بتـــــاريخ : 11/15/2008 8:51:13 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1272 0


    المطعم

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : جمال جنيد | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة المطعم جمال جنيد

     

    ( كلوا من طيبات مارزقناكم )

    قرآن كريم‏

    ترجّل الرجل الضخم الأنيق من سيارة الشبح، برفقة تمثال شمعي ساحر على شكل امرأة، فتح الباب الخلفي لسيارته، نزل منه كلب رمادي ضخم، هزّ ذيله، وتدلّى لسانه، وهو ينظر نحو صاحبه، كمجرفة حمراء.. تقاطر نُدُلُ المطعم نحو السيارة، فتحوا الباب على مصراعيه، وتهيأ صاحبه لاستقبال زبونه الدسم.. توجهت الأعين نحو المكان المعتاد إلى جانب النافذة، حيث يجلس الرجل الضخم الأنيق مع تمثاله..‏

    مسح الرجل على رأس كلبه، وتركه خارجاً، فتوجه الكلب مقعياً تحت النافذة..‏

    سحبت الأيدي كرسي الزبون المدسم، وكرسي المرأة الساحرة، لتحظى بإكرامية سخية.‏

    بدايةً، وكالعادة، حمل نادل أنيق طبقاً فضياً، ملآن بقطع لحم الضأن مع العظام، الواحدة منها بحجم قبضة اليد.‏

    ألقى الرجل الضخم الأنيق، نظرة على مافي الطبق من لحم شهي وعظام، ونظر النادل نظرة ذات معنى، فابتسم النادل ابتسامة دبلوماسية وعاد وهو يخفض رأسه، ثم خرج من باب المطعم، ووضع الطبق الأنيق الفضي أمام الكلب، ثم بدت أسنان الرجل المزروعة، وهو يبتسم لتمثاله، بينما يفكر بكلبه، يلتهم، باطمئنان، لحم الضأن مع عظامها، وصوت تنفسه الذي اعتقد أنه يسمعه، كالعادة، ليشير إلى راحة نفسية تتضافر مع شبعه.‏

    تبادل الرجل مع صديقته كلمات شاعرية رومانسية، على صوت موسيقا هادئة خفيفة، تصدر من أرجاء المطعم، وبدا وجهه حينذاك، يفيض حيوية واطمئناناً.‏

    لم يسمع همهمة كلبه كالعادة، حين يشبع، فعزا ذلك إلى أصوات السيارات، خارج المطعم ذي النجوم الستة.‏

    بعد الطعام، بعد الأصناف بألوان، والألوان بروائح تثير الشهية، نهض الرجل، أمسك بيد صديقته، ركض نُدل المطعم فسحبوا الكرسيين بهدوء زائد..‏

    جميعُ ندل المطعم فتحو الباب، وكأنهم يفتحون باب قفص وحش هائج..‏

    هجم الكلب نحو بطة رِجْل صديقة الرجل الناعمة الطرية.‏

    سحبه الرجل بقوة حصان. من جنزيره المذهَّب.. بوجه غاضب كقرصان، وتوقف ندل المطعم بوجه الكلب الهائج، وقلوبهم تتسرّع خوفاً..‏

    استكان الكلب لوجه القرصان الغاضب، وعاد هادئاً في المقعد الخلفي، والشبح تنهب الأرض نحو عيادة الطبيب الخاص..‏

    قال الطبيب للرجل:‏

    - لو لم تحضرها بهذه السرعة، لسرى فيها داء الكَلَب!..‏

    - كلبي لا يعض وهو شبعان!..‏

    نظرت الساحرة، بعد إبرة الطبيب إلى الغرفة الأخرى بخوف شديد، والتصقت بصديقها الضخم.. سأل الطبيب بوجه خجول:‏

    - أليس لديه كلبة؟!..‏

    دهش الرجل لهذا السؤال، لكنه أجاب:‏

    - عنده كلبة سمينة هجينة، شعرها ناعم. اشتريتها له بألف دولار! لكنه.. لكنه لا يحبها!..‏

