في عالمنا العربي تعود علاقة البيت العربي بالبخور إلى فترات ما قبل الاسلام
تروي الأساطير أن الملكة كليوباترا نجحت في إغواء القائد الروماني مارك أنطونيو وإيقاعه في حبها، برائحة الياسمين التي علقت بجسدها من مبخرة غرفتها بعد أخذها حماماً منعشاً. تلك هي الأسطورة، أما الحقيقة فهي أن البخور كان له على مدى عصور التاريخ، مكانة مميزة، بخاصة في عالم الكهنة سواء كانوا رجالاً او نساء.
وفي عالمنا العربي تعود علاقة البيت العربي بالبخور إلى فترات ما قبل الاسلام التي كان اعتماد الإنسان فيها على البخور من أساسيات يومه، وطقوس عباداته. وقد استمرت تلك العلاقة حتى يومنا هذا، بخاصة في دول الخليج التي يمثل فيها البخور وأنواع العطور المختلفة ملمحاً من أهم ملامح ثقافتها الحياتية.
تطلق كلمة البخور على مكونات عطرية توضع على مصدر حراري غالباً ما يكون الجمر، الذي يحولها بدوره إلى مواد عطرية ينبعث منها دخان ذو رائحة جميلة تختلف باختلاف العطر المكون له. ويستعمل لذلك مباخر أو مجامر ذات أشكال وألوان متعددة يعمل بعضها بالكهرباء، إلا أن غالبية محبي استعمال البخور يفضلون الجمر الطبيعي.
وتعتمد صناعة البخور على العديد من العطور من أشهرها العود والمسك والصندل والعنبر والزعفران والحنة. إلا أن أكثر الأنواع استخداماً هو بخور يعرف باسم "الدخون" الذي يضفي رائحة مميزة على أجواء المنزل، ويصنع بخلط نسب محددة من العود والمسك والعنبر وقد يضاف لها دهن الورد، حيث تخلط مع بعضها البعض وتتشكل منها أقراص تترك لتجف ثم تستعمل بوضعها في المبخرة.
عمر كرامة: صاحب أحد أشهر محلات البخور في مصر، يقول إن للبخور عالمه الخاص، فهو ليس مجرد عطور وأبخرة، ولكنه فنون وأسرار أيضاً. فعادة ما تكون خلطاته سرية ولا يتم تسريبها حتى للتجار المستوردين لها من دول الشرق الآسيوي وعلى رأسها الهند وماليزيا وإندونيسيا وبنغلادش والفلبين وباكستان. ويوضح عمر كرامة إلى أن أكثر الانواع التي يقبل عليها العرب والمصريون هي المصنوعة من الصندل والمسك والعنبر والياسمين، الا ان هذا لم يمنع وكما يقول، من التجديد بإضافة نكهات جديدة لعجائن البخور التي بات لها زبائنها هي الأخرى مثل بخور الفواكه.
ووضح هشام عبد العزيز: مدير محلات عبد الصمد القرشي بالقاهرة للشرق الأوسط، أن البخور الهندي هو ملك البخور في منطقة الخلية، ويليه السنغافوري ثم البورمي ثم الكمبودي، مشيراً إلى المكانة التي يتمتع بها بخور العود الذي يستخلص من دهن شجرة العود، حيث يبدأ سعر الكيلوغرام منه، من 75 ألف جنيه مصري وغالباً ما يكون معتقا لمدة ثلاث سنوات. وكلما زادت سنوات تعتيقه زادت رائحته روعة، كما تزداد قيمته وثمنه. من المعروف أن الخليجيين يستخدمون البخور لتبخير الثياب من خلال الوقوف فوق المبخرة بالملابس لمنحها رائحة زكية تفوح من ثيابهم.
علاقة البخور بالجاذبية لدى المرأة كما تقول أسطورة كليوباترا، لا تزال محط اهتمام العديد من النساء اللاتي تعشق الكثيرات منهن، بخاصة في منطقة الخليج، التعطر بعود البخور مثلما فعلت كليوباترا. ويتم تعطر المرأة بالبخور بعد انتهائها من أخذ حمامها اليومي، ووقت أن يكون شعرها وجسدها مبللا، لتلتصق به رائحة البخور اكثر، فتمنحها الإحساس بأن رائحتها طبيعية.
كما يحب البعض استخدام البخور كوسيلة من وسائل استقبال الضيوف والترحيب بهم وكثيرون يفتتحون مناسباتهم الخاصة وأفراحهم بحرق عود البخور لأنه برائحته الزكية يثير خلايا المخ ويبعث في النفوس شعور بالبهجة والراحة، فيساعد على الاسترخاء المصاحب بنشاط فعال بالجسم.
