غادرتنا دون وداع .... يا أبا عبد الله !
كأقرانه رفاق الصبا اليانع , وقفشات الطفولة وصخب ذكرياتها وضجيجها المحلى بفطرة البراءة .
كان يدون سنينه الطرية والتي توقف قطار مسيرها بعد حين , ففي أجواء لم تختلف كثيرا عمن أحتظنهم الحي القديم بتاريخه وبيوتاته الشرقية القديمة , وبقانون الألفة ولغة التكافل وقانون أبن الجيران أو القريب مع صلة الرحم التي كانت آرث الجميع انذاك .
ولد ليشق طريقه بقدر الصعاب والتميز عمن زاملهم , حيث الأحلام التي وهبت له بفطنة كنا نحسده عليها , ومن ثم الوصول إلى غاية مايتمناه المرء ساعتها , ألا وهي أن يكون رقما يذكر في هذه الدنيا وأثرا لايبلى رسمه على أرض الأيام وتقلباتها المتفجرة .
فبلغ وبعد جهد ومثابرة شهدها سهره الطويل , وحركته الدؤبة التي ماعرفت السكون , حيث اللمسات الموزعة بالتساوي على مفردات دنيويات الحياة , إلى استاذية الأبداع ودور العلم في احدى قلاع جامعات العراق على أمل أفناء الذات في قارورة المجموع والعيش لإجل أن يكبر ويسعد الجميع , مع مأمتلكه من قدرة التربع والدخول بصدق إلى قلوب الأخرين .
ولكن من يستطيع أن يمنع مرور الأحزان من محلتنا .!!
فكما للأفراح من مواسم تضرب فيها الطبول , فأن للحزن موسم وطبول من نوع آخر قد أفترش الرصيف الذي كان يلمنا ذات يوم , ليقيم مأدبة ياليتنا لم ندعى لها .
أنها الحرب وأحتلال العراق من جديد , كي تجهض الأحلام في رحم امنياتنا , وليفتح كراس المواقف وصريف تدوين الرجال , فدار السجال ورويت الحكايات وزف لنا الوان من العذاب , حيث عشرات الشباب التي تتساقط كل يوم دفاعا عن العراق .
أما هو فقد كان في عالم آخر , عالم لايؤمن بثرثرة الكلام ولا بأدعاء البطولات , بل آنزواء يحمل فوق جبينه الأباء والأيثار فالعبرة للأجيال .
كبيرا اخينا وصديقنا ( أبا عبد الله ) عند النوازل وبصمت من تعذر عليه الخطاب , ووحيدا يسامر صديقه الوحيد , دجى الليل ولهيب المضي في الطريق المورد بالجنان , وفي صبيحة يوم شتائي حزين , وكأنه نحيب كل الأمهات الثكلى بأبنائهن , أخبرونا أن الفارس قد ترجل عن صهوة جواده , فأخيكم قد نال الشهادة في منتصف الليلة الفائتة , بعد مرابطة ومكمنا أعتاده كل يوم لمن كبر عليه ان يبصر الغزاة وهم يدنسون عذرية أرض الرافدين .
وفي صمت مهيب وبخطى متثاقلة نعسه أدركنا انها أطروحتك اللامكتملة , فسرنا خلف جثمانك الطاهر حيث المنزل الأخير , مع مايعصف بنا من صور حفظناها لك لتتكحل العيون بدموع الوفاء لمن جاد بنفسه لأجل أن نكون أحرارا .
فيا أصدق الرجال آعلم أن حياتك أطول من حياتنا حتى وأن غيبتك الأرض في أحشائها .
وأن اثارك لن تشابهها هذه الأطلال المهدمة الكاذبة هنا وهناك , فهذه الأثار لاروح فيها ولا دم ثائر نازف من وريدها .
أنها ياصديقي جزاء الله سبحانه وتعالى وتكريمه لكل ذي حظ عظيم ...