    انفرد الطبيب بالكلب في الغرفة الأخرى، ثم خرج قائلاً:‏

    - الكلب جائع!..‏

    دهش الرجل وهو يقول:‏

    - كلبي لا يجوع!..‏

    بعد أيام، وبعد أن اتبع الرجل أساليب الاقناع كافة، وبعد أن وضع لجاماً على فم كلبه، قبلت الصديقة الرقيقة، وجود الكلب داخل السيارة معها...‏

    حين وقفت السيارة أمام باب المطعم، ركض صاحبه ببذلته السوداء الغالية الثمن وياقته البيضاء و(بابيونه)، خافض الرأس أمام زبونه السخي، واستمع إلى بضعة كلمات قصيرة، ومشدّده ونهائية..‏

    هزَّ صاحب المطعم رأسه باحترام، وأشار بيده، فركض النُدُلُ، وأحاطوا به، هزوا رؤوسهم، ونظروا إلى الخارج حيث يقف الكلب تحت النافذة.‏

    بدت الدهشة على زُبُن المطعم،وقد فقدوا الخدمة بدخول الرجل. مع تمثاله الأشقر الساحر..‏

    حين خرج النادل بطبقه الفضي. ووضعه أمام الكلب، وعاد إلى الداخل، راقبت عينا نادل كالصقر، من نافذة عليا، كيف يتناول الكلب طعامه..‏

    قبل أن يضع الكلب فمه على الطبق الفضي، تقدم أشباح بأجسام هزيلة، لاذوا بالجدران خلسةً، ترافقهم كلبة عظامها بارزة، لحق الكلب الرمادي الضخم بالكلبة الهزيلة، وقد تدلّى لسانه كالمجرفة، وخرجت أنفاسه حارّة كهواء فُرن..‏

    تناولت الأيدي المعروقة الطبق الفضي، وكأنه مائدة من السماء، وسكبت مافيه في قصعة مقشرة الحواف..‏

    استمع صاحب المطعم باهتمام إلى تقرير من عيني الصقر الذي راقب الحدث..‏

    لمعت عينا صاحب المطعم بخبث ذئب، وكأنه اكتشف كنزاً دفيناً، وأشار بيده للنُدُلُ، حيث أحاطوا الأشباح، بلمح البصر، من أمامهم وخلفهم...‏

    ترك الأشباح قطع اللحم والعظام، وكأنهم تركوا أرواحهم، وانسحبوا يائسين، مع كلبتهم الهزيلة، وكأنهم انسحبوا من معركة الحياة، ولم تتابعهم في هزيمتهم سوى عيني الكلب الضخم بلهفة وحزن..‏

    رُمي مافي القصعة المقشرة الحواف في حاوية المطعم الداخلية، ورميت فارغة إلى جانب الرصيف، خلف الأشباح. فأصدرت صوتاً محتجاً. ثم سكنت على فمها. أما الكلب الحزين، فقد قُدّمت له قطع أخرى مع العظام، لم يأكل منها شيئاً، واستكان مقعياً على يديه على الرصيف...‏

    اتخذت ترتيبات أمام المطعم، بالاتفاق مع البلدية، سُوّر الرصيف أمام النافذة، بسلاسل مذهبة، وفَرَزَ صاحب المطعم نادلاً أنيقاً بملابس المطعم الرسمية.‏

    نظر الرجل الضخم الأنيق نظرة ذات معنى، نظرة رضىً واطمئنان، إلى النادل الذي يقف باحترام أمام كلبه، وتبادل ابتسامة لها معنى، مع صديقته التمثال. بينما أخذ روّاد المطعم، ينظرون باشمئزاز لما يجري، أو بدهشة بسبب غرابة الموقف..‏

    راقب الأشباح ببطون جائعة، مع كلبتهم الهزيلة، مايجري من بعيد، كانت عيونهم محمّرة غاضبة، كجمرٍ تحت الرماد

    كلمات مفتاحية  :
    قصة المطعم جمال جنيد

    تعليقات الزوار ()