بتـــــاريخ : 11/12/2008 5:44:00 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1439 0


    اعترافات مارينا

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : هزوان الوز | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة اعترافات مارينا

     

     

    ولدت في مدينة صغيرة. مخصصة للبحوث العلمية. في طفولتي كنت جميلاً جداً ذا شعر أشقر لماع وجلد ناعم شفاف، كم كانت تشدني الأثواب والجوارب النسائية، وعلى العكس، كنت أنفر من البنطال والقميص، ذات مرة دخل والدي الغرفة فشاهدني أحاول ارتداء ثوب أمي، يومها ضحك مني الجميع..‏

     

    عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري داهمني قلق مخيف، وذلك بعد أن أحببت رجلاً، كان هذا الرجل هو مدرس الموسيقا في مدرستنا، وكان القلق يتنامى ويضعني على حافة الجنون، حيث لم أستطع فعل شيء مع نفسي لأوقف كل هذا، بل أخذت أبحث عن أية فرصة للاقتراب من مدرس الموسيقا، وعقد لقاء معه، والإعتراف أمامه بحقيقة مشاعري، حتى بدوت في تصرفاتي أشبه بالمجانين..‏

     

    ازداد قلقي عندما أحسست أن هناك نتوئين على صدري، يكبران يوماً بعد يوم، حتى كادا يبرزان مثل ورم خبيث، ولم يلبثا أن أصبحا أشبه ما يكونان بنهدين لصبية في سن النضوج، وهذا ما دفعني لاستخدام مشد خاص محاولاً اخفاءهما، وارتداء معطف فضفاض بشكل دائم.‏

     

    لدى دخولي غرفتي كنت دائماً أحكم اغلاق بابها، فيمنحني ذلك قليلاً من الراحة والأمان والهدوء، وأبدأ خلع ملابسي وأقف أمام المرآة، أنزع المشد فيطالعني النتوءان، في هذه اللحظات كثيراً ما سيطر علي طيف مدرس الموسيقا، فأمسك النتوئين وأعمل فيهما، وأبدأ الصراخ كعذراء تسلم نفسها دونما عناد، أتوجه نحو السرير وتظل يداي تهصران النتوئين حتى أدخل مرحلة الغيبوبة، أصل إلى الذروة، أقع على سريري، أستلقي فوقه كمومس متعبة، وجسدي مبلل بعرق كريه، وأنفاسي تتعثر في هواء ملوث، ثم يهمد جسدي تماماً...‏

     

    بعدها استيقظ من نوم عميق وأبدأ بالبكاء إلى ما لانهاية، حتى أتى ذلك اليوم الذي لم أعد أحتمل فيه النظر في المرآة فحطمتها، ولعنت نفسي، وبصقت على كل شيء.‏

     

    ذات صباح، نزعت المعطف الفضفاض والمشد، ثم تكورت على هيئة رجل يضربونه وحاولت أن أجازف بالذهاب إلى المدرسة، لينظر إلي تلامذة صفي وليسخروا مني، ليبصق في وجهي من يرغب، لكن صوتاً داخلياً كان يمنعني: خروجك هكذا يعني نهايتك، تريدهم أن يضحكوا منك؟‏

     

    وكنت بهذا أعود وألبس المشد والمعطف الفضفاض، حيث اكتفيت بتلك الإهانة، وازدادت كراهيتي لنفسي، وعشقت الصمت.‏

     

    التيه مرسوم في دروبي، وليس أمامي أي ملجأ...‏

     

    وقعت عيناي في إحدى المجلات على مقالة مترجمة من صحيفة أجنبية، وفيها يتحدثون كيف تحول أحد البحارة الانكليز في عام 1953 إلى امرأة بعد إجراء عملية جراحية، عندها بدأت فكرة إجراء مثل هذه العملية الجراحية تراودني، لكني لم أكن على علم فيما إذا كانت مثل هذه العمليات تجرى في بلدنا، وحالتي كل يوم تزداد سوءاً، وانعزاليتي عن تلاميذ صفي تزداد أيضاً، بينما كان كل تلميذ في صفي قد اختار لنفسه صديقة من تلميذات المدرسة، وباتوا مثنى مثنى يتنزهون، وأنا لم أعد أحتمل استمراري في الجنس الذكري.‏

     

