أشعلتُ سراجَ السهرةِ في صحن ِالدارْ
|
وعصرتُ على الأقداحِ سلافَ العنقود ْ
|
فلماذا يصمتُ في العشقِ غناءُ الغيتارْ ؟
|
ولماذا يسكتُ في الحزنِ بكاءُ العودْ ؟
|
..
|
الليلُ سكينةُ قلبٍ ( سكرانٍ )
|
يتنزّلُ كمراثٍ بيضاءَ على صدري
|
والخمرةُ رائقةٌ ، تترقرقُ نشوتها في الإبريقْ .
|
وأنا أقطرُ صمتي في حوجلةِ الحزنِ الزرقاءِ ،
|
وماءَ عيوني في كوزِ الدمعِ الشفّافِ
|
وأنحلُّ بحزني في محبرةِ العتمةِ
|
كالأنبيقْ !
|
وأحدّقٌ من شبّاكِ العزلةِ في أنظارِ الناسِ الدامعةِ التحديقْ !
|
( أسياناً ) بالحزنِ وصوتِ الأجراسِ المهموسِ
|
أصبُّ الغصّةَ من صدري في كوبِ يديَّ
|
فتشربها الريحُ..
|
وأبكي في الصمتِ المتعبِ رقّةَ روحي
|
وأكفكفُ كالباكي
|
سيلانَ الدمعةِ عن خدِّ صديقْ !
|
نفسي غارقةٌ في سرِّ الوحشةِ
|
تتألمُ فيها أوجاعُ ( مواويلٍ ) ،
|
وتغطُّ يتامةُ أغنيةٍ في غصّتها ،
|
وتطولُ قدودْ !
|
..
|
فلماذا يسكتُ في الليلِ بكاءُ العودْ ؟
|
الآنَ سأغمضُ عينيَّ وأغفو
|
فوق حفيدِ الشجنِ البغداديِّ
|
وأستعطفُ ما فيهِ من البحّةِ
|
والآهةِ والرجفةِ والرعشةِ والأنِّة ...
|
أستعطفُ ترجيعَ الوترِ المُرخى
|
وأشدُّ على ألامِ الوترِ المشدودْ !
|
يا سلطانَ الحزنِ المرفوعِ كقلبِ العاشقِ
|
فوق ذراعيْ قمرٍ مذبوحْ !
|
رُشَّ الخمرَ على الأوتارِ
|
ورتّلْ بجميلِ الصوتِ !
|
لتسحرَ بالأصداءِ
|
سرائرَ هذا الموتِ المفدوحْ !
|
راحتكَ اليمنى عصفورٌ واليسرى كروانٌ
|
وبلابلُ أوتاركَ أجراسٌ سودْ ..
|
وأصابعكَ العشرةُ تتدلّى فوق الدمعةِ كالعنقودْ !
|
وأنا المغسولُ بماءِ الصبحِ الأبيضِ
|
قلبي نافورةُ حبرٍ تبكي
|
وعيوني ذوبُ ثريّاتٍ
|
فوق مرايا البلّورِ المجروحْ !
|
فاشرحْ صدرَ شقيقِ مراثيكَ السهرانَ
|
بمعزوفةِ موسيقى !
|
موسيقاكَ غديرٌ يسقي بستانَ دموعي ،
|
ويربُّ بماءِ الوردِ الروحْ !
|
موسيقاكَ شروقٌ يتقطّرُ كالعنبِ المخمورِ
|
على شفة الظمآن
|
وفجرٌ يشرقُ كالتفّاحةِ
|
والإشراقُ يفوحْ ..
|
وشموسٌ تتشعشعُ ناعمةً تحت المطرِ العاطرِ
|
والرمّانُ على الأغصانِ جروحْ ..
|
ما أصدى صوتكَ حين تغنّي
|
سكرانَ الصوتِ بأسبابِ عذابكَ في أسماعِ حزاناكَ
|
وتوقظُ في الليلِ الطاهرِ فردوساً من سكراتْ !
