بتـــــاريخ : 11/13/2008 11:04:23 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1177 0


    الرمضاء.. النار

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامي حمزة | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    -: لا أعرف إن كنت قد وجدتها، أم هي التي وجدتني!. بعد أن ضاقت بي السبل للتلاؤم مع بقايا الإنسان فيكم. ولجت البريّة "طافشاً" كي لا أرى فيها مخلوقاً يعترضني فيعكر مزاجي أكثر مما هو معكرٌ، أو "ينشّف" ريقي أكثر مما هو جافٌ.‏

    أدت بي مسيرتي إلى فضاءٍ رحبٍ وبيداء يغطيها سكون بحجم رمالها فلا تبدو لها نهايةٌ.‏

    من ذا الذي لا يهرع إلى ضجيج "التكنولوجيا" في زمن عقد الصفقات وجلسات الكيف؟ من يترك هذا الوجود المنهوب، ومن لا ينهب مادام النهب مباحاً؟؟.‏

    إنني مضيت لأنني لا أريد المشاركة فيه، وأدرت له ظهري إذ لا حدَّ يفصل بين أن تكون ناهباً أو منهوباً. لا وجه ثالثاً لهذه العملة، لذا أنا ماضٍ ليس إلى أسوأ من الضياع الذي عشته بينكم، حيث فقدت أهم ما كنت أعتز به، فقدت مقدرتي على معارضة أخطائكم.‏

    وبينكم كدت أُمسي مثل الدجاج المدجَّن، الذي يُعد للذبح، وهو لا يألو جهداً في الاستسمان، وكلما زاد سمنة، قصرت المسافة بينه وبين السكين.‏

    لم أقبل أن يضعني أحدٌ في إطارٍ مهما كان ثميناً، لأني لست صورةً، ولأني أريد الحبَّ والحياة.‏

    عطشتُ. الظمأ يقطع رقبتي من الداخل، زاغ بصري؛ ولم يضمحل الأمل. أيُّ أملٍ هذا؟!.‏

    هربت من ضياعٍ، وهأنذا هنا مثلي هناك، ضياع مفروض، وضياع لا إرادي؛ ولا فرق. وكيف يفقد الإنسان إنسانيته إن لم يكن في مثل هذه الصحراء؟!.‏

    أهي النهاية يا رجل؟!. أهذا آخر ما جرَّك إليه كبرياؤك؟.‏

    أما كان أفضل لك ألف مرةٍ لو قبلت الأمر الواقع، وسرت مع القطيع وتنعمت بالعلف المركز؟. أما كنتَ الآن..؟.‏

    - ما الذي سأكونه يا هذا القابع في نفسي، أبدأت تهذي؟!؟!.‏

    مازلتُ أسير بلا توقفٍ، لأني أعرف أن التوقف هنا يعني الموت البطيء الممل.‏

    لست نادماً أني في التيه، لكني حانقٌ وقد أضعت الأم والحبيبة، وربما فقدت نفسي لأني وإن وصلت إلى مكانٍ محددٍ، سأكون المجهول الذي لا يعرفه أحدٌ، فتضيع ألحاني هباءً. لكني مصمم على ألا أتراجع، لذا أيمم وجهي شطر البعد اللامتناهي. أين أنا؟ لا أعرف!. دوامة وعطشٌ في الأعماق يدفعني إلى أن أحشو فمي رملاً لعلَّ فيه رطوبة أكثر من جفاف سكوتكم المميت- صوتٌ أسمعه الآن، كصوت الربيع الخافق في الحشا. تلفت أبحث عنه، أتهجسه كمن يبحث عن شيءٍ في العتمة. سمعت آهاً واستغاثة.. ركضت.. رأيتها في حفرة يستحيل على مخلوقٍ حيٍّ الخروج منها بمفرده. إنها امرأة ما رأيت مثلها في الغابة التي هجرتها.. خفت منها، خشيتها!. قلت: لعلها ملكة الجن شقت الأرض عن نفسها، سألتها: من أنت؟. قالت: أنا مَيُّ.. أخرجني من هذا القبر أو انزل إلي. كان مستحيلاً إخراجها، فنزلت إليها، قلت: ما الذي أتى بك إلى هنا؟.‏

    قالت: لم أرضَ أن أكون له ركوبةً، ولأنه لا يريد أن يلطخ يديه بالدم، فقد رماني انتقاماً. ألن تنقذني؟.‏

    -: كيف وأنت في الهاوية؟!.‏

    -: قل نحن في الهاوية، لن تنقذ نفسك وتتركني، لن تغفر ذلك لنفسك إن فعلت. ضحكت وقلت: صدرك عامرٌ بالحياة، وشفتاك كالندى وأنا عطشان.‏

    قالت: لسانك حلو الكلام.‏

    قلت: في عينيك إشراق لم تقدر شمس الصحراء على غطش بريقه.‏

    قالت: وأنت لم تقدر رمال الصحراء على إطفاء جذوتك.‏

    قلت: هنا في هذا القبر الصحراوي، ليس لأحدنا فضلٌ في حبِّ الآخر.‏

    قالت: في هذا القبر أنت كقطرة المطر.‏

    قلت؛ بل لم أقل. -ارتعدنا واكتوينا بنار البرقِ، فتطاير الشرر، فانصهر بعضنا ببعضٍ وثملنا، وحين صحونا قالت: قد أحبل منك. أخرجني من هذه البئر.‏

    قلت: سأجعل قامتي سلماً لكِ. اصعدي كتفيّ.‏

    صعدت حتى صارت على وجه الأرض، تنفست الصعداء، ثم وقفت، فرأيت قامتها تعانق السماء عاليةً كساريةٍ بلا شراع، وأنا في قاع يم الرمال. حسبتُ أني سمعتها تقول: هات يدك. لكنها سارت، مضت مسرعةً، ركضت.. هربت!!..‏

    صحت: أواه يا مَيّ.. لم تعرفي اسمي بعد!!‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()