    كنت أحس أني مهان، وأن الآخرين ينظرون إلي بشك وشفقة، كثيراً ما راودني شعور أني فارغ، لا أملك شيئاً ذا قيمة يشار إليه، لهذا وجدت نفسي يوماً بعد آخر، أغرق في عزلتي وأهرب من أصدقائي، فالإهانات التي ألملمها أحسها تفور برأسي، فأمسكه لئلا أجن، ثم أبكي نفسي، راودتني فكرة الانتحار، لكن وجه مدرس الموسيقا كان يمنحني الأمل في إيجاد الطريق إلى أساس جديد، أبني عليه حياتي القادمة بكل وضوح، بحثت عن هذا الطريق في مدينتي الصغيرة فلم أجده، ولم يكن أمامي إلا البحث في مكان آخر حيث لا يعرفني أحد.‏

     

    بعد فترة من البحث والتقصي علمت بإجراء مثل هذه العمليات الجراحية في موسكو، حيث أرسلت سراً إلى هناك رسالة، وتلقيت جواباً مفاده أن عليّ الحضور أولاً لإجراء اختبارات نفسية لمدة أسبوع، وفي حال اجتياز هذه الاختبارات فسأحصل على وثيقة تسمح بإجراء مثل هذه العملية، ومن ثم الحصول على بطاقة شخصية جديدة، فركبت في مساء اليوم التالي القطار المسافر إلى موسكو.‏

     

    كان المشفى الذي قبلت فيه مشفى عاماً لمختلف أنواع العلاجات، ومن حسن حظي أن الطبيب الذي أجرى لي الاختبارات النفسية كان مهذباً ولبقاً وكتوماً، حيث لم يعرف أحد سبب وجودي في المشفى، بينما أصاب جاري في الغرفة حظ سيء، فقد أجريت له اختبارات نفسية من قبل طبيبين وقحين، وأذاعا قصته إلى الكثير من المرضى والممرضين، واعتبراه مجرد رجل شاذ جنسياً، وهذا ما جعل الكثيرين يضحكون منه ويوجهون له السخريات اللاذعة، حتى أن بعضهم حاول مضاجعته.‏

     

    لازلت أذكر جيداً النزهة الأخيرة التي شاركني فيها بعض تلامذة صفي، توجهنا إلى أطراف الغابة. جلسنا عند حافة النهر، أكلنا ما في جعبتنا من زوادة، ثم بدأنا السباحة.‏

     

    كانت النزهة بالنسبة لي احتفالاً وداعياً، نزلت الماء ولم أخرج منه، أو الأصح، خرجت في مكان آخر، حيث كانت بحوزتي بطاقة للقطار المسافر إلى موسكو .‏

     

    هناك أجريت العملية بنجاح، فاستؤصلت أشباه الأعضاء الذكرية، وأفسحوا للأعضاء الانثوية إمكانية الظهور وأخذ مكانها...‏

     

    سألني أحد الأطباء عن شعوري بعد اجراء العملية، فأجبت: أشعر أني عشت حياتي السابقة وكأن هناك عصاة موضوعة في مؤخرتي على الدوام، والآن أزيلت..‏

     

    بقيت في المشفى تحت المراقبة لمدة شهر، في نهاية هذه الفترة زارني طبيبي النفسي وفي حوزته عدة باروكات شعر بقياسات وألوان مختلفة، فردها أمامي وتركني أختار ما يناسبني، ثم أخرج مرآة من محفظته، وضعها أمام وجهي، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعاود النظر بالمرآة بعد تحطيمي مرآتي في البيت، وفي هذه المرة لم أصدق ما رأيت فيها..‏

     

    قال طبيبي النفسي: تفضلي بطاقتك الشخصية الجديدة يامارينا، آن لك أن تبدأي صفحة جديدة في حياتك.‏

     

    في الشارع لفت انتباه الكثير من الشباب، بعضهم كان يطيل التحديق بي بإعجاب، تبعني أحدهم، وعند زاوية الشارع سار بمحاذاتي، وبدأ مغازلتي، لم أتقبل كلماته، وكنت سأخرج عن طوري وأصفع وجهه، ثم عاودت التفكير وحدثت نفسي: حقاً.. أنا مجنونة، أليس هذا ماكنت أتمناه طوال حياتي السابقة.‏

     

    عندها تقبلت كلمات الشاب بعذوبة وابتسامة تزين وجهي، وقبلت دعوته إلى أقرب بار صادفناه، شربنا قليلاً من الويسكي، ثم تجولنا في شوارع موسكو الغارقة في العتم..‏

     

    صادفتني أمور وعادات مزعجة كثيرة لدى خروجي من المشفى، أدخل دورة المياه وأبدأ البحث عن عضوي الذكري بعد نزعي التنورة لقضاء حاجتي، أستمر للحظات في البحث حتى أنتبه لنفسي، وأتلفت الكثير من جواربي النسائية، كنت بغير تروٍ ألبسها وأنزعها، كما تدربت كثيراً على السير بحذاء نسائي ذي كعب عال، وذات مرة جلست في حديقة عامة مرتدية تنورة وساقاي مفتوحتان مثل الكثير من الرجال، لكن كثرة عيون رواد الحديقة المتوجهة نحو ساقي أثارت انتباهي، فنهضت منزعجة، وغادرت الحديقة على عجل، وأنا أتمتم: الأوباش.. لم يسبق أن نظرت هكذا بوقاحة إلى ساقي أية فتاة.‏

