بتـــــاريخ : 10/14/2008 6:39:13 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 890 0


    عروب وعروبة(1)

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سمية البوغافرية | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة عروب وعروبة

     

     

    الطفلة المتوحشة 

     

    داهم عشها في عز الضحى فارتجت عروبة وراحت تدفع الصخرة العملاقة التي تسند إليها ظهرها لتعتق نفسها من "الغول" الذي يدنو منها... ثم ما لبثت أن تصنمت وتجمدت الحياة في شرايينها كأنها توحدت مع الصخرة وصارت قطعة منها... فوه فاغر على لسان مشلول وعينان جاحظتان قارتان على جثمانه المهول... سكن العالم حولها فجأة، ولم تعد تسمع خرير الشلال المتدفق من أعلى الجبل ولا زقزقة العصافير ولا غثاء الغنم... لا تسمع غير دقات قلبها المنتفضة ولا ترى غير هرمه يدنو ليبتلعها...

     

     

     

    انفرجت شفتاه على ابتسامة ذئبوية ويده تمتد كما الثعبان توقظ الحمل النائم في حجرها... زج به إلى القطيع يتعثر في خطواته الأولى وفاض عليها بألوان ضوئية محاصرا إياها بجسده الضخم وبأنفاسه الخانقة... غدا سآتيك بحمل عيناه قمران يسبحان.. لونه من ألوان الشمس.. صوفه من ذهب.. قرناه الصغيران قوسي قزح... غثاؤه رنات موسيقية وله جناحي فراشة...  

     

     

     

    استكانت عروبة بين يديه تستعيد أنفاسها وترسم صورة حمل الغد تحت إيقاع لحنه ودغدغة يده التي تجوب جسدها البلوري.. كلما أبدت ضيقها من ثعبان يده ومن أنفاسه يسحب منها الحمل ويقتل حلمها باحتضان حمل ليس ككل الحملان... استفاقت عروبة أخيرا على حقيقة كابوس يومها وهي تصرخ وتولول كأن جسدها الصغير تفرقع على إثر قنبلة زرعت أسفل جسدها...رجرجت الجبال صرختها وقذفتها قنابل تطارد غريمها وفرقعات تدوي في آذان ذويها...

     

     

     

    بلغ أهلها سفح الجبل يتدافعون... الصغيرة تشير بيد مرتعشة إلى طريق غريمها والعيون قارة على بقع الشرف المهدور... ما لبثت أن اشتعلت الأيادي لدفن عروبة العار لولا أن  تدحرجت الصغيرة نحو الأسفل بينما حط غريمها عصفورا سالما يخفق بجناحيه أعلى قمة الجبل...  

     

    وحدها عروبة في الأسفل.. وحدها من لبسها العار ووحدها من تطاردها اللعنات ويتربص بها شبح الموت..

     

     

     

    اندست عروبة بين أغنامها تجتر مأساتها وتخفي شبحها الذي يثير شهوة الدماء لدى أهلها.. ودفنت نفسها بينها تدفأ بدفئها، تحدثها وتنام معها... الليالي تلف حياتها وخطوات هروب غريمها تلهث في يقظتها وحلمها... تسرع لتمسك به فإذا بها تقبض على الأشباح تخنقها في الظلام... وقفت يوما، أعلى الصخرة التي شهدت اغتيال حياتها تعقب ظلال خطوات غريمها وهو يتسلق الجبل هاربا كأنه لم يمض على سطوته غير ثوان... تراءى لها الحمل الذي رسمه لها قد كبر وصار كبشا وأنه بين يديه يذبحه أضحية العيد كما ذبح حياتها بجانب هذه الصخرة، وأنه يضحك وأطفاله حوله فرحون يمرحون كأخواتها وإخوتها حول والدها، وأنه لن يأتي وأن جرحها سيظل ثغره مفتوحا في جسدها وفي نفسها... لن يستره الجبر ولن يطفئه الثأر.. لبسها فتور عميق...ثقل رهيب حط فوق كتفيها... استشعرت رجليها تغوصان إلى أعماق الصخرة وأنها تذوب وتسيح فوقها كقطعة من الزبدة فسقطت أرضا فوق عصاها تجهش بالبكاء..