|
..
|
ما أصفاكَ وأنتَ تسوحُ عليلَ الأصداءِ على شطآنِ الغبطةِ
|
فترقّصُ سكّيراً تحتَ المطرِ الموحشِ
|
أو تحفرُ في جسدِِ العودِ ضريحاً لغناءٍ ماتْ !
|
..
|
فترقرقْ كيفَ تشاء على موسيقى الحزنِ الأزرقِ
|
واغرقْ في سَكْرَةِ موسيقى
|
تتقطّرُ كالزنبقِ من غصنِ الأمطارْ !
|
لا تتركْ قلبي يتأرجحُ كالمصباحِ المطفأ في صحنِ الدارْ !
|
فلقد ذابَ الصمتُ
|
وأبحرَ عقلي كشراعٍ أبيضَ في الليلِ
|
وصارتْ كأسي نهداً يتطلّعُ نحو القمرِ المولودْ !
|
..
|
فلماذا يسبحُ بالدمعِ غناءُ الغيتارْ ؟
|
ولماذا يتجاوبُ مجروحاً صوتُ العودْ ؟
|
..
|
يا سلطانَ العزلةِ إملأْ طاسكَ من سكراتِ القديسينَ
|
وذُبْ ساعةَ حزنٍ في صوفيّةِ هذا الليلِ
|
المتلألىءِ تحتَ جمالِ اللهِ ،
|
كمئذنةٍ في الأسحارْ !
|
ذُبْ كالراهبِ في بركةِ ضوءٍ ورديٍّ
|
وادفنْ سرّكَ في بئرِ الأسرارْ !
|
فدروبُ الصبحِ قناديلٌ تتدحرجُ فوق حجابِ الدنيا البيضاءِ
|
وبعد قليلٍ تصبحُ روحكَ قبّرةً
|
تقرعُ بابَ الجنّةِ
|
وتدوزنُ بالزقزقةِ الأنهارْ .
|
فاسرحْ بخيالكَ في هدأةِ موسيقى ...
|
كم صمتكَ في الصمتِ جميلٌ ،
|
ورقيقُ الآسِ ..
|
أأنتَ من الروحِ بحيث تشفُّ حزيناً
|
كسراجِ البلّورِ
|
فتسكرُ مما فيكَ شفاهُ الكاسْ ؟
|
أم أنتَ من الرقّةِ والعطف ِ
|
بحيث تذوبُ بعينيكَ دموعُ الناسْ ؟
|
نامَ الكونُ وغابتْ في الغيبوبةِ روحُ المرأةِ
|
والنشوةُ تتغلغلُ في الجسدِ العاشقِ كالأمواسْ ..
|
لكنّي ما زلتُ أراكَ بعيداً ،
|
منحنياً فوقَ أنينِ المعزفِ
|
كملاكٍ يبكي فوقَ النعشِ ،
|
كمحتضرٍ يشربُ ماءَ مغيبِ الشمسِ
|
وينثرُ فوق أغانيهِ الميتةِ
|
إكليلَ ورودْ .
|
إصح قليلاً
|
ليرفرفَ طيرُ النشوةِ
|
بين قلوبِ السهرانينَ ،
|
وينشقَّ عن الغسقِ النورانيِّ
|
صياحُ ديوكِ الفجرِ على الأسوارْ !
|
ويصير إلى أجنحةٍ وفراشاتٍ هذا الجسدُ الدودْ .
|
هطلتْ غيمةُ صيفٍ في باصرتي
|
فانسابَ شرابُ اللوزِ رضيعاً من صدري
|
وتلامعَ قزحٌ أخضرُ في صحنِ الدارْ !
|
..
|
فلماذا يسكتُ عن هذا السحرِ صداحُ العودْ ؟
|
ويغمُّ جريحاً ترجيعُ الغيتارْ ؟
|
..
