وثمة رجل وحيد، كان يسير بخطا هادئة في شوارع المدينة، وهو يتدثر بالليل، غير عابئ بالريح والمطر.
ينظر إلى الأشجار المبللة وقد انعكست عليها أضواء المصابيح الكهربائية فراحت تلمع أوراقها الندية، المتحركة بفعل الريح كقطع فضية مشعة، وفي ذاكرته كانت تجلس امرأة لها شكل الوردة، ورائحة الغزالة، وتحب الليل والمطر والغناء.
كان المطر غزيراً.
والريح الباردة الندية، تهب من كل الجهات، والشوراع خلت من المارة فالناس التجؤوا إلى منازلهم هرباً من البرد والريح والمطر فانعدمت الحركة تماماً في المدينة.
كل الأبواب مغلقة، وكل النوافذ موصدة، ولا شيء يوحي بالحياة في المدينة، وحده الرجل الوحيد كان يمشي في وسط الشارع، رغم الريح التي تلفحه، بقوة وقسوة، والمطر الذي يبلله، لم يحاول أن يركض، أو يفعل شيئاً يقيه المطر أو الريح، ولم يحاول أن يرفع ياقة معطفه أو حتى يمسح المطر المتساقط على وجهه.
كان ساهماً، شارداً، وذاكرته تشتعل كنار متأججة، كان يحلم، وكان الليل والمطر يزيدان حلمه اشتعالاً وتوهجاً، لذا لم يكن يظهر عليه أثر للإنزعاج، أو التذمر، أو القلق، أو الإحساس بالبرد، وكثيراً ما كان يرفع وجهه نحو السماء الماطرة، أو يفتح ذراعيه ويروح يدور حول نفسه بفرح طفل عابث، وهو يغني.
وحده كان يسير في الشارع.
ووحده كان يحلم..
كل ما حوله صامت..
إلا من صوت الريح والمطر، ووقع أقدامه على اسفلت الشارع المبلل بالضوء والمطر.
وكلما توهجت المرأة الوردة في الذاكرة، وشعت مثل نجمة بعيدة. يرتعش قلبه، ويتقد الشوق في داخله إليها، ويتعاظم شعوره بالفرح والنشوة والمسرة، ويزداد استغراقه في الحلم، وذوبانه فيه، فيروح يغني، في حين تروح المرأة الجالسة في الذاكرة تتوهج أكثر، ثم لا تلبث أن تصير شيئاً من غناء الرجل، وهي تنهض في داخله قمراً من قرنفل، فيختلط الحلم بالواقع، يتمسك الرجل بالاثنين معاً، يصير شيئاً منهما، فتختفي الشوارع، والأضواء، يتلاشى كل شيء، الريح، والمطر، والمدينة، ويظل وجه المرأة وحده يستبيح الرجل، وينهمر في داخله كالمطر.
في نهاية الشارع توقف.
تحت عمود النور تماماً توقف.
دار بعينيه في كل الجهات، فلم ير إلا العتمة تحيط به، وأشجار السرو تقف مثل أشباح أسطورية، وهي تصدر أصواتاً نديةً، عذبةً، بفعل الريح وتساقط المطر عليها.
قال الرجل في نفسه: منار كانت تحب المطر.
وقالت المرأة التي تجلس في الذاكرة: وكنت أنت تحب مناراً والمطر وأضاءت ابتسامته الطالعة من القلب وجهه المبلل بالحزن واللهفة، لم ير أحد ابتسامة الرجل، إلا هو والمرأة القابعة في الذاكرة، لأن الظلمة كانت كثيفة، والشوارع خالية من المارة، سره ذلك، فاتسعت ابتسامته حتى صارت بحجم القلب، وأدركت المرأة ماذا كان يفكر، فابتسمت هي الأخرى، وعندما تابع المسير تحولت ابتسامته إلى ضحك صاخب يملأ الشارع، دون أن تغادر المرأة الذاكرة.
