في يومٍ من الأيام طرق أحدهم باب الدار، فقمت بفتح باب دارنا لأجد رجل في حالة يرثى لها يقف أمامي, رجل بحواجب كثيفة وبقايا رموش وشعر محترق. فزعت عند رؤية شكل ذلك الرجل وصرخت " أمي" إلا أن الرجل الواقف عند الباب قال:" يا بني ألا تعرفني ؟" ثم امسكني وحملني بين ذراعيه.
و في هذا اليوم الذي عاد فيه أبي على هذا الحال سقط طريحاً للفراش وظل راقداً في سريره لشهورعديدة. وثابرت أمي المنهمكة و المنهكة في خياطة ملابس جنود الجيش الداخلية في الأهتمام بحالة أبي الصحية.
أصبح أبي مريضاً للغاية و لم يستطع أن ينهض من سريره. تلقى العديد من الأدوية البلدية والوصفات الشعبية بلا فائدة. كانت الحمى تداهمة بين الحين والآخر وكان يقول لأمي وهو يرتجف من الحمى :" غطيني يا مدام" كان دائماً يقول لأمي يا مدام حتى لو كان في أعلى درجات غضبه.
لا أستطيع أن أتذكر ما كانت تقوله أمي لأبي أو كيف كانت تخاطبه. إنها ببساطة لم تكن تقول شيئاً و لم أتذكر أن سمعت منها شيئاً مطلقاً. ولكن عندما كانت تتحدث إلى إمراءةٍ أخرى كانت تشير إليه بـ"بيزم أفندي" "سيدنا" أو "أفندي" ، أحياناً عندما تتحدث إلى شخصٍ قريب منا تشير إلى والدي بـ "حبيبنا".. و صوت أبي ينادي : "غطيني يا مدام.. غطيني بسرعة".
كانت أمي تغطي أبي بالبطانية والبدل وكل شي يمكن أن تغطيه به و كان أعلى السرير يتحول إلى تلٍ صغير. إلا أن أبي والذي كان يبدو وكأن سبب حرارته هو أمي، يقول لها غاضباً :" يا مدام قلت لك غطيني".
في يومٍ من الأيام كان يرتعش كثيراً فوق ذلك السرير حتى بدا لي وكأن الأرض تنشق من تحته... "أسرعي أحضري لي بعض من ثمار الخوخ الخضراء."
كان أبي رجل ذو طبعٍ حاد و عنيد للغاية فعندما كان يرغب في الحصول على شيء ما, لابد وأن تلبى رغباته بأي ثمن كان. فأحياناً يريد أن يحصل على بعض من ثمار الخوخ ليأكل وذلك عندما كان يشعر بأن حواشيه تحترق من فرط الحمى المرتفعة وفي هذا الوقت كان يسود الأعتقاد بأن لثمار الخوخ الخضراء فائدة في الشفاء من الحمى. و كانت أمي تذهب إلى الحقل المجاور لكي تحضر له بعض من ثمار الخوخ. و ذات يوم نهض أبي من فراشه ووقف على قدميه و قد برأ و تعافى من المرض. كان يؤمن بأن التحسن في حالته الصحية مرده فقط إلى الخوخ الأخضر الذي أكله.
بعد سنوات لاحقة قال :" لقد أنقذني الخوخ الأخضر من المرض وإلا كنت قد هلكت". وكان أبي يعشق التفاخر والتماهي بما يستحق و لا يستحق فقد كان يقول :" في ذلك اليوم أكلت صندوقاً كاملاً من الخوخ الأخضر" ، رغم أن الحقيقة ما أكله أبي كان فقط حبتين من الخوخ الأخضر