و يجري كل يوم بين الجبال ، و الأشجار ،
و يستمتع بتغريد الطيور ، و أغاني الرعاة ، و الصيادين ..
تغمره السعادة عندما يرى الفلاحين مقبلين للسقيا من مائه ،
و يفرح عندما يأتي الأولاد و يسبحون ، و يلعبون في أرجائه ،
و يحب أن يروي الغزلان ، و الوعول ، والذئاب ، و كافة الحيوانت ، و الطيور ، من مائه البارد ..
كان هكذا منذ زمن طويل ..
و كانت مسراته دائمة : ليل نهار ؛
إلا في ذلك اليوم الذي ملأت فيه الغيوم السماء ، و أمطرت بغزارة ، ففاض حتى امتلأ سعادة بالمياه الجديدة ، لكنه ، و هو في مساره ، يجمع الجداول الصغيرة ن ويرتب المياه ، و يوزعها فوق مساحاته العريضة ، لاحظ أن جدولا صغيراً ، يترك مساره ، و ينفلت إلى صخور بعيدة ، و يتجه إلى حيث يمتد الفضاء ..
صرخ النهر مناديا الجدول ... ناداه .. و ناداه .. إلا أن الجدول سار مبتعدا في طريقه الجديد .. قائلا بصوت بعيد :
- سأبحث عن مسار جديد !
مشى حتى وصل إلى صخور متراكمة ، و عالية ، تسد طريقا منحدرا ، التف حولها ، و تسلل من تحتها ، حتى مرت مياهه .. رأى أمامه الكثير من الشجيرات ، و الأعشاب العطشى ، ركض نحوها ، و سقاها ، جاءت طيور صغيرة : عصافير ، و حمام ، و قطا ، و حجل ، و سحالي ، و حيوانات قافزة ، و زاحفة .. ومرحة .. و شربت .. بعضها جلس يأكل غذاءه .. و كثير من أولادها كونوا حلقات لعب .. انشرح قلب الجدول ، و استقر هناك مكونا بحيرات ، وجداول تدور حول الأشجار ، و الصخور .. سمع ضحكات أصدقائه الجدد ، فازدادت سعادته .. كان صوت نداء النهر البعيد ، يصل إليهم متقطعا ، و قد ظللته الغيوم ...