وفي اللحظة التي اشتد فيها البرق والرعد، وتساقط المطر، جفلت المرأة، وفرت من الذاكرة مثل حمامة مذعورة، واندفعت تركض في الشارع، وهي تفتح صدرها للريح والمطر.
المدينة كانت نائمة.
وحده الرجل الوحيد كان مستيقظاً.
ووحده الذي كان يحلم.
فاندفع هو الآخر يركض في الشارع وراء المرأة.
لوحت له بيديها وهي تركض، فازداد انبهاره باللحظة، وتابع الركض يريد الوصول إليها واحتضانها، وكلما اقترب منها، وأيقن بالوصول، كانت تذوب من أمامه، وكأنها ما كانت موجودة على الإطلاق، ولا كانت تركض كالغزالة في الشارع، وتلوح له بيديها، فيعاود الركض من جديد، يقترب منها ثانية، يجاورها، يحس أنه لو مد يده قليلاً لأمسك بها، وعندما كان يفعل، كانت المرأة تختفي، وتتبخر مثل الضباب من بين يديه، لتختلط بالريح، والمطر، وحفيف الشجر.
ناداها متوسلاً، فردد الفضاء ضحكتها بانتشاء، ناداها ثانية، ظل ضحكها يتردد في الفضاء دون أن يراها، وكان الرجل متأكداً من وجود المرأة، وقربها منه، لقد رآها تركض في الشارع بأم عينيه، وها هو الآن يشعر بحركتها قربه، وأنفاسها الحارة تلامس وجهه وتخدره وتبعث فيه النعاس، لكنه لا يستطيع تحديد مكانها بدقة، يدور حول نفسه، كل ما حوله يؤكد وجودها، يركض حيث تنبعث رائحتها، وعندما يصل، يراها تتصاعد كالبخار الملون من جوف الأرض، وهي تتماهى في الريح والمطر، وضحكتها تملأ الفضاء.
تعب الرجل.
فجلس في وسط الشارع.
وعيناه مغرورقتان بالدموع.
والمرأة نجمة تشع عليه من كل الجهات وتناديه.
تمتم بهدوء حزين: لقد اشتقت إليك يا امرأة.
لم ترد المرأة.
وظل الشارع صامتاً.
اسند ظهره إلى جذع شجرة، وأغمض عينيه، وهو يجهش في البكاء، ويشعر أنه يختنق، وأن ريحاً عاصفة، مجنونة، شرسة كانت تستبيحه من الداخل، وتدمر كل شيء فيه، وحاجته إلى المرأة تزداد، وعندما تململت المرأة، وشعت في الذاكرة كالنجمة، أدرك الرجل مكانها، وبدون أن يفكر، مد يده إلى رأسه، وبحركة سريعة، شرسة، قاسية ومتقنة، اقتلع الرأس وكومه أمامه، وبأصابع مدربة، راح يبعثر محتويات الرأس ويكومها على الأرض.
تبعثرت محتويات الرأس، بعضها ابتعدت به الريح، وبعضها الآخر ظل بجوار الرجل الوحيد، ساكناً. هادئاً رغم الريح والمطر، وعندما طالعته صورة امرأة لها شكل الوردة، ورائحة الغزالة، ارتجف مثل سنبلة جافة، وشع الفرح في وجهه، اقترب منها، فابتسمت امرأة الصورة، وأضاء البرق عتمة الليل، فرأى الرجل ابتسامة المرأة، انحنى عليها، فطوقت عنقه بذراعيها، فعانقها الرجل أيضاً وبكى. فاختبأت المرأة في صدره وهي ترتعش.
قال لها بحنان: أنت ترتجفين.
قال له بحب: صدرك يدفئني.
قال لها: هل تشعرين بالبرد.؟
قالت له: كان ذلك قبل أن تأتي.
قال لها: في عينيك حزن.
قالت له: لأنني أفتقدك وأشتاقك.
قال لها: ليس أكثر مني.