في السودان الذي يعد من أكثر الدول الإفريقية اهتماماً بعالم البخور، نجد أن للمرأة السودانية أسرارها في صناعة هذه المادة واستخدامها، إلا أن التعطر بها يقتصر على المتزوجة من دون الفتيات. وتبدأ علاقة المرأة بالبخور مع احتفالات الزفاف فيما يعرف بعادة "دق الريحة" التي يُفرد لها يوم كامل قبل الزواج بعدة أيام، حيث يجتمع أهل العروس وجيرانها وتقوم إحدى المتخصصات بصناعة البخور والعطور للعروسة، بإعداد هذه الأنواع التي تحتاج صناعتها لمهارة.
ويعد خشب الصندل من اهم المكونات التي تدخل في صناعة البخور المستعمل في هذه المناسبة، حيث يتم تكسيره إلى قطع أو أعواد صغيرة يضاف إليها بعض القطع من خشب يسمى "الشاف" ثم ترش عليه بعض أنواع العطور السائلة، بالإضافة إلى عنصر مهم هو أظافر التمساح، حيث يتم غسلها جيدا وتحميصها على نار هادئة حتى تتصاعد منها رائحة زكية، ثم تسخن بعد ذلك حتى تصبح بودرة، فترش على قطع الصندل مع إضافة المزيد من العطور السائلة وقليل من "المحلب" والمسك والماء والسكر. يجمع الخليط ويحفظ في إناء يغلق بإحكام ويترك، وحين توضع على قطع من الجمر، تتصاعد منها روائح أخاذة.
ومن الصندل والمسك والمحلب مع الضفرة، يصنع أيضا نوع من العطر يسمى "الخمرة" تحرص المرأة السودانية على وجوده في بيتها لما له من رائحة جميلة ونفاذة. أما حمام البخار بالبخور فهو أحد أسرار المرأة السودانية، ويعرف باسم "الدخان" الذي يشبه في طريقته حمام "الساونا"، وتستخدم فيه خشب "الشاف" أو "الطلح" أو الاثنان معاً، حيث تقوم المرأة السودانية بعمل حفرة في الأرض على عمق نصف متر تقريباً وتضع فيها الجمر ومن فوقه قطع الخشب، ليتصاعد الدخان وتجلس المرأة على مقربة من هذه الحفرة أو موازية لها وتلف جسدها بقماش ثقيل، بحيث يكون الدخان المتصاعد متجه مباشرة الى جسدها وتجلس على هذا الحال لمدة ساعة أو أكثر.
ميزة هذه الطريقة أنها تضفي الكثير من النعومة على البشرة، لأن البخار يزيل خلايا البشرة الميتة، مما يكسبها لوناً ذهبياً فضلاً عن الرائحة الزكية التي تعلق بالجسم لفترة طويلة.
ولهذا النوع من الدخان أيضا نصيبه في العادات السودانية في طقوس الزواج، إذ تخصص فترة للعروس لا تقل عن شهر لا تخرج فيها من البيت، وتقوم بعمل هذا الدخان طيلة هذه الفترة تكتسب فيها بشرتها نعوما وعطرا.
كما العطر، لشراء البخور قواعد وأصوله ينصح بها الخبراء:
- فيما يخص تعطير البيت، أنت لست بحاجة لشراء أنواع غالية، فالأنواع البسيطة والعادية تكفي لأداء مهمة التخلص من روائح الطهي وغيرها من الروائح التي تزعجك.
- عند تعطير غرفة النوم افتحي ابواب الخزانات، وأغلقي باب الغرفة، حتى تعلق رائحة البخور بالملابس والفراش.
- يمكنك أن تضيفي لأنواع البخور العادية بعض نقاط دهن الورد أو العود ثم تغلقي العلبة الموضوع بها حتى يتشرب البخور الرائحة.
- عليك الابتعاد عن البخور المطلي بأي لون لأنه غالباً ما يكون من نوعية رديئة، كما أن الطلاء يساهم في تغيير رائحة البخور. > قبل الشراء جربي قطعة صغيرة من البخور لملاحظة لون الدخان المتصاعد، فالبخور الجيد يميل لون دخانه إلى الأزرق.
- عليك أيضاً التعرف إلى جودته باستنشاقه، فإذا شعرت بأي ألم،، تجنبي شراءه فهو رديء.
- يمكنك فحص قطع البخور والبحث فيها عن عروق يميل لونها إلى البني الغامق أو الأسود، فالبخور الجيد يتميز بكثرة هذه العروق.
- احتفظي بالبخور في علبة محكمة الإغلاق حتى تظل محتفظة برائحتها لأطول مدة ممكنة.