بتـــــاريخ : 11/15/2008 8:33:35 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1558 0


    حالة غضب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : حـنـان درويـــش | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    عاصفاً مثل الريح، دخل نضال إلى بيته، يحمل هموم الدنيا فوق منكبيه، لم تستطع أميمة استيعاب حالته الطارئة، ولم تراع وضعه النفسي المتوتّر، لأنّها كانت تعيش ضغوطاً مشابهة... وبينما اللحظة تناطح اللحظة، وبينما الاستفزاز يناور الاستفزاز، حدث مالم يكن بالحسبان.. فقد تكوّر وجهها بين كفّيه - فجأه - صفعة من هنا، صفعة من هناك، غيّبت معالم الودّ بين الزوجين، وغدا الأنس في خبر كان ... تعالى الصياح، وعصف العنف في جوّ جامح مشحون، أدّى إلى تخريب السكينة، وإلى تلاشي الهدوء على عتبات التهوّر. وراحت الحيرة تعانق متاهات لا بارق فيها ولا أمل، واستنفرت أسئلة أيقظاها بتفاهات الخلاف الذي نشب بغتةً .... الأسئلة مثل طعنات لم تغادر الجوارح، فظلّت نازفة مدماة على مدار أسابيع، بل شهور ...‏

    بعد انفجار البركان ... صاح نضال:‏

    - أخرجي من البيت، ولا تعودي إليه.‏

    رويداً، رويداً.. ابتعدت. رويداً، رويداً.. راح وجهها يتحنّط داخل تابوت الفقد. الثلج يتساقط داخلها، وأوقات الحزن تصفرّ ورقة، ورقة، وصدرها يعايش أنيناً مكتوماً يشدّها للإصغاء عنوه:‏

    قالت أمّها:‏

    - سيدفع الثمن غالياً‏

    قالت خالته:‏

    - طباعها لا تحتمل، وتستأهل الضرب.‏

    قال عمّها:‏

    - أنا أعرف شغلي معه.. نهايته ستكون على يدي.‏

    قال جدّه:‏

    - من لا تطيع زوجها ذبحها حلال.‏

    وجلست أميمة في بيت أبيها تنتظر ... وهل يحفل الانتظار، إلاّ بسوء الختام، بعد أن تفاقم الوضع، وأنبأت المشاكل بأخبار لا تسرّ، وتأججّت حرب طاحنة بين أهلها، وأهل زوجها، لم تخمدها وساطات المقرّبين، وفاعلي الخير.‏

    استنفرت البنادق .لمعت نصال المدى. أعدّت الأسلحة بجاهزيّة كاملة، وصار كلّ فرد من أفراد الأسرتين يتوعّد، يترصّد، يهدّد الآخر بالنذير.‏

    - " ليت يدي كسرت قبل أن تمتدّ صوبها "‏

    أخذ نضال يندب، يوبخ نفسه، بينما أصابعه العشرة تقف أمام عينيه مثل شبح أسود. كره عمره، عيشته، طول لياليه.. هو الآن في طريقه إلى فقدان الصبر، والقبيلة توزّع إرثها القديم، وحقدها عليه، منذ أن ارتبط وأميمة رغماً عن الجميع. إنهم يصفّون حساباتهم معه ... يستعدّون لشرب دمه.. يحرّكون دفة السفينة في الاتجاهات المواتية لريحهم -"لماذا يا أميمة ؟.. وكيف هان عليك الود ؟.. دعيني أعترف لك... دعيني أبُح.. لقد اشتقت إليك، والولدان أيضاً.. ألا تريدين رؤيتهما ؟ وسام ومريم، قرّة عيني وعينك... ألم يوحشك البيت؟ ... ألم تحنّي للياسمينة وصحن الدار ؟... وأنا ... ألم؟.."‏

    تحجرّت الدموع في عينيه، تمنى لوتسقط، لكنّها لم تشأ..تعمّدت الجفاء.‏

    نحلت أميمة ،جفّ عودها، صارت مثل عصفورة جمّدها الصقيع. لم تكن تدري أن مشادّة بسيطة ستتحوّل بسرعة البرق إلى فاجعة كبرى، تجرّ بساط الإلفة صوب هاوية القطيعة والانفصال ... إنه نضال.. عشير عمرها، حبّها الذي ضحّت من أجله بالكثير.. فكان صدره - في كلّ حين - ملاذاً لرأسها، حين يناوشها التعب، ومودّته قنديلها، ودفؤها، وفرحة عمرها.‏

    - " ماذا لو ضربني مرّة ؟.. ماذا لو أضطر وفعلها ؟.. ألم يكن غاضباً ؟ ألم يكن مشحوناً بألف سبب وسبب؟.. ألم يتصّرف بشكل خارج عن إرادته ؟ ... لماذا لم أتحمّله ؟.. لماذا لم أبرّرله ؟.. ولماذا تركت البيت ؟.. أنا نادمة، ولن يفيد الندم .."‏

    لقد احترق الهشيم بعود ثقاب، وخرج المصير إلى الشوارع، والبيوت والمقاهي، وإلى أروقة المحاكم، وراح الناس يحيون الميّت من الأفعال والنقائص الماضية في تاريخ العائلتين، وينقلون لكلّ عائلة عن لسان الأخرى أنباء يوميّة واتّهامات تزيد الطين بلّة.‏

    اشتعلت النيران في رأس .نذير، فانطلق يرغي ويزبد:‏

    - واللّه لأقضينّ عليهم واحداً واحداً ... واللّه لأحرقنّ الأخضر واليابس من ديارهم ..من يرمي أختي بوردة، رميته بشوكه تدميه، وتجرح قلبه، وتفقأ بؤبؤي عينيه ؟‏

    ركض نذير باتجّاه معيّن، تناهبته الأرصفة، وارته البيوت، تلقّفته عتمة الأزقّة، سكّينه تلمع في يده، وشرّه متأبّط.هجم على أهل نضال في عقر دارهم.. شتم ولعن، وتقاذف معهم حجارة الإهانات والسباب والألفاظ النابية.‏

    أقسم بأغلظ الأيمان أنّه قادم لذبحهم. تجمّع الجيران، وأهل الحي، وشتات من الأحياء القريبة والبعيدة. جاء الأخوال والأعمام ... الخالات والعمّات.. الأبناء والأحفاد، من قبل الطرفين، تشاجروا، تلاسنوا، تضاربوا، سالت دماء، ندبت نساء، مُزّقت أردان وياقات، حملتهم الحال الصعبة إلى وضع بعيد عن الصلح بعشرات السنوات الضوئية.‏

    في تلك الأثناء..‏

    كانت أميمة تعود إلى زوجها وولديها، دون أن تلتفت إلى الوراء

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()