فازداد التصاق المرأة به، في حين تحول الرجل إلى غيمة من حنان ودفء وحب، خيمت فوق المرأة، وقلبه يرتعش من الفرح، شعرت المرأة بذلك، فاتسعت ابتسامتها، وراحت تذوب في الرجل، وعيناها معلقتان في وجهه، وكان الرجل يذوب هو الآخر في المرأة، وعيناه المعلقتان في وجه المرأة نبعا حب ودفء وحنان، وضع يده فوق كتفها، فطوقت خصره بيدها، وسارا معاً رجلاً وامرأة تحت الليل والمطر.
قالت المرأة: لقد اشتقت إلى حديثك.
وقال الرجل: لقد اشتقت إلى غنائك.
فارتفع صوت المرأة يغني.
مثل حمامة تهدل، وراح هديلها يتماوج عبر فضاء روح الرجل، ويحمله إلى فضاءات من عبق وبخور وبنفسج، ويثير في نفسه أحلاماً، ومشاعر، وحكايات وصوراً، وكان الرجل يندغم في الحلم ويتوحد معه، وكان الحلم حاضر الرجل وفرحه، فارتجفت الأشجار، وصار صوت انهمار المطر يشبه النشيج في لحظة الفرح، في حين كان غناء المرأة ينثال في الليل كالضوء، مختلطاً بالريح، والعتمة، ونشيج المطر، ويدلف إلى مسامات المدينة وجعاً لذيذاً، ورعشة مشتهاة.
كانت المرأة تغني.
وكان الرجل سعيداً بغناء المرأة.
وعيناه الطافحتان بالفرح، والمسرة، والحلم، تغوصان في وجهها الذي يشبه الوردة، وصوتها العذب المليء بالحزن والارتعاش يعيده إلى أيام مضت، أيام ما زالت تسكنه مثل دمه، ولا تبارح روحه أو ذاكرته، أيام كانت فيها المرأة وردة، والرجل أغنيتها، وكلما امتلأ الرجل بصوت المرأة، كلما ازداد اخضرار تلك الأيام وتطاولها في داخله، وامتلأت ذاكرته بالضجيج والحركة والأصوات والوجوه، وانطلقت روحه مثل سرب من يمام تعانق تلك الأيام وصباحاتها السعيدة، وشيئاً فشيئاً غطى الحلم والماضي كل شيء، كل شيء اختفى عن الأنظار، وحده الحلم كان سيد الموقف، والرجل يعيشه بكل ما فيه من قدرة على التوهج، والحياة، والحلم، ويذوب فيه.
فجأة تملصت المرأة من بين يديه.
وانطلقت تعدو برشاقة في الشارع كما في المرة الأولى، فاندفع الرجل يركض خلفها، لم تكن المرأة تركض هذه المرة، كانت تقفز وتحلق كالفراشة، بل كانت تثب وثباً دون أن تلامس أقدامها إسفلت الشارع، وهي تطوح بذراعيها في الفراغ، فتبدو وكأنها أغنية من ضوء وألوان تنساب عبر الفضاء بين السماء والأرض.
كانت تتحرك برشاقة. كانت ترقص بفرح مجنون، دون أن تتوقف لحظة عن الغناء، تماماً كما كانت تفعل في الماضي، هذه هي لم تتغير، فراشة مجنونة، معبأة بحب الحياة، تحب الليل والمطر والغناء، وكلما اقترب الرجل منها، وحاول احتواءها في صدره، كانت تروغ منه كالنسمة، ولا يظل بين يديه إلا الهواء ورائحتها التي تخدره، وهي تمسه مساً رقيقاً يسري في ضلوعه، فيزداد انبهار الرجل، ويحس بالمرأة ما بين روحه وروحه، وما بين قلبه وقلبه، فيضرب الأرض بأقدامه بفرح، يطوح بذراعيه في الفراغ، ويروح هو الآخر يرقص مع المرأة في الشارع.
وكان كل ما في المرأة يضحك.
وكان كل ما في الرجل يضحك.
