لقد توصل البحث العصري إلى حقيقة مهمة، واحدة من أهم الإنجازات في هذا القرن، وهي أنك تملك عقلين لا عقلا واحدا. فدماغك مقسم إلى قسمين.
نصف كرة الدماغ الأيمن يسيطر على اليد اليسرى، ونصف كرة الدماغ الأيسر يسيطر على اليد اليمنى- تقاطعيا. نصف كرة الدماغ الأيمن حدسي، غير منطقي، غير عقلاني، شعري أفلاطوني، خيالي، رومانسي، ميثولوجي وديني؛ ونصف كرة الدماغ الأيسر منطقي، عقلاني، رياضي، أرسطوي، علمي وحسابي.
نصفا كرة الدماغان هذا في صراع مستمر- داخلك توجد السياسة الأساسية للعالم، السياسة الإعظم في العالم. قد لا تعيها، لكن عندما تعيها، أول شيء يجب فعله سيقع في مكان ما بين هذين العقلين.
ترتبط اليد اليسرى بنصف كرة الدماغ الأيمن- الحدس، المخيلة، الأسطورة، الشعر، الدين- واليد اليسرى مرذولة جدا.
فالمجتمع في صف اليد اليمنى- اليد اليمنى تعني نصف كرة الدماغ الايسر. 10% من الأطفال يولدون عسراويين، لكنهم يجبرون على استخدام اليد اليمنى. ومن يولدون عسراويين يكونون غير عقلانيين، حدسيين، غير رياضيين، إقليديسيين (هندسيين).
إنهم خطرون على المجتمع، لذلك يجبرهم بكل الطرق الممكنة على استعمال اليد اليمنى. القضية ليست قضية اليد اليسرى أو اليمنى، إنها قضية السياسة الداخلية: فالاعسر يعمل من خلال نصف الكرة الدماغي الأيمن. وهذا ما لا يسمح به المجتمع؛ لأنه خطر عليه، لذلك يعيقهم عن ذلك قبل أن تستعصي الحالة. الأمر نفسه يصح على النساء والرجال. النساء كائنات يحكمها نصف الكرة الدماغي الأيمن، بينما يحكم النصف الأيسر الرجال. وقد قاد الرجال النساء على مدى قرون. الآن قلة من النساء ثرن، لكن المذهل في الأمر أنهن النوع نفسه من النساء. في الواقع إنهن مثل الرجال، عقلانيات، جدليات، أرسطيات.
تتغير القشور فقط، لكن يبقى الصراع ذاته في العمق. الصراع داخل الرجل أقل ثورية. وما لم يتوطد هناك، لن يتوطد في أي مكان آخر. السياسة داخلك إنها بين نصفي الكرة الدماغيين. هناك جسر صغير. إذا إنكسر لسبب ما، بسبب بعض العيوب النفسية أو ما شابه، يصاب الشخص بالفصام، يصبح شخصين- وتقع ظاهرة الشيزوفرينيا أو الشخصية الفصامية، عندئذ تصبح شخصان لا شخص واحد. في الصباح تكون محبا، جميلا، في المساء غاضبا، مختلفا تماما. لا تتذكر صباحك، كيف تستطيع أن تتذكره. كان عقل آخر يعمل- وأصبح الشخص شخصين.
إذا تم تدعيم الجسر جيدا، بحيث يختفي العقلان في عقل واحد، عندئذ يحدث التكامل، ثم يليه التبلور. ولهذا اعتاد جورجوردجييف أن يقول إن تبلر الكينونة ليس سوى اتحاد العقلين، التقاء أرسطو وأفلاطون. إذا استطعت أن تفهم هذا التشعب الأساسي في شجرة حياتك، يمكنك عندئذ أن تفهم الصراع الدائر من حولك وداخلك...
ينطوي العقل المؤنث على الكياسة والمذكر على الفعالية، وعلى المدى الطويل، إن كان هناك صراع مستمر، تنهزم الكياسة، طبعا، أمام الفعالية- ينتصر العقل الفعال لأن العالم يفهم لغة الرياضيات لا لغة الحب. لكن آن تنتصر فعاليتك على كياستك تخسر شيئا عالي القيمة: تفقد تواصلك مع كينونتك. قد تصبح قوي الفعالية، لكنك لن تعود شخصا حقيقيا. ستصبح آلة، شيئا كالروبوت.
لهذا السبب هناك صراع دائم بين الرجل والمرأة. لا يمكنهما أن يبقيا منفصلين، يجب أن يرتبطا بعلاقة ما من جديد، غير أنهما لا يستطيعان أن يبقيا معا أيضا. ليس الصراع خارجيا، بل في داخلك. وأعتقد: أنه ما لم تحل صراعك الداخلي بين نصفي الكرة الدماغية الأيمن والأيسر، لن تكون قادرا أبدا أن تعيش حب مستقر، لأن الصراع الداخلي سينعكس إلى الخارج. إن كنت تعيش صراعا داخليا وأنت محكوم بنصف الكرة الدماغية الأيسر، النصف العقلي، وتحاول دائما أن تهزم النصف الأيمن، ستحاول أن تفعل الشيء نفسه مع المرأة التي ستقع في حبها. وإذا كانت المرأة تصارع داخليا، باستمرار، عقلها العقلي، فستتصارع دائما مع الرجل الذي تحب