت فيروز يتراقص مغرداً من بعيد..
(ما تاري الكلام بيضلو كلام
وكل شي بيخلص حتى الأحلام)
فهل الأحلام تنتهي حقاً؟؟؟.. هذا مستحيل.. فالحياة مجموعة أحلام.. والحياة لا تتوقف إلاّ بالموت.. وحتى إننا نحلم بالحياة ما بعد الموت، فكيف تموت الأحلام وتنتهي..!
ورحت أنشد مع فيروز في همس وخشوع:
لاتسألوني ما اسمه حبيبي..
أخشى عليكم ضوعة الطـّـيوب..
والله لو بحت بأيّ حرف..
تكـدّس الليلك في الدروب..
لاتسألوني ما اسمه.. ما اسمه..
ما اسمه حبيبي..
ترونه في ضحكة السّواقي...
في رفـّـة الفراشة اللعوب..
في البحر في تدفق المراعي..
وفي غناء كلِّ عندليب..
في أدمع الشـّـتاء حين يبكي..
وفي عطاء الديمة السّكوب..
محاسن لا ضمـّـها كتاب..
ولا ادّعتها ريشة الأديب..
لاتسألوني.. ما اسمه..
كــفــاكــم.. فلن أبــوح باســمه..
حــبــيــبــي