     

    لم أعتقد أنه بعد اجتيازي لهذه المرحلة سأفكر بالبيت والأهل، إعتقد الجميع بأني غرقت في النهر، على كل حال هذه مشكلتهم، أما أنا فيجب أن أبدأ صحفة جديدة في حياتي، لا أدري ما الذي شدني إلى مدينتي، من المؤكد مدرس الموسيقا، ربما ولو النظر من بعيد إلى والديّ.. أصدقائي.. جيراني..‏

     

    وصلت مدينتي، توجهت نحو حينا، لم أجرؤ على الاقتراب أكثر من مدخل البناء حيث يقع بيتنا، فكرت بالأمر طويلاً دون أن أصل إلى قرار، إلا أن حدثاً غير متوقع أنقذني، فمنذ أيام عثروا في النهر على مسافة عشرين كيلو متر من مدينتنا على جثة مشوهة، وباعتبار أن سجلات شرطة مدينتنا لم تسجل سوى اسمي في قوائم المفقودين، وأن الجثة مشوهة جداً بحيث لا يمكن تمييز الملامح، فقرروا أنها جثتي..‏

     

    إلا أن جارنا المهندس سيرغي لوبيموف رفض قرار الشرطة، وأكد صحة وجهة نظره السابقة بأني سافرت في أحد الأطباق الطائرة التي ظهرت في منطقتنا، خاصة وأنه شاهد بأم عينيه طبقاً طائراً أبيض اللون ينتقل بسرعة كبيرة متحدياً القوانين الفيزيائية والطبيعية، بينما جارنا الطبيب والشيوعي السابق فلاديمير كوزولوف ما زال مصراً على أن السماء اختارتني وطلبتني إليها، وسترسلني مرة ثانية لخدمة الكنيسة التي يجمع النقود لإعمارها، وقداعتمد في وجهة نظره هذه على انعزاليتي التي برأيه كنت أقضيها في العبادة.‏

     

    توجهت مع الكثير من الناس لتشييع جثماني دون أن أشعر بأي قلق أو حزن، على العكس تماماً، غمرني فرح عارم لأني شعرت بانتصاري على الطبيعة، ربما تقولون إني إنسانة مجنونة، حقاً لم أشعر بأي ألم.. أو أي تعذيب للضمير عندما شاهدت أمي تبكي وتصرخ وتحاول احتضان الجثة الممدة في التابوت، فقط تعاملت مع الأمر على أن أماً مثل كثيرات عندنا فقدت ابنها، يا حرام..‏

     

    يا إلهي، كم هي لحظات ممتعة أن يحضر الإنسان مراسيم دفنه، ويستمع إلى ما يقال عنه، حيث هنا لا يذكر الميت إلا بالأشياء الحسنة، أعتقد أن الكثيرين على استعداد لدفع مبالغ كثيرة حتى يتمكنوا من سماع الكلمات التي ستقال عنهم عند وضعهم في القبر.‏

     

    بعد عدة أيام زرت قبري، حدقت طويلاً في الصورة المنحوتة على شاهدة القبر، شعرت أني أعرف صاحب الصورة ولا أعرفه، ويومها انتهت علاقتي السابقة بهذه المدينة الصغيرة، خاصة وأني علمت بأن مدرّس الموسيقا هاجر إلى أستراليا. الآن أسكن في موسكو، وأعمل في معمل للدراجات، مضى على إجراء العملية الجراحية ما يقرب العام، مشاعر الأنثى دائماً تسكنني، لم تفارقني أية لحظة، مثلما لم يفارقني طيف مدرس الموسيقا، آه يا كل الرجال، كل ليلة أغمض عيني، وأبدأ في الحلم أداعب وجهك الرائع، وأحس صدري الناهد معصوراً في صدرك، فأستشعر الأمان وأنت تحتويني بنفس العنف الذي أحتويك به.‏

     

    ها أنا أجمع ما يكفي من النقود للسفر إليك، سأحاول معرفة عنوانك من السفارة الاسترالية في موسكو، ولن أكف عن مطاردتك، سأدخل قارة جسدك قاضية العمر في اكتشافها، وسأرتاد كل تلالها ووهادها..‏

    خاركوف‏

    كلمات مفتاحية  :
    قصة اعترافات مارينا

    تعليقات الزوار ()