لِمَ لا تحقن في الشرايين دماً جديداً يلوّن الأصوات كما تتلون الملامح؟
لِمَ تبارك زفراتنا الحرّى، ولا تغسل وجوهنا الظمأى بنبيذ عشقك البدوي؟
لِمَ نراك متشحاً بأردية من الكلمات الدامعة ناثراً الأحزان في دروب التأوه؟
لِمَ تزرعنا على تخوم الأمل عباءة سوداء، وترسم الخزامى في وجع الصحارى طبيعة صامتة؟ قلت وما زال يعشش في دمي الوجل، ويحني هامتي الخجل:
هلاْ قرأتم القهر في دمع الفرات ووجوه السراة ؟!
أما رأيتم العجاج يفنّد آمالنا، والدخان وقد سرق إهاب الأرض وأقدام الجسر، وأبعد عن جذوة الشمس العيون ؟!
فكيف السبيل إلى المباهج والرؤى تغدو سراباً والضوء يستباح ؟!
كيف السبيل ومازلنا نمضغ في دامس الظلام لغة أفعالها بكاء وأسماؤها نعي وحروف عطفها نداء ؟!
كيف انتعل الريح وفي شعاب الأنين احتجاج ؟!
قالوا: وتبقى للصبح سويعات حُبلى بالفرح المنسي وللنهر مواويل جذلى..
قلت: عند الولادة سترونني ومضة عشق على شفة البرق تشدو.. غيمة عطر تحملني نحو التلال .. مقلة ولهى تغزلني حقول غلال..
وقتذاك لن يستوطن اللهاث في أنفاسنا، ولن تسرج خيولنا نحو التيه..
قالوا: بم توصي إن غمرتك سحائب السراب، أو أظلتك غمامة من تراب؟
قلت: وصيتي أن يحمل اللواء أحد اللاهثين في حدائق العويل، فإنه لن يضلّ الطريق إلى سدة الحلم لينثر في مفازة الشك بعضاً من يقين.