وعندما توقف الرجل عن الرقص وهو يلهث، ظلت المرأة تدور حوله كالفراشة، وهي تشرع ذراعيها للريح والمطر وتغني.
قالت المرأة للرجل: هل تعبت..؟
قال الرجل للمرأة: شيء من هذا.
قالت المرأة وهي ما زالت ترقص: لقد كبرت، فما حاجتك إلى.؟
شعر الرجل بالإهانة، فانتصب كالرمح، طوح بيديه في الهواء، فأحس أنه خفيف، خفيف كالريشة، شفيف كالهواء، لين كالماء، وأن ملايين الأيدي غير المرئية ترفعه إلى الأعلى، شعر بالفرح يتسلل إلى روحه وقلبه، والأيدي ما زالت تحمله، ينبت له جناحان، يرف بهما، يرف، يرتفع، يطير، تلوح له المرأة بيديها وتدعوه إليها، يلوح هو الآخر لها، ويروح يطير حولها كالعصفور، اقتربت المرأة منه، اقترب الرجل من المرأة، تشابكا، تداخلا، اختلطا، ذاب كل منهما في الآخر، صارا جسداً واحداً، وروحاً واحدة، وانطلقا يركضان في الشارع مثل طفلين مترعين بالفرح،ويملآنه صخباً، وغناءً وحياة.
جلجل الرعد في السماء،
عقب برق أضاء المدينة، مزق ستر الليل، وحوله إلى نهار، ارتعدت المرأة، وتعكر الفرح في عينيها، وبدا عليها الاضطراب والخوف، وجمدت في مكانها لا تتحرك، وعندما أبرقت السماء ثانية، امتلأت عيناها بالرعب، واندفعت كالطلقة تحتمي بحضن الرجل، وتستجير به، طوقها الرجل بذراعيه، فأحست بشيء من الأمان يسري في داخلها.
قال لها: لا تتوقفي عن الغناء.
قالت له: ولكنني خائفة.
قال لها: أنت معي وتخافين؟
قالت له: والموت معي أيضاً.
ذعر الرجل من ذكر الموت، وارتجف كل ما فيه، وأحس بقشعريرة حادة تسري في جسده، وروحه، وذاكرته، وخاف على المرأة، فشدها إلى صدره بسرعة، وضع رأسها في صدره، والخوف يجتاحه كالغزو، دفن وجهه في شعرها، وراح يستنشق رائحتها الذي يحب ويحلم. صوت نشيجها المتقطع أخافه أكثر، واسترده من الحلم، رفع وجهها نحوه، كان وجهها مصفراً وشاحباً، وكأنه قد من شمع أصفر، وعيناها مليئتان بالحزن والذبول والخوف.
قال لها: أنت تبكين.
قالت له: سنفترق.
قال لها: مستحيل.
قالت له: لقد وصل اليباس إلى روحي.
فارتعش قلب الرجل، وأحس أنه ينهب من الداخل، دون أية مقاومة، وازداد إحساسه بالخوف على المرأة، فعض على شفته السفلى حتى كاد يدميها، وحدق في المرأة بهلع وذعر، وقد دهمته صورتها في ذلك المساء الصيفي البعيد، وهي تنطفيء بين يديه، والموت حريق يركض في دمها، ويتطلع إلى القلب، وعيناها الذاهلتان. الذابلتان، الخائفتان مشدودتان نحوه، تتضرعان إليه، تتشبثان به، وتنداحان في داخله بكاءً صامتاً ونداءً، واستجارة، وهو عاجز عن فعل أي شيء، وعندما أدركت عجزه وتشظيه، ذرفت عينها دمعة أو دمعتين، ضغطت على يده بوهن، ثم ارتعشت، ثم اختلجت، وبعدها خيم ليل في العيون وانطفأ الجسد، وفرت من صدرها العصافير، والمواويل والأمنيات، وغادره ضوء الصباح.
