عندما خرج من عيادة الطبيب، أشار لأول سيارة عامة، وبصوت مختلج مخنوق قال لسائقها: خذني إلى البيت. وأعطاه العنوان.
زوجته التي قالت له قبل ساعة: اذهب واستشر طبيباً. فوجئت به يدق الباب، على غير عادته، ويستند إلى الجدار، ثم يجرّ قدميه بتثاقل، ويتهالك على أول كرسي. فسألته بهلع:
-ماذا قال الطبيب؟ ماذا جرى؟
لم يجب على سؤالها، بل قال:
-أريد ماءً. دعيني أتناول هذا الدواء، وأستلقي على ظهري، أنام على الأرض.. لا أريد السرير.. لا تضعي فراشاً سميكاً. هكذا يقول الطبيب.
قالت بدهشة: قبل قليل كنت مثل الحصان.. صحيح أنت تشكو من آلام ظهرية، تمتد أحياناً إلى ساقك وقدمك، أما أن يكون الأمر خطيراً إلى هذه الدرجة... فهذا مالا أتصوره. ماذا قال الطبيب؟
-قال.. يجب أن أنام على ظهري، دون حركة، شهراً أو أكثر.
تهاوت من أثر الصدمة، ولمعت في عينيها دموع ساخنة، وفي رأسها دارت فكرة مرعبة، وسؤال يقطر مرارةً وأسى: هل يعني هذا أنها ستفقد رجُلَها؟!.
الأصدقاء الذين هالهم الأمر.. نصحوه بزيارة طبيب آخر...
قالوا له.. استشارة واحدة لا تكفي، ورأيان أفضل من رأي واحد.
الطبيب بشر.. والبشر يخطئون.
حملوه في سيارة، وأدخلوه العيادة. وبعد الفحص والأسئلة ابتسم الطبيب وقال:
-من أشار عليك بهذا العلاج؟! هذا من قلّة الحركة... العضلات والأعصاب تفقد مرونتها.. عليك بالمشي والرياضة حيث يزول الألم تدريجياً، وخذ هذا الدواء.
عندما سمع كلمات الطبيب، شعر أنه أفضل حالاً.. استعاد الثقة والأمل، فعاد إلى بيته سيراً على قدميه، والابتسامة تعلو وجهه.
وللوقوف على حقيقة مرضه، استشار طبيباً آخر. فقال له:
-النوم على فراش من الإسفنج جيد. فالحرارة تشفي ألم المفاصل.. والعضلات تسترخي.. وخذ هذا الدواء.
طبيب رابع قال له: من أشار عليك بذلك؟ الإسفنج غير صحي أبداً.. يرفع الحرارة ويزيد الالتهاب.. النوم على الأرض مباشرة أفضل، ولو لم تكن مجرد هيكل عظمي يكسوه جلد لقلت لك لا تضع شيئاً تحتك بتاتاً. ارم الأدوية الأخرى فهي تضرك، وخذ هذا الدواء.
خرج من عيادته متسائلاً: ماذا يفعل؟ أي رأي يتبنى؟! وأي نصيحة يعمل بها؟!.
عاد إلى بيته.. نظر إلى الوصفات والصور الشعاعية، وعلب الأدوية التي تشغل حيزاً من غرفته.. تناولها بطرف أصابعه، ونظر إلى سلة النفايات.