     

    من ذا الذي يقدر على حمل هذا الثقل أبد الدهر؟؟؟..

     

    من سيدفع معي هذا الجبل المتوسد فوق كتفي طول العمر؟؟؟..

     

    رن غثاء حمل صغير في أذنها فحضنته إلى صدرها تقول وعيناها تنتشيان بأغنامها المنتشرة حولها... وحدها الأغنام من تستحق الحب والثقة.. وهذه العصا لن تفارق يدي.. سأحميكم وأحمي نفسي من الذئاب.. الذئاب لها أشكال مختلفة.. أي والله.. تمنيت لو كنت نعجة لعرفته واتقيت شره... فهو يعوي وله ذيل ويشبه الكلب... أما الذئاب التي تحوم حولنا يصعب اكتشافها من الوهلة الأولى.. ليس لها أنياب بارزة.. أسلحتها كثيرة.. طرقها للإيقاع بالفريسة كثيرة وملتوية... تتسلق إلى الهدف باللحن... تسلب الرحيق فتذوب.. أعرف طرقها.. تبدأ بالغناء واللحن حتى إذا رقصت استغفلتك ونطت عليك.. وأحيانا تنط وتنقض عليك وأنت تضحك وعيناك مفتوحتان.. هي ليست جائعة.. لا تريد فقط أن تأكل وتسد رمق جوعها.. هي تحوم حول الرحيق لتنتعش...وإذا انتعشت رقصت على نغمات آهاتك.. تلك قمة اللذة عندها.. هي تسلب الحياة وتترك الجسد يتلظى.. بؤسا لها وبؤسا لمن لا يعرفها.. ذئبنا وذئبكم يتشابهان في طريق تحين الفرص للقض.. لكن لا خوف منهما... سنكون مجتمعين وسنتعاون على هتكهم جميعا... هم جبناء بمجرد ما تتفطن لهم يرعبون ويهربون..لكن لن ندعهم يهربون بعدما ينهبون ولن نتركهم ينعمون بما يسلبون....

     

     

     

    عانقت عيناها الأفق... تراءت لها صورة ابن خالتها الذي طالما لازمها كظلها يسابق الزمن فيرسم الشارب واللحية ويفخم صوته يناديها:

     

    عروبة أينك؟...

     

    أنا هنا قريبة منك

     

    أنت لي وأنا لك هل تعلمين؟؟؟

     

    أجل أمي وأمك أخبرتني..

     

    فتحمر وجنتاها وتتمنى لو يسارع الزمن خطاه لتلازم عروب الذي يغرقها بحلويات يجلبها لها من المدينة ويسحرها بأضوائها...

     

     

     

    سارحة في البعيد.. عروب ذئب؟؟.. أجل هو ذئب لذا منعتني أمي من مرافقته إلى الغابة.. كان يرغب أن ينفرد بي ليكشر.. هو ذئب.. آه، لو تظهر لي اللحظة ـ يا عروب ـ لأعرفك بحقيقة عروبة وحقيقة الشرخ الذي اعترى كيانها.. شرخ لن يردمه غير شرخ مثله في نفس العدو..كلكم ذئاب تحومون حول الرحيق.. ما أن تمتصوه حتى يضيع اللحنوتختفون... 

     

    انفتح رأس عروبة بالجرح.. وتفتحت شهيتها للدم... لا يقترب أحد منها إلا وهمت بزج رأسه بعصاها حتى صارت تعرف بالطفلة المتوحشة.
    كلمات مفتاحية  :
    قصة عروب وعروبة

    تعليقات الزوار ()