ووقف هو ذاهلاً ومذهولاً، واجماً، صامتاً مثل صنم، لم يتحرك، لم يبك، لم يضرب رأسه بالجدار، ولم يمزق ثيابه أو يصرخ، همد مثل جثة هامدة، فقد القدرة على الحركة والنطق، وأحس أن روحه هو الآخر غادرته، لم يعرف وقتها كم بقي على هذه الحالة.
لكن الذي يتذكره، أنه عندما أفاق من ذهوله، ارتمى عليها كالمجنون، احتضنها، قبلها، شدها إلى صدره، دفن وجهه في صدرها لكنها ظلت هامدةً بدون حركة، وعيناها مطفأتان، باردتان، فأدرك وقتها فداحة الفاجعة، وأن كل شيء قد انتهى، فأطلق صيحةً اهتزت معها جنبات الغرفة، وأجهش في البكاء فامتزج صراخه ببكائه، واندفع كالطلقة يركض في شوارع المدينة وهو يبكي بلوعة، يدق أبواب البيوت، والمنازل، ويصرخ في وجوه الناس والمارة: لقد ماتت منار، يا ناس، يا سامعين الصوت، يا أهل المدينة، ماتت منار.
وكان الناس ينظرون إليه بدهشة واستغراب، من وقتها خيم ليل ثقيل على حياته التي استوطنها الحزن والوحدة، وغطى قلبه رماد ثقيل، لكن منار ظلت تسكنه مثل دمه ولا تبارحه.
ورغم يقين الرجل ووثوقه من وجود المرأة معه في تلك اللحظة، وأنها تختبئ في صدره مثل يمامة برية خائفة، وتلتصق به مثل روحه، فثمة خوف مفاجئ هبط في داخله، راح يعذبه، ويثير في روحه عذابات لا تنتهي، لأنه لم يستطع تصور فقدانها مرة ثانية.
في تلك اللحظة تماماً.
أرعدت السماء بقوة، وشعر الرجل بالمرأة وكأنها تريد أن تخترقه، وتنفذ إلى داخله، فأدرك حالة الخوف الذي كانت تعانيه، فالماضي يتكرر، ولكن بصورة ثانية، فشدها إلى صدره بقوة، لكنه شعر وكأن المرأة كانت تذوب بين يديه، وتنسل من حضنه كالطيف، وتتسرب في الفضاء وتتلاشى، وهي تغوص في الزرقة العميقة.
طار عقله. جن. وعادت الريح الشرسة تعصف به من الداخل، وتدمر كل شيء فيه، ولا تترك إلا الخوف، شد يديه أكثر حول المرأة، لكنه وجد يديه تشدان الفراغ، ولا وجود لامرأة بين يديه، تحرك بسرعة، كان وحيداً، ويداه مضمومتان بقوة على صدره، ولا أثر للمرأة بالمرة، فتش كل ما حوله، ظل وحيداً والمرأة اختفت.
ركض في كل الاتجاهات، وقف، تطلع على مد البصر، لا شيء يتحرك، ولا نجمة تشع، صمت مطبق، ومدينة نائمة، وريح تعوي وتضرب الشوارع، والأشجار، وأعمدة الكهرباء، تضرب الجدران، والعمارات وتحط على وجهه إبراً من نار.
مشى كالملهوف، ظل وحيداً أيضاً، لم يجد أثراً للمرأة، سأل الريح، والأشجار، والمطر، والليل، فأنكروا جميعاً رؤيتها، وقالوا بصوت واحد:
-الرجل محموم ويهذي.
قال لهم: لقد كانت معي.
قالوا له: لقد كنت وحيداً منذ البداية.
قال لهم: وكانت تغني أيضاً.
قالوا له: وحدك الذي كنت تغني في الشارع.
صرخ الرجل بعذاب ولوعة: منار.. وهو يتلفت في كل الجهات، كان متأكداً من وجود المرأة، فرائحتها تهب عليه من كل مكان، وصدى غنائها ما زال يتردد في المكان، إلا أن صوته ضاع مع الريح والليل والمطر، وظل وحيداً في الشارع مثل شجرة وحيدة في الصحراء