بتـــــاريخ : 10/14/2008 6:27:37 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1348 0


    الكل يبارك ـ 1 و 2

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سمية البوغافرية | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الكل يبارك

     

     
     
     

                                                                                                           الكل يبارك ـ 1 و 2  

     

     

     

     

    سحب نفسا عميقا من الشيشة وغاب منتشيا يتلوى في جلابيته يقبض على جنان الوجود وهو يترنح ويترنم: 

     

    تبارك الله، تبارك الله على بلدكم..

     

     الله، الله على جنة الوجود..

     

     ما شاء الله، على بلد الجمال والورد والزهر والتوت والعنبر..

     

    طربت أذن الحاج، رقص عوده على إيقاع اللحن وانتفخ صدره زهوا.. امتطى جناح الشوق... طاف في جنان بلاده يقبض على الزهر والثمر...ثم ما لبث أن التفت إلى زوجتهيقول منتشيا:

     

    سمعت على لسان الغرباء ما لم أسمعه من أهل بلدي... فهم، سامحهم الله ، ما يمسكون بلحمة البلاد حتى ينزلوا عليها بترا ولعنا وسخطا. تتعكر نفسيتي بمجرد ما يتفوهون ويكبس علي الغثيان من أول ما يسطرون..

     

    بصق على يساره وأضاف بمرارة:

     

    ما أن تتلألأ بشائر الانفراج في السماء وتستعد النفس لتفرح حتى يجهضوها بأقلامهم البتارة ويغتصبوا فرحتنا بألسنتهم المسمومة..

     

    ربي ما يشمت فينا الأعداء..

     

    تعلمين أني أشك في وطنية بعضهم؟؟؟...وأحس أن ما فيضهم علينا بمياه جبهم المسموم إلا مؤامرة دنيئة ضد الشعب والبلد؟؟؟

     

    أحيانا تكون عادة متوارثة فيتغنى الكل ذات الموال دون أن يأبهوا بالعواقب..

     

    غيرنا ـ يا حاجة ـ يسكن قبورا ويعزف في بلده أجمل الألحان؟؟ ... آخرون يسرقون وينهبون ويسطون ولما تستوي الطبخة في أيديهم يطلقون حناجرهم يتغنون بالحضارات والأمجاد... أما نحن، فما كسرته اليد بددته الرياح... الناس يتعاونون على البناء ونحن نتعاون على الهدم... أفهمت، يا حاجة، حجم المأساة؟؟؟ أفهمت الآن؟؟؟

     

    الله يقينا وأولادنا شرور ألسنتهم..

     

    آمين يا حاجتي، يا ساكنة أعماقي، يا عسل مصفى... وها حدسي لم يخني، فطربت أذني في الخارج ما لم تطرب له يوما في الداخل.

     

     

     

    ـ 2 ـ

     

     

     

    بخطوات سلحفاتية، دلف الحاج إلى الفندق.. يحمل إحدى ساقيه وتنفلت منه الأخرى.. انحنى إلى زوجته ووشوش في أذنها:

     

    بعلك في خطر يا حاجتي الميمونة. ما هده العياء والعمر ابتلعه النوم.

     

    ابتسمت له الحاجة وغسلت فؤاده بشذى كلامها:

     

    غفوة ـ يا حاج ـ ستجعلك حصانا تخشى منه الأحصنة

     

    حصان البراري، يا حاجة، أم حصان السرير؟؟؟

     

    طأطأت الحاجة رأسها فنقرها برأسه الأصلع الثقيل ثم همس في أذنها وعيناه على حقيبتها:

     

    هيا اسحبي عقدي المقدس ـ يا وجه السعد ـ فلم أعد أرى شيئا أمامي غير الفراش.

     

     

     

    انطلقت يد الحاجة مسرعة تجوب جيوب محفظتها لتملأ يد زوجها الممدودة.. عرقت يدها، تذبذبت، ارتعدت، ارتعشت... سرت الرعشة في كل جسدها وشقت صدرها شهقة كادت أن تلفظ معها أنفاسها الأخيرة... فانقبضت يد شيخها ورقص أمامها عاريا من كل شيء إلا من ألسنة النيران، كأن شهقة خيبتها وقيدة مشتعلة ألقت بها في برميل من غاز فانهال عليها بقذائف لسانه:

     

    اليوم ستمزقك كلاب الدار البيضاء... اليوم سترقدين في الشارع يا الحاجة الخامجة (العفنة)...الشارع مأواك يا وجه النحس...