|
فالليلُ رقيقُ المرآى
|
والخمرةُ رائقةٌ في الإبريقْ !
|
مسَّ شغافي السكرُ
|
فأقمرَ قلبي كهلالٍ في الليلِ
|
وشقّتْ عينايَ إلى فردوسِ الفجرِ طريقْ !
|
لكنَّ المرأةَ لم تأتِ بكاملِ شهوتها
|
لتصفّرَ في القدحِ الصامتِ
|
أنغامَ أنوثتها ،
|
ونباشرَ بالشربِ التحليقْ .
|
فالليلُ مليءٌ بالبحرِ وريحِ النشوةِ
|
والأفقُ المفتوحُ على الغامض ِ
|
يغري بالإبحار ْ .
|
إشتعلَ الليلُ ضياءً قزحيّاً
|
..
|
وروائحُ أزهارِ الليمونِ الريّا
|
تتلألأُ كالأثداء ِ
|
وتوقظُ كوناً من أسرارْ .
|
ما أبهجَ أن يخضوضرَ هذا الصمتُ الربّانيُّ رنيناً
|
ويصيرَ هواءُ الأشجارِ رحيقاً ،
|
وأنا ينبوعاً يتشهّى العنبَ الأحمرَ في النهدينِ
|
و يرضعُ تحتَ الأشجارْ !
|
ما أبهجَ أن يغدو الإبريقُ كناريّاً بين غصونِ اللوزِ تُدارْ !
|
..
|
فلماذا تثلجُ دمعاً أوتارُ الغيتارْ ؟
|
..
|
يا صاحبةَ الصوتِ الأندلسيِّ
|
على شباكي تتناثرُ كفراشاتِ الوردِ
|
أصابيعُ الثلجِ
|
فتبيضُّ جدائلُ داليةٍ
|
ويشيخُ الزيتونُ !
|
من أيّ سماءٍ يتحلّبُ هذا الماءُ الماطرُ ،
|
من أيّ فضاءٍ أزرقَ ينحلُّ على الروحِ سكونُ ؟
|
يا خمسَ سنابلَ من خصلٍ شقراءَ
|
ترشُّ الضوءَ على وجهي المكسورْ !
|
يا سربَ حساسينَ ينقّرُ صدري
|
فتدورُ مع اللحنِ رحى الحزنِ الإيقاعيِّ
|
وتطحنُ ذراتِ البلورْ
|
عيناكِ قطاتانِ تغطّانِ على غصنِ دموعٍ
|
ويداكِ كماناتٌ وسنونو ...
|
فدعيها توقظُ رجعَ النهوندِ المعجونِ بحزنِ العشّاقِ
|
لترقصَ روحانا كجناحينِ على المعزفِ
|
فشحاريرُ الليلِ سهارى
|
والأرواحُ سكارى
|
تتمشّى تحت شجيراتِ الفردوسِ
|
وقد ذابَ العاشقُ في رؤيا المحبوبْ !
|
والسحرُ بهذا الليلِ جمالٌ مصلوبْ !
|
فأريحي الروحَ بأغنيةٍ
|
تجعلُ أوجاعَ العاشقِ
|
تتدفقُ كالوردِ الأحمرِ من جرح ِكمانْ ...
|
تجعلُ راهبةَ الصفصافِ الثكلى
|
تتباكى لذبولِ أخيها الرمّانْ !
|
تجعلُ من صرخةِ حبٍّ يائسةٍ
|
كرواناً يتزوّجُ في الصبحِ الباكرِ كلَّ حماماتِ البستانْ .
|
* * *
|
رحلَ الصاحبُ والمرأةُ ذابتْ كالشمعةِ
|
في الكأسِ
|
وظلّتْ تتجاوبُ أصداءُ الغيتارْ
|
كنوافيرٍ سكرى في صحنِ الدارْ .
|