أشجار كثيرة ، ضخمة تتشابك أغصانها كائنات كثيرة تتحرك على الأرض : أسود ، نمور ، فيلة ، ذئاب ، ضباع ، ثعالب ، قرود .. و حيوانات صغيرة كثيرة، و حيوانات زاحفة ، و أخرى تعوم سابحة في مياه الجداول الجارية ، و الأنهار الصغيرة .. و طيور بأشكال متنوعة ، و أحجام مختلفة ..
كل شيء يتحرك .. كل شيء يصدر صوتا أو أصواتا ، بعض هذه الأصوات عال ، و بعضها خفيض , بعضها ناعم ، و بعضها له دوي شديد .. حتى الأشجار تصدر صفيرها و هي تتمايل بأغصانها .. و الغيوم سوداء فوق رؤوسها ..
وجد العصفور نفسه وسط هذا الجو المظلم الصاخب و أحس برعب كبير .. أحس بالضياع .. طار بكل قوته عائدا إلى الوراء .. باحثا عن عشه الصغير الجميل الدافئ الذي تركه في الصباح .. كان يرتعش و هو يبحث بعينيه الصغيرتين عن العش ..
اسمتر في طيرانه ساعة و هو يدقق نظره في كل شبر تحته بحثا عن العش .. لكنه لم يجد العش ..
تعب العصفور ولم يجد العش .. فحط على غصن شجرة ، و هو يلهث ، و قال محدثا نفسه :
( أنا خائف .. أين عشي ؟ أريد عشي .. ما أعلا أصوات الغابة ، و أكثر حيواناتها .. أين أخوتي العصافير ؟ أين أغانيها و زقزقاتها ) و أخذ يبكي .
أثناء بكائه سمع زقزقة جميلة .. صوتا صغيرا يعرفه و يحبه .. سكت ، و التفت إلى جانبه كان عصفور صغير مثله يحدق فيه .. كان على الغصن القريب منه .. قفز إلى جانبه .. و حيّاه .. و تحدّث معه ..
كان العصفور الآخر خائفا مثله .. هو أيضا دخل الغابة السوداء و شاهد الأصوات الكثيرة و الحيوانات الضخمة فخاف ، لكنه لم يجد طريق العودة .. لقد أضاع بيته .. وهو وحيد و خائف .. تحادث العصفوران .. و التفتا إلى حيث أصوات ناعمة تدور حولهما .. نظرا في الأغصان و وجدا عصافير كثيرة تنتظر خائفة .. صاح العصفور الصغير بفرح داعيا العصافير الأخرى إلى الاقتراب .. تجمعت العصافير فوق غصن كبير .. و هي فرحة .. أحست بالدفء ، و طار الخوف من عيونها اللامعة .. و استقرت أجنحتها .. تحدث أكثر من عصفور .. كان حديثا هادئا .. و اتفقت أن تجعل من هذه الشجرة الكبيرة بيتا لها .. قال عصفور :
لقد كنت صغيرا ، و دربتني أمي على الطيران .. لكنني أضعت عشي
قال آخر :
كل العصافير تغادر أعشاشها عندما تكبر ، و تبني لها أعشاشا جديدة .
و قال آخر :
نعم ، و لكن العصافير تحب أن تعيش مع بعضها ..تجلس معا ، و تأكل معا ، و تطير معا ، و تلعب ...
قال آخر :
نعم .. نتعاون في حياتنا .
قال آخر :
هيا نوزع أنفسنا .. هذا هو بيتنا .
توزعت العصافير إلى مجموعات : المجموعة الأولى تحضر أعواد القش و الريش ، و الأخرى تبني الأعشاش على الأغصان القوية، و الأخرى طارت قريبا لتحضر طعام الغداء ..و الأخرى ترفرف حول الشجرة ، و تراقب الجهات ، و هي تغرد بألحان جميلة لتسلية العاملين ...
عند الظهر .. كان صف من الأعشاش الناعمة والدافئة ، كقرية صغيرة نظيفة ، قد ملأ أغصان الشجرة ..