     

     

     

    داهمته من الخلف خطوات خاطفة...ندت في أذنه جبارة مرعبة... حامت حوله ظلال أياد طويلة تهز عجزه وتغطس عرجونه في مستنقع الرذيلة... احتوته حمى الفضيحة... تصبب جسده عرقا باردا... فأطرق رأسه مضطربا يبتلع نيرانه وينتظر مصيره الذي رسم معالمه بإحكام...

     

    ابتسم له صوت ملائكي يحييه ويعرض عليه خدماته...

     

     تطلع مذهولا إلى  المستقبل في الفندق الذي أعاد عليه:

     

    هل من مساعدة تودها يا حاج؟؟

     

    مسح صلعته يداري خجله. مرر يده على لحيته البيضاء الطويلة. أشار بعينيه إلى زوجته المحتجبة المنحنية أمامه كما الشيطان في ثوب آدمي..فهمهم بلسان متلعثم بتره الخوف من قضاء ليلته في الخلاء:

     

    يبدو سيدي أنه قد ضاع منا

     

    ضاع منكما ماذا ؟؟

     

    العقد سيدي

     

    أي عقد ؟؟

     

    عقد الزواج سيدي

     

    ضحك المستقبل ثم قال له ساخرا:

     

    وهذه زوجتكـــــــ

     

    أجل سيدي.. والله، هي زوجتي على سنة الله ورسوله وقد أنجبنا سعيد ومراد وفاـــــ

     

    الحمد لله على سلامتها وسلامتك ومرحبا بكما

     

    العقد سيدي قد ـــــــــ

     

    نحن لا تهمنا غير راحة النزيل أيها الحاج الطيب..

     

    الله يكثر من أمثالك ويبارك في عيالك (أولادك)

     

    ربت على كتف الحاجة الغارقة في البكاء كأن الحاج فقأ عينيها وفجر أنهار مقلتيها وقال لها مبالغا في الترحيب:

     

    إقامة مباركة يا حاجة.. وهذا مفتاح غرفتك في الطابق الأول..

     

    بخشونة حادة طهرت الحاجة كتفها من "دنس يد الغريب" وطهرت قلب شيخها مما تقدم وتأخر من ذنوبها فطفق يغمز لها ويرعش حاجبيه الكثيفين يغازلها:

     

    ما أجملكن حينما تتخشن في الحق وفي صون عرضكن.. ! وما أروعكن حينما تتحملن شياطين أزواجكن!...

     

     

     

    فجأة، اندفع شابان من باب الفندق يتماسحان بجسديهما الشبه عاريين .. لعن الحاج المسخ الممتثل أمامه وأطرق رأسه يتعوذ ويحوقل ينتظر أن يردهما المستقبل من الباب فإذا به يزيحه من طريقه:

     

    غرفتك في الطابق الأول أقصى اليمين يا حاج

     

    ومضى مستعجلا لاستقبال الشابين..

     

     

     

    تسلم منهما بطاقتيهما الوطنية وأمدهما بالمفتاح بعدما غمز له الشاب وأشار له بسبابته إلى رقم واحد( مجيبا عن مدة الإقامة في رحاب الفندق):

     

    ساعة واحدة فقط؟؟

     

    قبل رفيقته ورد على المستقبل وهو يحدق في عينيها النائمتين:

     

    ساعة واحدة تكفي يا عم  !!!

     

    ساعة سعيدة أرجوها لكما.. 

     

    تهالك الحاج على عضادة بوابة غرفته ويده مشلولة على إدارة المفتاح في القفل حتى دلف الشابان في غرفة مجاورة فضغط على رأسه كأنه يخشى أن ينفلت منه وهو يصرخ في أعماقه:

     

    كم أنا غريب عن مجتمعي !!! ...كم أنا غريب عن مجتمعي!!!...

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الكل يبارك

    تعليقات الزوار ()