قال له: حظك يفلق الصخر.. قضيتك عند أبي سامح، صاحبي وحبيبي.
أجاب مرتبكاً:
-مع هذا.. لست مطمئناً، فقد صرنا في زمن لا يعرف فيه الأخ أخاه.. كل شيء صار بالمال.. حقك الذي هو حقك، لا تأخذه إلا بعد أن تدفع.
-هذا صحيح. إلا أن صاحبي يشذ عن هذه القاعدة.. ماذا أقول لك..؟ ماذا أصف وأشرح؟ يا عزيزي.. إنه فريد زمانه.. رجل والرجال قليل.. نشأ عصامياً، ناضل وقاتل، حمل عبء والدته وإخوته اليتامى.. والآن، بعد أن استقر في العاصمة، ورغم قسوة الظروف، وغلاء المعيشة، وحاجات البيت والأولاد، التي تقصم الظهر وتحني هامات الرجال، لا يقبل شيئاً من أحد، ولا يمد يده لإنسان.. يعيش على الراتب، ولا يقبل القرش الحرام.
-لكنني لا أعرفه. فكيف أصل إليه وأشرح له قضيتي؟
-هذه ليست مشكلة.. يا عزيزي، أنا أذهب معك.. نعم أنا أذهب معك، فهو، كما قلت لك، صاحبي وحبيبي، ولا يرد لي طلباً.
-أخشى..
قاطعه: لا تخشَ شيئاً، ما زال في الدنيا خير، والصديق للصديق. لقد خدمنا كثيرين غيرك.. لا يمر شهر إلا وآخذ إليه واحداً أو اثنين من أصحاب القضايا.
-حسناً.. اتفقنا.
قال متردداً: بقيت مشكلة صغيرة.
-ما هي؟
-يجب أن أتدبّر مصروف البيت والأولاد قبل سفرنا.
-لا عليك.. دع عنك هذا الأمر. كم يكفيك؟
حجز مقعدين في السيارة المغادرة إلى العاصمة.. وهناك قصدا فندقاً حديثاً، وتناولا الطعام في مطعمٍ راقٍ. ثم انطلقا إلى أبي سامح. وقبل أن يدخلا مكتبه قال:
-أتعرف..؟ يجدر بك أن تحمل هدية معك. أنت آتٍ من بلد بعيد، ومن غير اللائق أن تدخل عليه ويدك فارغة.
قال مضطرباً: لم تذكّرني.. وقد قلت لي إنه لا يقبل رشوة.
أجاب مستنكراً: طبعاً.. إن صاحبي وحبيبي رجل نزيه شريف، لا يقبلها أبداً..
ثم أضاف: ولكنه يقبل الهدية.
-نشتري له هدية.
-لا.. لا حاجة لذلك.
-ما العمل إذاً؟
-يا عزيزي.. إنه صاحبي وحبيبي.. والمسألة بسيطة.. ضع ثمن الهدية في مغلف.. وقدّمه كهدية